هل تتجه تركيا نحو أزمة سياسية جديدة بسبب الانتخابات الرئاسية؟
١٥ أغسطس ٢٠٠٧عقب فوز حزب العدالة والتنمية في تركيا بنحو 50 في المائة من الأصوات في الانتخابات المبكرة التي جرت في 22 تموز / يوليو الماضي أدلى رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان التركي بعدة تصريحات قال فيها إن اختياره لمرشح رئاسي سيكون بالإجماع. هذا الأمر كان قد عزز الآمال في البحث عن مرشح "معتدل" لا يغضب العلمانيين الذين يخشون من أن يؤدي وصول مرشح حزب العدالة والتنمية الإسلامي عبدالله جول إلى قصر الرئاسة إلى تهديد النظام العلماني القائم على فصل الدين عن الدولة.
لكن ترشيح حزب العدالة والتنمية مجددا لجول لمنصب الرئيس والدفع به إلى قمة الهرم السياسي في البلاد في منصب ظل حكرا على من يسمون أنفسهم بالعلمانيين، أعاد الجدل مرة أخرى إلى الساحة التركية بعد الهدوء النسبي الذي شهدته منذ إجراء الانتخابات العامة المبكرة الشهر الماضي، مما ينبئ بملامح أزمة سياسية جدية في البلاد. فقد عادت المعارضة العلمانية إلى إعلان معارضتها لترشح جول للرئاسة، وهدد حزب الشعب الجمهوري الذي أنشأه أتاتورك وهو ثاني أكبر حزب في البرلمان، بمقاطعة الانتخابات الرئاسية.
شكوك ومخاوف تعتري النخبة العلمانية
وتساور النخبة العلمانية في تركيا التي تشمل جنرالات في الجيش شكوكا بشأن توجه جول الإسلامي وبشأن الحجاب الذي ترتديه زوجته. وكانت هذه النخبة قد وقفت في طريق ترشحه للرئاسة في مايو/أيار الماضي مما أدى لانتخابات مبكرة فاز فيها حزب العدالة والتنمية الذي ينتمي اليه جول. في هذا السياق قال دينيز بايكال زعيم حزب الشعب الجمهوري، بعد سماعه نبأ ترشح جول مرة أخرى للرئاسة بأنه "من غير المناسب أن يكون لدينا رئيس لديه مشكلات مع الفلسفة التي قامت عليها الجمهورية التركية".
وسارع جول من ناحيته إلى التعهد بحماية الدستور العلماني الذي يفصل الدين عن الدولة في حال انتخابه، مؤكدا أن "حماية العلمانية من مبادئي الأساسية. ينبغي ألا يقلق أحد بهذا الخصوص". وفي محاولة لتطمين منتقديه في الجيش وجهاز الدولة أحيى جول ذكرى مصطفى كمال أتاتورك مؤسسة الجمهورية العلمانية وقال أنه سيتبع رؤاه التحديثية. لكن في ظل وجود أغلبية واضحة في البرلمان التركي لحزب العدالة والتنمية فان نتيجة التصويت الفعلي ليست هي التي ينتظرها المراقبون، ولكن الأمر المهم بالنسبة لهم رد فعل الجيش الذي يعتبر نفسه حامي العلمانية.
القول الفصل في يد الجيش وليس في البرلمان
في نيسان / ابريل الماضي وعندما أعلن اردوغان لأول مرة عن أن جول سيخوض السباق الرئاسي حث الجنرالات الأتراك المتقاعدون ملايين المواطنين على الخروج في مسيرات بالشوارع احتجاجا على احتمال أن يصبح جول الرئيس الحادي عشر للبلاد، لكن جنرالات الجيش العاملون في الخدمة هم الذين تصدوا من الناحية الفعلية لمحاولة جول الأولى، كما يقول المراقبون. وكان الجيش قد اصدر حينها بيانا شديد اللهجة قال فيه إن المشكلة هي أن عملية الانتخابات الرئاسية ترتكز على جدل بشان العلمانية، ومن ثم "لا يمكن نسيان أن القوات المسلحة التركية طرف في هذا الجدل وأنها المدافع المطلق عن العلمانية، وأنها ستطرح موقفها وستتحرك صراحة وبوضوح عند الضرورة". ويعتقد على نطاق واسع أن هذا البيان الذي وصفته وسائل الإعلام بـ "انقلاب" هو الذي اقنع المحكمة الدستورية بإلغاء عملية الانتخابات الرئاسية بحجة عدم اكتمال النصاب لإجراء عملية التصويت في البرلمان.
السؤال الآن يثور الآن هو: ما الذي يمكن أن يفعله الجيش على وجه التحديد للحيلولة دون أن يصبح جول رئيسا هذه المرة؟ وليس ثمة إجابة واضحة على السؤال، لكن كون هذه المؤسسة العسكرية نفذت ثلاثة انقلابات منذ عام 1960ودبرت عملية إسقاط أول رئيس وزراء يتبنى نهجا إسلاميا في تركيا عام 1998، فان أيا ما سيفعله الجيش أو سيقوله سيؤخذ على محمل الجد دون شك. في هذا السياق قال أحمد أكارلي الخبير الاقتصادي في مؤسسة جولدمان ساتش "إن المعارضة الجمهورية لا يمكنها فعل شيء لوقف رئاسة جول في ضوء التمثيل الكبير لحزب العدالة والتنمية والشعبية الكبيرة للحكومة ولجول نفسه، لكن ربما يتعين على الجيش أن يتخذ خطوة تكتيكية للوراء وأن يتيح الفرصة لحزب العدالة والتنمية ولجول، مشيرا إلى أن التحرك بصورة مغايرة من شأنه أن يكون غير بناء في هذا الوقت".