هكذا ساهمت الصين في كسر طوق العقوبات الغربية على روسيا
١٦ مايو ٢٠٢٤فرضت دول غربية عقوبات شديدة الصرامة على روسيا ردا على غزوها العسكري لجارتها أوكرانيا أواخر فبراير / شباط عام 2022 بهدف كبح جماح الإنفاق العسكري الروسي، وطالت العقوبات شخصيات سياسية ومقربين من الرئيس الروسي فلاديمير بوتن أو من يطلق عليهم الأوليغارش .
وشملت العقوبات تجميد احتياطات روسية من العملات الأجنبية وتقييد وصول موسكو إلى التكنولوجيا الغربية مع استبعاد البنوك الروسية من نظام "سويفت" المالي العالمي.
وعلى وقع ذلك، توقع كثيرون أن تؤدي العقوبات المالية إلى إعلان روسيا استسلامها خاصة مع تردي قيمة الروبل وانكماش الاقتصاد الروسي بنسبة 1.2% في عام 2022، لكن ما حدث لاحقا كان بمثابة مفاجأة إذ تجاوز النمو الذي حققته روسيا العام الماضي نمو كل من الولايات المتحدة وأوروبا بنسبة 3.6% ما يشيري إلى أن موسكو في طريقها إلى عام اقتصادي قوي في 2024.
ويرجع الخبراء النمو الاقتصادي الذي حققته روسيا إلى تنامي التعاون التجاري مع الصين التي كانت بمثابة ثقل موازن للغرب، حيث رفضت بكين الامتثال للعقوبات الأمريكية والأوروبية، بل وبات العملاق الصيني أكبر مستورد للوقود الأحفوري الروسي.
ورغم الضغوط الأمريكية والأوروبية، سارعت الصين إلى تعزيز علاقاتها مع روسيا وباتت الدولتان تشكلان تحالفا قويا منذ بدء الحرب.
بوتين في بكين.. الزيارة الثالثة منذ بداية حرب أوكرانيا
وقال مراقبون إن هذا التوجه تجلى من تصريحات الرئيس الصيني شي جينبينغ العام الماضي أعلن فيها عن بدء "حقبة جديدة" من العلاقات بين بكين وموسكو.
وكدليل على عمق العلاقات بين البلدين أختار الرئيس الروسي الصين لتكون عنوان أول رحلة خارجية له منذ بدء ولايته الرئاسية الخامسة (الخميس (16 مايو / آيار 2024). وخلال زيارته الثالثة للصين منذ بدء الحرب في أوكرانيا ، سوف يشارك بوتين في المعرض الصيني-الروسي الثامن بمدينة هاربين بمقاطعة هيلونغجيانغ شمال شرقي الصين.
وفي مقابلة مع DW، قال فيليب إيفانوف، مؤسس "برنامج الصين وروسيا" التابع لمعهد سياسات المجتمع الآسيوي، إن روسيا "تنظر إلى الصين باعتبارها شريان حياة رئيسي لاقتصادها في زمن الحرب، خاصة في ظل العقوبات الاقتصادية والعزلة الدولية التي تعانى منها موسكو".
وأضاف أن الصين باتت "الوجهة الرئيسية لتجارة الطاقة الروسية ومزود الكرملين الرئيسي من المعدات والتقنيات الحيوية التي لم تعد روسيا قادرة على الحصول عليها من الدول الغربية".
ومع خروج كبرى الشركات الأمريكية والأوروبية من روسيا لتجنب العقوبات الدولية، عمدت موسكو إلى زيادة حجم مشترياتها من السلع الصينية بداية من السيارات وحتى الهواتف الذكية ليبلغ حجم التجارة بين البلدين أكثر من 240 مليار دولار العام الماضي ما يمثل ارتفاعا بمعدل الربع عن أرقام العام الذي سبقه.
كيف تجنبت روسيا الانهيار الاقتصادي؟
وقال مراقبون إن روسيا باتت في الوقت الراهن أكبر مورد للنفط الخام إلى الصين فيما لعبت الصادرات التكنولوجية دورا حاسما في تعزيز التجارة الثنائية. وكانت روسيا قد أبرمت صفقات لبيع النفط إلى الصين بتخفيضات كبيرة بعد أن قلل الغرب اعتماده الكبير على مصادر الطاقة الروسية بعد الحرب في أوكرانيا.
وفي مقابلة مع DW، قالت أليسيا جارسيا هيريرو، كبيرة الاقتصاديين لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ لدى بنك "ناتيكسيس" الاستثماري الفرنسي، إن روسيا "لم تكن لتمتلك ما يكفي من الشاحنات أو الرقائق أو الطائرات بدون طيار أو السلع الوسيطة لولا الصين التي باتت الدولة الوحيدة التي تصدر هذه البضائع إلى روسيا في الوقت الحالي".
وأضافت أنه في الوقت الذي تخشى فيه العديد من الدول تداعيات العقوبات الأمريكية والأوروبية، فإن الصين لا يساورها أي قلق بفضل كونها ثاني أكبر اقتصاد في العالم، مشيرة إلى أن "مدفوعات التجارة بين الصين وروسيا تتم بالعملة الصينية الرنمينبي من خلال نظام الدفع الدولي الصيني ما يصعب عملية تتبعها".
وعلى وقع ذلك، مارست الولايات المتحدة الكثير من الضغوط على الصين، إذ أعلن البيت الأبيض عن فرض عقوبات ثانوية تستهدف المؤسسات المالية التي تدعم الجهد الحربي الروسي ضد أوكرانيا.
وفي ذلك، قال مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان في بيان إن الهدف من العقوبات "تضييق الخناق على آلة الحرب الروسية وعلى الذين يسمحون لها بالعمل. نوجه رسالة لا لبس فيها: من يدعم المجهود الحربي غير القانوني لروسيا يجازف بفقدان إمكانية الوصول إلى النظام المالي الأمريكي".
حذر المصارف الصينية
يشار إلى أنه منذ بداية العام الجاري قررت معظم المصارف الصينية وقف أو إبطاء معاملاتها مع الروس لتقليل مخاطر وقوعها تحت طائلة العقوبات فيما، يتم إجراء المزيد من التدقيق على التسويات الدولية ما يؤثر على صغار المصدرين نظرا لأن عمليات التدقيق قد تستغرق شهور عدة.
ورأت أليسيا جارسيا هيريرو في هذه الاستراتيجية النجاح، قائلة "لقد تمكنت الولايات المتحدة من إجبار البنوك الصينية على عدم تمويل عمليات التصدير إلى روسيا. ومن المهم في الوقت الراهن أن تمضي واشنطن قدما في زيادة الضغوط مع شمول العقوبات أي شركة تصدر إلى روسيا خاصة المنتجات ذات الاستخدام المزدوج والبنوك التي تمول تلك الصفقات".
يدل الاسم الذي يُطلق على السلع ذات الاستخدام المزدوج، على أنها منتجات وبضائع يمكن أن تدخل في صناعات عسكرية وسلمية على حد سواء مثل النظام العالمي لتحديد المواقع "جي بي إس" والرقائق الدقيقة والمكونات الإلكترونية والبرمجيات وتكنولوجيا الطيران وبعض المواد الكيميائية والبيولوجية.
ويدخل في نطاق السلع ذات الاستخدام المزدوج أيضا المواد اللازمة لإنتاج الطاقة النووية لأغراض سلمية أو لصناعة الأسلحة النووية.
وخلال زيارة الأخيرة إلى بكين، اتهم وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن الصينبدعم "آلة الحرب الروسية عن طريق تزويد موسكو بالإلكترونيات والمواد الكيميائية اللازمة لصناعة الذخائر الصواريخ"، فيما نفت الصين الاتهامات الأمريكية.
وتعهد رأس الدبلوماسية الأمريكية بفرض مزيد من العقوبات إذا لم تقم الصين بتقليص صادراتها المرتبطة بقطاع الصناعات العسكرية إلى روسيا.
موقف الصين لن يتغير
ويقول مراقبون إنه في الوقت الذي يجب أن تتحلى فيه الصين بضبط النفس في توصيف علاقاتها مع موسكو خلال زيارة بوتين، فإن العملاق الآسيوي سيحتاج إلى الاستمالة لدفعه إلى تخفيف دعمه الاقتصادي لروسيا. ويشير البعض إلى أن استهداف الصين بعقوبات أمريكية يأتي في إطار الحرب التجارية بين بكين وواشنطن.
وفي السياق ذاته، سلط فيليب إيفانوف الضوء على طريقة روسيا والصين في تقويض النظام العالمي الحالي، موضحا أن البلدين "يعملان على تحصين اقتصاديهما من المستقبل في حالة الانفصال عن الغرب عند نشوب نظام جيوسياسي جديد متعدد الأقطاب."
وقال إن الصين لن "تقدم على تحجيم دعمها الاقتصادي لروسيا، لكنها ستسعى إلى سلك قنوات سرية لتوفير هذا الدعم عبر بوابة دول ثالثة، وهو ما يحدث بالفعل من خلال دول آسيا الوسطى".
أعده للعربية: محمد فرحان