هل بإمكان "مجرم حرب" سوري حضور الألعاب الأولمبية؟
١٥ يوليو ٢٠٢٤أصابت الصدمة صحفيين وناشطين سوريين معارضين بعد انتشار صور لعمر العاروب على فيسبوك في أغسطس/آب الماضي، أمام برج إيفل في باريس. فالعاروب مقرب من النظام السوري برئاسة بشار الأسد، المتهم بارتكاب جرائم حرب متعددة، بما في ذلك الهجمات بالأسلحة الكيميائية، ضد شعبه على مدار الحرب الأهلية التي استمرت أكثر 13 عامًا. ومن المعروف أيضا أن العاروب عضو بارز فيما يسمى بـ "كتائب البعث"، وهي ميليشيا تابعة لحكومة راالأسد، وقبل ذلك، كان قائداً للاتحاد الوطني لطلبة سوريا. واليوم يرأس اللجنة الأولمبية السورية.
"أمر بحملات قمع عنيفة"
أكدت المجموعة الناشطة "الاتحاد السوري البريطاني" ومقرها لندن أنها قامت بعمل تحقيقات استمرت لمدة عام وتم نشرها في منتصف يونيو/ حزيران كشفت عن جرائم حرب محتمله ارتكبها الاتحاد الوطني لطلبة سوريا (NUSS ) خلال الاحتجاجات المناهضة للحكومة بين عامي 2011 و2013.
وقالت المحققة ياسمين النحلاوي لـ DW إنها أكدت "وجود نمط من القمع المنهجي ضد طلاب الجامعات، بما في ذلك الاعتقالات والتعذيب في الحرم الجامعي".
وأضافت النحلاوي: "ما نعرفه هو أن العاروب قام بتجنيد طلاب آخرين للإبلاغ عن المتظاهرين والمشاركة في الحملة القمعية العنيفة ضد الاحتجاجات. ونعلم أنه قام بتسليحهم بالهراوات، والأسلحة النارية، ولدينا شهادات أنه أعطى الأوامر لاستخدام العنف، دون أن يؤدي إلى الموت. وأنه أصدر تعليماته برمي الطلاب المعارضين للنظام من نوافذ سكن الطلاب وأمر طلابه أيضا بضرب الرجال على أعضائهم التناسلية بشدة حتى يصابوا بالعقم".
وتشعر النحلاوي وزملائها بالقلق من عودة العاروب إلى أوروبا لحضور دورة الألعاب الأولمبية في باريس، التي تبدأ في أواخر يوليو/تموز، أو دورة الألعاب البارالمبية التي يشارك فيها رياضيون من ذوي الاحتياجات الخاصة في أواخر أغسطس. وبدأت النحلاوي بمساعدة منظمة مناصرة مقرها لندن، في إعداد عريضة تدعو المنظمين إلى منع العاروب من المشاركة في أولمبياد باريس. وكان العاروب حاضراً في أولمبياد طوكيو 2020 لأنه، على عكس القادة السوريين الآخرين، ليس لديه أي أوامر قضائية ضده وهو غير مدرج في أي قوائم عقوبات.
من هو المسؤول؟
وأكدت النحلاوي ان الفريق السوري لا مشكلة له مع اللاعبين فقط ضد استخدام الحكومة السورية للرياضيين لتلميع صورتها. ويبدو أن اللجنة الأولمبية الدولية (IOC) واللجنة البارالمبية الدولية (IPC) لا تشعر أن هذه القضية تقع ضمن نطاق مسؤولياتهما. ومن المتوقع أن يتنافس ثلاثة لاعبين سورين في أولمبياد باريس، على الرغم من أنه لم يُعرف بعد عدد الأشخاص الذين سيشاركون في الألعاب البارالمبية لأن المنافسات الإقصائية لا تزال مستمرة.
وقالت اللجنة الأولمبية في بيان أرسل عبر البريد الإلكتروني إلى DW: "فيما يتعلق بمثل هذه الادعاءات، هناك العديد من المنظمات الأخرى، بما في ذلك المحكمة الجنائية الدولية، التي هي في وضع أفضل للتحقيق فيما إذا كانت هذه الادعاءات صحيحة أم لا".
وقال متحدث آخر من باريس في 2024، إنه لأسباب تتعلق بالأمن والخصوصية، لم يتمكنوا من تقديم تفاصيل حول ما إذا كان العاروب يحمل ما يعرف ببطاقة هوية الألعاب البارالمبية. لكنهم أضافوا أن جميع الطلبات يجب أن تتم الموافقة عليها من قبل السلطات الحكومية المختصة.
من جهته أفاد مصدر دبلوماسي في الحكومة الفرنسية لـ DW أن طلبات المشاركة في الألعاب البارالمبية قيد المراجعة حاليًا، وستخضع لـ "التحقيقات الأمنية الإدارية" المعتادة.
وأضاف المصدر أن العاروب لن يتمتع بأي نوع من الحصانة الدبلوماسية لمجرد دوره الأولمبي وسيكون من الصعب ببساطة اعتقال العاروب في باريس. لكن هناك بعض الخيارات القانونية – ففرنسا قادرة على اعتقال الأفراد الذين ارتكبوا أعمال التعذيب في الخارج – ولكن هناك حدود لكيفية استخدام هذا القانون.
الموازنة بين الرياضة والسياسة
وفي مقابلة مع DW قال آدم شاربف، الأستاذ المساعد للعلوم السياسية في جامعة كوبنهاجن الذي يبحث في كيفية استخدام المستبدين للرياضة لتحقيق أهدافهم الخاصة: "ربما تكون التوترات السياسية المحيطة بالبطولات الرياضية الكبرى هي القاعدة وليس الاستثناء. وهناك قائمة طويلة من اللجان الوطنية المحظورة من المشاركة في الألعاب الأولمبية السابقة ضمنها ألمانيا واليابان بعد الحرب العالمية الثانية، وجنوب أفريقيا لنحو عقدين من الزمن في ظل الفصل العنصري، وأفغانستان بسبب التمييز الذي تمارسه حركة طالبان ضد المرأة".
وأضاف شاربف: "لقد كانت السياسة دائما ممزوجة بالرياضة، فبالنسبة لمنظمات مثل اللجنة الأولمبية الدولية، فإن هذا يعني حتمًا معضلة. فهي مطالبة بأخذ الميثاق والبيانات الأولمبية بشأن السلام والتفاهم الدَّوْليّ وحقوق الإنسان على محمل الجِدّ. ولا ينبغي للمرء أن يتعاون مع الديكتاتوريات القمعية وممثليها".
ولم يعد في الآونة الأخيرة يُسمح للرياضيين من روسيا وبيلاروسيا بالحضور إلا باعتبارهم "رياضيين محايدين دوليًا"، وكانت هناك أيضًا دعوات لإلغاء دعوة إسرائيل بسبب تصرفاتها المستمرة في غزة والضفة الغربية.
وفيما يتعلق بالقضية السورية، فإن هناك مشكلة أخرى يوضح أستاذ العلوم السياسية شاربف: "نحن نعلم أن مثل هذه الجماعات تستخدمها الحكومات بشكل استراتيجي حتى تتمكن فيما بعد من إبعاد نفسها عن العنف الذي أمرت به. لكن من الصعب تحديد الأشخاص المرتبطين بمثل هذه المجموعة ومعاقبتهم. وهو يجعل المنظمات مثل اللجنة الأولمبية الدولية تنأى بنفسها."
وفي رسالة بالبريد الإلكتروني إلى DW نفت اللجنة البارالمبية السورية المزاعم ضد العاروب، قائلة إن لهذه المزاعم دوافع سياسية. ولم توضح اللجنة ما إذا كان العاروب سيسافر إلى باريس مرة أخرى.
وفي حالة متابعة العاروب بسبب تحريضه على العنف، تقول النحلاوي أن ذلك سيعتبر انتصارًا نوعا ما. موضحة: "لأن الرسالة الأوسع هي أنه لا ينبغي أن يكون هناك مكان في الألعاب الأولمبية لمجرمي الحرب. وعندما تمنح مجرمي الحرب منصة كهذه، فإن ذلك يبعث برسالة مروعة إلى جميع الضحايا وأفراد أسرهم الذين يواصلون السعي لتحقيق العدالة.
أعدته للعربية: ندى فاروق