"هاتف"....مشروع ألماني لمحاربة التطرف الإسلاموي بالتثقيف السياسي
١٤ أغسطس ٢٠١٠سيطرت لبضعة أسابيع على وسائل الإعلام الألمانية قضية الشاب الألماني من أصل سوري، رامي ميم. فهذا الشاب مطلوب دوليًا منذ الثامن والعشرين من شهر نيسان/أبريل بسبب الاشتباه في عضويته في تنظيم الحركة الإسلامية في أوزبكستان IBU الإرهابي، وعلى ما يبدو كان يريد الذهاب في الحادي والعشرين من حزيران/يونيو إلى السفارة الألمانية في إسلام أباد من أجل الاتِّصال هناك بالسلطات الألمانية. ولكنه لم ينجح في الاجتماع مع الموظفين الألمان؛ إذ تم اعتقاله قبل ذلك ببضعة أيَّام من قبل الشرطة الباكستانية.
ولكن ما الذي كان يريده رامي ميم بالضبط؟ وهل كان يريد تسليم نفسه للسلطات الألمانية والتخلي عن الإرهاب ونبذه أم كان يريد تفجير قنبلة في مبنى السفارة، مثلما اعتقدت وزارة الداخلية الألمانية؟ لكن لو أنَّ رامي ميم كان ينوي حقًا نبذ الإرهاب، فسيكون بالتحديد من ضمن الأشخاص الذين أنشأت الهيئة الاتِّحادية الألمانية لحماية الدستور (BfV) في التاسع عشر من تمّوز/يوليو من أجل مساعدتهم برنامجًا لمساعدة الإسلامويين في الخروج من الأوساط المتطرِّفة يطلق عليه اسم "هاتف".
وفي برنامج "هاتف" (HATIF)، الذي يشير في الوقت نفسه إلى جهاز الهاتف في اللغة العربية ويعتبر في اللغة الألمانية اختصارًا لعبارة "أخرج من الإرهاب والتطرّف الإسلاموي"، يستطيع الأشخاص الذين يحتمل خروجهم من أوساط الإرهاب والتطرّف وكذلك أقاربهم وأصدقاؤهم القلقون الاتِّصال مباشرة من خلال الخط الساخن أو من خلال البريد الإلكتروني بالهيئة الاتِّحادية الألمانية لحماية الدستور، للحصول على الدعم والمساعدة أثناء محاولتهم الخروج من هذه الأوساط.
أسئلة من دون إجابات
وعلى الأقل هذا ممكن من حيث النظرية. ولكن مع بدء هذا البرنامج أثيرت أيضًا بعض الأسئلة. وفي البداية وقبل كلِّ شيء إلى من يتوجَّه برنامج "هاتف"؟ وما المقصود بالضبط بكلمة "إسلاموي"؟ ففي التقرير الصحفي الصادرة عن الهيئة الألمانية لحماية الدستور، تم على ما يبدو تعريف الفئة المستهدفة تعريفًا واضحًا: "برنامج هاتف يهتم بالأشخاص الذين وقعوا تحت تأثير جماعات إسلاموية متطرِّفة أو إسلاموية إرهابية، ويريدون تحرير أنفسهم من هذه الجماعات، ولا يستطيعون تحقيق ذلك بأنفسهم، ويهتم كذلك بآبائهم وأمَّهاتهم وبأفراد أسرهم وأصدقائهم".
وضمن هذا السياق يذكر تقرير هيئة حماية الدستور أنَّ عدد "الأشخاص الإسلامويين المحتملين" يبلغ ستة وثلاثين ألف ومائتين وسبعين شخصًا. ولكن إذا نظرنا جيدًا فسنلاحظ أنَّ أعضاء جماعة ملّي غوروش Milli Görüş الإسلامية الذين يبلغ عددهم تسعة وعشرين ألف عضو يحتلون نصيب الأسد في هذه الإحصاءات. والباحث المختص في العلوم الإسلامية ومؤسِّس جمعية ufuq.de البرلينية، غوتس نوردبروخ ليس الوحيد الذي يتساءل عمَّا إذا كان من الممكن اعتبار أعضاء جماعة ملِّي غوروش في الحقيقة من المتطرِّفين الإسلامويين، وإذا كانوا كذلك قمن الممكن بالتالي إدراجهم ضمن هذه الإحصاءات.
محاربة التطرّف بالتثقيف السياسي
وهناك سؤال آخر حول مدى نجاح برنامج "هاتف" في إيجاد أداة فعَّالة لمحاربة ما يعرف باسم "الإرهاب الداخلي" ومحاربة انتشار الإسلام السياسي المسلَّح في ألمانيا. ويقول الأمين العام للمجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا (ZMD)، أيمن مزيك إنَّ "الإسلام السياسي يمثِّل أيديولوجيا سياسية متطرِّفة ولذلك لا بدّ من محاربته بطريقة شاملة. وفي ذلك يلعب التثقيف السياسي دورًا مهمًا". كما أنَّه يقترح في هذا الصدد إرسال "مبعوثين خاصين بالتطرّف"، من المفترض أن يكونوا مسلَّحين بسلاح التثقيف السياسي ليذهبوا مباشرة إلى المساجد.
وقبل عامين عرض المجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا في محادثات جرت مع الهيئة الألمانية لحماية الدستور مشروعًا شاملاً للتعامل مع موضوع الإسلام السياسي. ولكن في الحقيقة كانت ردود الفعل متواضعة للغاية، مثلما يأسف لذلك أيمن مزيك. وكذلك لم يتم إشراك المجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا في الإعداد لتطوير برنامج "هاتف"، على الرغم من الخبرات الموجودة لديه.
ولكن على الرغم من ذلك يعتبر أيمن مزيك برنامج مساعدة الخارجين من الأوساط الإسلاموية بمثابة خطوة أولى صحيحة، وذلك لأنَّ هذا البرنامج "يهدف أكثر من البرامج القديمة، مثل حملة التحرِّيات التي تم منعها الآن دستوريًا، وكذلك حملات مراقبة المساجد التي تعتبر موضوع جدال ويتم إجراؤها بمعزل عن وجود شبهات أو مراقبة الأئمة بشكل تعسّفي". وهذه البرامج كانت تعمل على عدم "التمييز بين الإسلام والإسلام السياسي"، هذا التمييز الذي يطالب به أيمن مزيك.
محاربة الإسلام السياسي بالإسلام؟
ولكن النائب في البرلمان الاتِّحادي الألماني والناطق باسم حزب الخضر لشؤون الهجرة، ميميت كيليج، يرى هذه المسألة بشكل مختلف، حيث يقول: "هذا البرنامج يوهمنا بشيء ما. وبرنامج هاتف يفتقر إلى إستراتيجية مجرَّبة. وعلى الرغم من عدم وجود أي أسس لمواجهة ظاهرة الإسلام السياسي بشكل فعَّال، إلاَّ أنَّه تم البدء مباشرة بعملية مدهشة جدًا، تعتبر فرص نجاحها قليلة".
وعلاوة على ذلك يخشى ميميت كيليج أيضًا من احتمال إنفاق الموارد المالية على برنامج "هاتف"، على الرغم من ضرورة إنفاق هذه الموارد في مكان آخر؛ ففي آخر المطاف يتحتَّم في العادة الإنفاق على كلِّ البرامج من المصدر نفسه. ومن وجهة نظر أيمن مزيك يجب أن يكون لدى المجتمعات الإسلامية بالذات اهتمام في دحر الأفكار الإسلاموية والإرهاب وإبعادهما من المجتمع. وأخيرًا يتم في النقاش المحموم في العادة تحميل المجتمعات الإسلامية برمَّتها المسؤولية عن أفعال الأفراد. وكذلك تعدّ المؤسَّسات الإسلامية وفي مقدِّمتها المساجد وأئمتها أكثر من يتمتَّع بإمكانية الوصول إلى الإسلامويين المحتملين. فيا ترى لماذا لا تتم إذاً محاربة "فكر الإسلام السياسي بالإسلام"، مثلما يقترح ذلك أيمن مزيك؟
المطالبة بإجراءات وقائية على مستوى واسع
ولكن من ناحية أخرى يرى ميميت كيليج أنَّ هذا الاقتراح لا يفيد كثيرًا، ويقول: "يجب أن لا تتم محاربة الإسلام الراديكالي بواسطة الإسلام الليبرالي. ولكن يجب قبل كلِّ شيء تقريب المسلمين من مفهوم حقوق المواطنين وواجباتهم. ويجب عليهم قبل كلِّ شيء العمل حسب الدستور واتِّباعه. وعلى هذا الأساس نستطيع بعد ذلك محاولة دحر فكر الإسلام السياسي".
وما من شكّ في أنَّ التعامل مع ظاهرة الإسلام السياسي يجب أن يجري حسب نهج واسع بقدر الإمكان. وأمَّا هيئة حماية الدستور فتقول بكلِّ وضوح إنَّ هناك علاقة وثيقة بين المشكلات التي تواجه الاندماج وبين ظهور التطرّف الإسلامي. وبناء على ذلك فمن الممكن أن يكون مشروع "هاتف" برنامجًا تم إعداده بشكل ضيق للغاية. وهنا يرى غوتس نوردبروخ أنَّ "عملية الوقاية من الإسلام السياسي ومواجهته يجب أن تراهن بقدر الإمكان على الكثير من العناصر الاجتماعية، ابتداءً من الأسرة والمدرسة ونادي كرة القدم وحتى المسجد والمركز الإسلامي... وفي أحسن الأحوال يمكن لهذا الخطّ الساخن الخاص بمن يريد الخروج من الأوساط الإسلاموية أن يصل إلى مجموعة هامشية صغيرة".
جهاز مخابرات باعتباره مرشدًا اجتماعيًا
وحاليًا تعتبر الهيئة الاتِّحادية الألمانية لحماية الدستور جهاز المخابرات الوحيد في جميع أنحاء أوروبا، الذي يقدِّم للاسلامويين برنامجًا لمساعدتهم في الخروج من أوساط التطرّف. وفي ذلك تعتمد هيئة حماية الدستور على الخبرات التي اكتسبتها من خلال البرنامج التأهيلي الذي أطلقته في العام 2001 لمساعدة اليمينيين المتطرِّفين في الخروج من أوساط اليمين المتطرِّف.
ولكن في الحقيقة ما يزال هناك شكّ كبير فيما إذا كان جهاز المخابرات هذا هو المؤسَّسة الصحيحة لرعاية برنامج مثل برنامج "هاتف"؛ وفي هذا الصدد يقول نودبروخ إنَّ "الاسلامويين يعيشون في عالم مقسَّم بشكل واضح جدًا إلى خير وشر، والسلطات تُعدّ جزءا من هذا العالم". ولهذا السبب هناك شكّ كبير - حسب رأي نوردبروخ - فيما إذا كان الأشخاص المحتمل خروجهم من أوساط الإسلامويين سوف "يتوجَّهون بالذات إلى تلك المؤسَّسة، التي كانوا قبل ذلك يحمِّلونها المسؤولة عن كلِّ شرّ في العالم".
وحتى الآن ما يزال من غير الواضح إذا كان برنامج "هاتف" سوف يحقِّق نجاحًا في آخر المطاف، وكيف سوف يتم في هذا الصدد تعريف النجاح. ولن يستطيع المرء القيام بتقييم جاد لهذا البرنامج إلاَّ عندما يكون لديه الوقت الضروري لتطويره. وربَّما كان من الممكن لبرنامج "هاتف" أن يتيح للشاب رامي ميم فرصة الاتِّصال بالسلطات بصورة مباشرة وكذلك بقدر أقلّ من المخاطر، في حال أنَّه كان حقًا يريد ذلك.
كريستيان هورباخ
ترجمة: رائد الباش
مراجعة: هشام العدم
حقوق النشر: قنطرة 2010