نظرة ما بين الواقع والتاريخ والخيال في أدب اليمني علي المقري
٢٠ يوليو ٢٠١٤علي المقري كاتب وروائي يمني صدرت له حتى الآن عشرة كتب، منها كتاب "الخمر والنبيذ في الإسلام" والذي يعد محاولة جريئة لكسر فكرة التابوهات المحرمة بالإضافة إلى أربع روايات هي: "طعم أسود...رائحة سوداء" و"اليهودي الحالي"، والحالي تعبير يمني يقصد به "الجميل"، وكذلك رواية "حُرمة". وعن روايته الرابعة "بخورعدني" الصادرة حديثا عن دار الساقي في بيروت وعالمه الروائي، أجرت معه الـ DW الحوار التالي:
DWعربية: روايتك "بخور عدني" تعود بنا إلى ماضي عدن، حيث وُجد التعايش بين مختلف الهويّات. فما الذي قادك إلى استعادة تلك التجربة، في ظل الواقع اليمني الحالي الذي تهيمن عليه الصراعات المذهبية والسياسية؟
علي المقري: الصراعات في اليمن أو في البلدان العربية، التي شهدت تحولات عاصفة، تأتي بعد عقود من التفرد بالسلطة والتحكّم بمصائر المجتمعات ومؤسساتها من قبل أفراد وعائلات وأحزاب وطوائف. وهذا التفرّد والاستحواذ تأسس على قاعدة وجود خصوم ليس لهم الحق في المشاركة المجتمعية وتمثيلاتها.
وهؤلاء الخصوم، الذين عاشوا حال الإقصاء والتهميش والمواجهة، يبدو حالهم الآن وكأنّهم يواجهون الجميع، فالكل ضد الكل. وكل طائفة أو جماعة أو جهة جغرافية أو مذهبية ترى أنّها قد صارت الأقوى وأن حقها في السلطة والقرار والمال قد عاد إليها. أظن أنّه حال انتقالي منفعل ومرتبك، ينطلق من قاعدة استعادة الحق في السلطة ومحاكمة الخصوم التاريخيين إيديولوجياً وسياسياً، عبر حروب جيوشها أولئك الفقراء الذين لم تتح لهم السلطات المندثرة العيش الآمن والتعليم المنفتح والثقافة الديمقراطية والتعبير الحر، ووضعتهم في حال استعداء وتربّص للمواجهة والانتقام.
هل أردت من أبطال روايتك الجديدة أن يكونوا منقذين لهذا الحال ومغيِّرين له، كما نُسب إليك؟
لا، لم أقل هذا. ولا أدري لماذا نُقل عنّي هذا الكلام بهذا الشكل.أنا أتحدّث عن أشخاص وليس عن أبطال، إذ أنه لم يعد من الممكن الحديث عن أبطال روائيين منذ اتخذت الرواية الحديثة، أو ما بعد الحديثة، وجهات جديدة لانطلاقاتها السردية. أصبحت تبدو معها أحيانا بدون منطلقات. لهذا لم أهدف إلى البحث عن منقذ أو منقذين سواء في الماضي أو في الحاضر.
رواية "بخور عدني" تضع مفهوم المنقذ نفسه تحت الاختبار من خلال تشكله الجمعي: إذ بدأ مع الثوار حين صاروا في سلطة بديلة عن الإدارة الاستعمارية ومواجهتهم كل من يختلف معهم؛ وقبلهم كان هناك من يعتبرون أنفسهم منقذين، أيضاً، كرجال الدين والمنادين بأن تكون "عدن للعدنيين".
المتتبع لأحاديثك وكتاباتك يجد أنك لا تحبذ صفة الرواية التاريخية، مع أننا نجد إشارات في رواياتك تحيل إلى أزمنة وأحداث؟
المسألة ليست في أنني أحبذ أو لا أحبذ، فالتوصيف يأتي من خارج الفعل الكتابي. وأعتقد أن (الكاتب) عبد الرحمن منيف هو من قال إنّ "الرواية هي تاريخ المهمشين أو من لا تاريخ لهم". أما إذا كانت الرواية التاريخية هي تلك التي تنقل أحداث التاريخ كما وقعت، فبالتأكيد أن رواياتي ليست تاريخية. ما يمكن اعتباره تاريخاً موثقاً في رواياتي لا يتعدى بضع فقرات أو إشارات في سطور قليلة. فأنا لا أورد الإشارات التاريخية الزمنية، إلاّ إذا بدت لي أنها تساهم في إضاءة المحنة الإنسانية التي أختبرها روائياَ.
ما أبرز الملامح الفنية لمنجزك السردي؟وهل الاهتمام بترجمة رواياتك للغات أخرى جاء تقديراً لهذا المنجز،أم لأسباب أخرى؟
لا أعرف لماذا هذا الاهتمام. ولا أدري كيف تقبل القارئ الأوروبي طريقة سرد رواية "اليهودي الحالي" التي تستفيد من شكل الحوليات التاريخية العربية دون مطابقتها طبعاً. الأشخاص يظهرون في أزمنة غير متتابعة، كما في رواية "حرمة" التي تسردها الراوية وهي تسمتع إلى أغنية تتخللها تسجيلات أخرى صوتية ومرئية. وبعض الأشخاص قد يظهرون ويختفون فجأة، ضمن أحوال سريعة التبدل وغير مستقرة، كماهي أحوال "الأخدام" وهم السود في اليمن. في رواية "طعم أسود... رائحة سوداء".إذا كانت الرواية الحديثة تعتمد في بنائها الفني على تعدد الأصوات، فإن هذا التعدد قد لا يبدو ظاهراً للقراءة غير المتفحصة، فللصوت الواحد نفسه قد يكون هناك عدة مستويات، سواء كان اجتماعياً أو فردياً، كما أنه قد يتعدد ويتناقض في الشخص نفسه.
بدا لي في روايتي الأخيرة، أن السارد بضمير الـ "هو" لا يبتعد عن الموضوع المسرود، إذ يلجأ السارد إليه، حين يريد إخفاء هويته. لهذا، فإنّه في هذه الرواية ليس راوياً عليماً، حسب التصنيف التقليدي للرواية الحديثة، وإنما يبدو كتداع أو منولوغ داخلي لا يختلف عن التداعي الذاتي في ضمير الـ "أنت" أو"الأنا". وهكذا فإذا لم يتعامل القارئ مع هذا السرد ضمن آفاق تجريبية مختلفة عمّا تعود عليه، فإنّه قد يجده مفاجئاً أو مربكاً له.