هل تسير تونس نحو السيناريو المصري؟
٢٢ أغسطس ٢٠١٣رغم اختلاف التونسيون حول ما يحدث في مصر، إلا أنهم يتفقون على إدانتهم للعنف ويتهمون كل طرف بعينه ويحملونه المسؤولية في ما يحدث، فقد أدانت جبهة الإنقاذ الوطني التونسية "أعمال العنف والقتل التي رافقت فك اعتصامي "رابعة العدويّة" و"النّهضة" لكنها حمّلت الإخوان "مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع نتيجة غرورهم واستبدادهم بالحكم وإدارتهم الظّهر لمطالب الشعب ".
بينما وقفت حركة النهضة في صف الإخوان وتبنت مواقفهم وسيرت المسيرات المنددة بفض الاعتصام بالقوة وانتشرت إشارة "رابعة" في كل المواقع وصفحات التواصل الاجتماعي القريبة منها. وقد وصف المفكر والوزير المستقيل من حكومة علي لعريض، أبو يعرب المرزوقي، على صفحته في الفيسبوك ما يحدث في مصر وتونس "بالثورة المضادة في أقطار الربيع العربي" عبر "الانقلاب على المسار الديمقراطي وعلى الإسلام في آن، سواء كان هذا الانقلاب حزبيا نقابيا كما في تونس أو حزبيا عسكريا كما في مصر".
أسبوع الأمل
ورغم تأكيد أنصار جبهة الإنقاذ، التي تمثل طيفاً هاماً من المعارضة السياسية والمجتمع المدني، في اعتصامهم المتواصل أمام قصر باردو، على وجاهة مطالبهم المتمثلة خصوصا في حل المجلس التأسيسي وحل الحكومة وتكوين حكومة كفاءات، حاولت الحكومة فض اعتصام المعارضة بالقوة إلا أنها فشلت بفضل الدعم الذي يلقاه المعتصمون من قبل نواب المجلس التأسيسي المنسحبين ومن طيف كبير من الأحزاب المعارضة. ولم تجد من معالجة لهذا الأمر سوى تنظيم اعتصامات مدافعة عن "الشرعية" والحكومة. ومن جانبها لم تكتف جبهة الإنقاذ بالاعتصام بل صعّدت من ضغطها على الحكومة بإعلان حملة "ارحل" داخل الجهات "لطرد" المحافظين والمسؤولين المحليين الموالين لحركة النهضة.
وقد أكد نور الدين البحيري، الوزير المستشار لدى رئاسة الحكومة في تصريح لإحدى الإذاعات الخاصة "أن الدعوات لحل المجلس التأسيسي وإطلاق حملة "ارحل" تمثل تهديدا بتدمير الدولة التونسية والدفع إلى الفوضى". وقال "إنه على الجميع أن يتعظ من أحداث مصر الأخيرة، ويشاهد كيف أن الانقلاب على الشرعية قاد إلى سفك الدماء وتدمير مؤسسات الدولة".
ورغم تصعيد المعارضة لتحركها في الشارع، تتوقع الأطراف السياسية المختلفة في تونس أن يقع حل الأزمة السياسية في إطار الحوار خصوصا بعد اللقاءات العلنية والسرية بين مختلف الشركاء السياسيين والأطراف الفاعلة في المشهد السياسي.
وتضغط القوى الاجتماعية والحقوقية ممثلة في الاتحاد العام التونسي للشغل والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة (الأعراف) والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان والهيئة الوطنية للمحامين إلى الإبقاء على المجلس الوطني التأسيسي وتقييده بمهام محدّدة وعلى حلّ الحكومة الحالية وتشكيل حكومة كفاءات غير متحزّبة تمكن من تنظيم انتخابات ديمقراطية وشفافة والحد من تبعات عدم الاستقرار السياسي على الوضع الاقتصادي والاجتماعي.
ويرى كثير من المتابعين للشأن التونسي أن اتحاد الشغل، يساهم بالاشتراك مع منظمة الأعراف في رسم المرحلة القادمة عبر الدور الذي يلعبه من خلال تقديمه لمبادرة سياسية تتماشى ومطالب المعارضة. ويستبعد المتابعون للشأن السياسي تدخل الجيش في الحياة السياسية على غرار السيناريو المصري لاختلاف الواقع المصري والتونسي.
أبواب الخروج من الأزمة
ووسط زخم الحراك السياسي وتنوع المبادرات الرامية لحل الأزمة السياسية، يدعو خالد الفوني، الناشط السياسي والحقوقي في حديث لـ DW"إلى ضرورة التعقل تفاديا لحالة الاحتقان والغضب الشعبي، والانفتاح على الأحزاب السياسية والكفاءات الوطنية." ويرى أن "سعي طرف سياسي معين لفرض خياراته في هذه المرحلة الانتقالية وفي غيرها بحجة مشروعية صندوق الاقتراع هو انتحار سياسي ودفع نحو العزلة والتهيئة لفترة احتقان تدفع بتونس نحو المجهول". ويعتبر "أن تحمل مسؤولية إدارة المرحلة يجب أن يكون فرصة تاريخية للتدرب على إدارة السلطة والانفتاح مع الفعاليات السياسية وعلى الطاقات التونسية بصرف النظر عن الانتماء الحزبي أو العقائدي والعمل على ترسيخ ثقافة المواطنة وتفعيل مضامين الحق والعدل والقطع مع الظلم والاستبداد فكرا وتصرفا."
ويسعى الفاعلون السياسيون في تونس إلى تعزيز حياد الإدارة عن التجاذب السياسي وضمان استقلالية المؤسسات الوطنية. وفي هذا السياق يقول خالد الفوني "إن إعادة الاعتبار للمؤسسات الوطنية وتكريس الفصل بين السلطات ليغدو أساسا يبنى عليه مستقبل تونس، سيمكن من بعث برسالة طمأنة للمواطنين والفاعلين الاقتصاديين في الداخل والخارج عبر تشكيل حكومة كفاءات وطنية بعيدا عن المحاصة الحزبية، تتولى إدارة البلاد حتى موعد تنظيم الانتخابات القادمة، وتعمل على تحسين الوضع الاقتصادي والأمني وتكون على رأس مهامها الحفاظ على نسيج الوحدة الوطنية".
هل هي نهاية الإسلام السياسي؟
ويعتبر كثير من المهتمين بالشأن السياسي في تونس أن الإسلام السياسي قد انتهي في مصر مع إعلان نهاية حكم الإخوان وفض الاعتصام بطريقة عنيفة وأنه سيلقى نفس المصير في تونس ولكن بأدوات أخرى لاختلاف الواقع السياسي وأادوار الفاعلين في الشأن العام.
ويرى محمد الحمار، المفكر والناشط السياسي في تصريح لـ DWعربية "أن الإسلام السياسي قد انتهى في تونس بفض اعتصامَي "رابعة" و"النهضة" في مصر وأنه بإمكان الفكرة الإسلامية الدعوية أن تتحول لتأخذ أشكال أخرى مثل العمل الأهلي".
ويضيف أن "الإسلام السياسي سقط بسرعة فاجأت الجميع حتى حزب النهضة الإسلامي في تونس. لذا لا بد على هذا الحزب أن يغتنم الفرصة ليراجع مرجعياته ولا بد على المعارضة أن تتعامل معه بناء على هذه القاعدة". ويدعو محمد الحمار إلى ضرورة "أن تلتزم المعارضة بالعناية بالبعد الإسلامي في المجتمع حتى لا تتكرر السيناريوهات الدامية الناتجة عن عدم قدرة المسلمين عن التعبير عن الإسلام بالعلم والفكر وانتهاجهم خيار العنف".
لكن المدافعين عن المشروع الإسلامي يرون أن "الثورة المضادة وذروتها الانقلاب على ثورة الربيع العربي لا يمكن أن تنجح حتى لو عادت إلى الحكم وبقيت فيه سنوات" كما كتب المفكر ابو بعرب المرزوقي، والذي يؤكد أن "الشعوب العربية من أصلها ثم بعد الربيع العربي بدأت تسونامي سيعيدهم إلى التاريخ العالمي لا يقل قوة عن التسونامي الأول الذي أدخلهم فيه".