هل أنهت صحافة المواطن احتكار الصحافة التقليدية للأخبار؟
٨ أكتوبر ٢٠١١زادت شعبية مواقع التواصل الاجتماعي و"صحافة المواطن" الإلكترونية بعد تغطيتها لأحداث ثورات الربيع العربي، إذ لعب المواطنون دوراً هاماً في توثيق انتهاكات الأنظمة المستبدة، وكشفوا عن وقائع كثيرة، حاولت وسائل الإعلام الرسمية إخفاءها، مستخدمين هواتفهم المحمولة والإنترنت. برنامج "شباب توك"، الذي تقدمه قناة دويتشه فيله عربية ناقش دور هذه الوسائل في إنهاء عصر التعتيم الإعلامي كما طرح التساؤل حول مدى مصداقية تلك المعلومات المنشورة.
"التعتيم الإعلامي لم يعد ممكناً"
يرى المدون والناشط المصري وائل عباس أن التعتيم الإعلامي لم يعد ممكناً في العصر الحالي لأن المدونين ينقلون الأحداث من كافة المناطق، ويدلل على ذلك بالأحداث الجارية. ويضيف عباس قائلاً: "حتى بوجود أوامر قضائية بحظر النشر في قضايا وأمور ما، نجد أن الأخبار تتسرب وتجد لها مكاناً عبر شبكة الإنترنت، وتجد لها متسعاً للنشر في وسائل إعلام خارج مصر، وبالتالي لم يصبح أي نظام - مهما كانت قوته أو معرفته التكنولوجية- قادراً على تحجيم ما ينشر أو التحكم به أو منعه". ويشير المدون المصري إلى أن الطفرة التي أحدثتها الإنترنت وكمية وتنوع المعلومات الموجودة بها واكتشاف المشاهدين لخداع أجهزة التلفزة والراديو الحكومية لهم، هي التي جعلت مستخدمي الإنترنت يلجأون إلى المواقع الاجتماعية للتعرف على المعلومات الصحيحة.
عباس، الذي عمل صحافياً، تحول للتدوين هرباً من القيود السياسية والاجتماعية والقيود الخاصة بمكان العمل وطرق تحرير المادة على حد قوله. ويضيف في هذا الإطار قائلاً: "حتى إن كنت تعمل لجهة إعلامية غربية فإنها تريد أن تكون على الحياد تماماً ولا تريد الاصطدام بالسلطات في البلاد"، مشيراً إلى أن التدوين يعطيه الفرصة في ممارسة الصحافة بدون أي رقابة أو قيود أو تحرير للمادة التي تنشرها، تتخطى كل المحاذير وتكسر كل التابهوات، بالتالي فإن التدوين أكثر حرية وسقفه مرتفع للغاية وهامش الحرية في الإنترنت غير محدود.
"الصحافة الشعبية لم تنجح في الغرب"
من جانبها ترى سندس سليمان الناشطة السورية والعضو في "حزب الحداثة والديمقراطية" في سوريا أنه في بلد مثل سوريا، حيث لا توجد أي حرية تعبير أو قوانين تنظم حرية التعبير، فإن التدوين هو السبيل الوحيد للتعبير عن الرأي. الصحافي الألماني والناشط في مجال الملكية الفكرية على الإنترنت ماتياس شبيلكامب، يعتبر أن صحافة المواطن حققت نجاحاً في العالم العربي لكنها في أوروبا لم تحقق دورها كما يشاء. ويرجع شبيلكامب ذلك إلى أن معظم المدونين في الغرب يكتبون في موضوعات غير سياسية، كما أن الحرية النسبية المتاحة في وسائل الإعلام لا تجعل هناك حاجة إلى صحافة المواطن. ماتياس كان مدوناً، ثم تحول ليصبح صحفياً، ودفعه في ذلك رغبته في الوصول إلى أكبر عدد من القراء. إلا أنه يرى الحل الوحيد لنقل الأحداث في ظل الأنظمة القمعية هو "صحافة المواطن".
وفي تعليقه على حلقة البرنامج يرى المشاهد هانز يوسف إيرنست في مداخلة على الفيسبوك أن شبكات التواصل الاجتماعي وصحافة المواطن أضحت ضرورية لإسقاط الأنظمة الدكتاتورية، لكنه يعتقد في الوقت ذاته أن شعبيتها ستنخفض بعد انتهاء الثورات. ويوافقه الرأي ريزغار حسن الذي يجد أن أحد إيجابيات العولمة هي عدم تمكن السلطة وإعلام الأنظمة القمعية من حجب الحقائق عن العالم الخارجي.
"صحافة المواطن أيضاً يمكن أن تكذب"
لكن يبقى السؤال الذي يطرح نفسه هو ما مدى مصداقية ما ينشر على صفحات الإنترنت، القارئ نزيه حسن يرى في تعليقه على صفحة الفيسبوك أن صحافة المواطن أيضاً يمكن أن تكذب كما هو الحال في الصحافة المحلية. ويعتبر أن كل شخص يسعى إلى توجيه الخبر بالاتجاه الذي يريده، مشيراً إلى أنه يمكن أن يدخل ويكتب ما يريده. وفي هذا السياق يطرح القارئ يوري بوسطن التساؤل قائلاً: "ألا يمكن اعتبار أن صحافة المواطن بقدر ما ساهمت في إظهار وإيصال وقائع وأحداث للرأي العام ما كان للصحافة التقليدية أن تقدمها فإنها من ناحية أخرى قد يتم توظيفها أيضاً لتحريف الوقائع وتأجيج مشاعر الرأي العام لحساب جهات معينة؟"، مضيفاً أن أساس الإعلام هو الاعتماد على مصادر مختلفة للتحقق من صحة الحدث. وتوافقه نورا مروان قائلة إنه يجب البحث عن مصادر ما نتلقاه من معلومات على شبكات التواصل الاجتماعي.
"مطلوب مزيد من المهنية"
أما إيرنست فيجد أن اللجوء إلى عدة مصادر يعد أمراً أساسياً في كل الأحوال. لكن لأنه يعرف أن الأغلبية لا تلجأ لهذا الحل، فهو يعتقد أن الصحافيين والمدونين يجب أن يتلقوا تدريباً جيداً. ويرى أن الصحفي يجب أن يكون لديه شعوراً بالمسئولية. ويوافق وائل عباس تماماً مع هذه النقطة مشيراً إلى أنه منذ بدأ التدوين يشعر بالمسؤولية الكبيرة تجاه ما يكبته، ولذلك فهو يحرص على الاعتماد على الصور وأفلام الفيديو ليتأكد الناس من الخبر.
سندس سليمان: "التعرض للمضايقات لن يردعني"
كذلك تشير سندس سليمان إلى أنها تحاول أيضاً التأكد من مصادر الصور والفيديوهات التي تصلها من داخل سوريا، بكل الطرق. وتضيف قائلة: "نحاول أن نأخذ معلوماتنا من أشخاص كنا نتعامل معهم قبل اندلاع الأحداث والاحتجاجات في سوريا، وكنا على علاقات تنظيمية بهم بما أننا كنا ناشطين معارضين للنظام السوري. نحاول قدر الإمكان أن يكون لهذه الفيديوهات مصداقية، حتى نحارب بها ادعاءات النظام". وتضيف أن عدداً من الناشطين معهم هم من الشباب المتخصصين القادرين على التمييز بين الفيديوهات الحقيقية والمزورة.
الناشطة السورية تؤكد أنها تعرضت لتشويه لسمعتها ولاختراق لصفحتها على الفيسبوك وكذلك لصفحة الحزب، كما تم تهديد عائلتها حتى ظهر أخوها على التلفزيون المحلي السوري ليؤكد أن أخته كاذبة فيما تدعيه على السلطات السورية من أنهم كانوا يضطهدونها وأنها تركت البلاد لهذا السبب. وتقول سليمان: "لا شك أنهم يلجأون للعائلة بالذات لأنهم يعرفون مدى تأثير ذلك، وهم يستخدمون هذه الوسيلة لردعي".
ورغم هذه المضايقات والمحاولات لمنعها، ورغم عدم قدرتها على التواصل مع أسرتها منذ عرض هذا الفيديو على شاشات التلفزيون السوري، إلا أن سندس مصممة على إكمال نضالها، وتضيف: "الضغط علي وعلى عائلتي لن يفيد لأني لست وحدي من تطالب بالحرية، وهناك أناس يفقدون حياتهم من أجل الحرية، فلا ضير فيما يتعرض له أهلي، قليل من الضغط قد يؤدي بنا إلى نتائج كبيرة، نحلم بها منذ عقود".
سمر كرم
مراجعة: عماد غانم