هل تنقذ سياسة المراحل والمفاوضات السرية عملية السلام في الشرق الأوسط؟
٩ ديسمبر ٢٠١٠هل من بصيص أمل لحل الصراع المتواصل منذ عقود في الشرق الأوسط بعد أن أعلنت الولايات المتحدة قبل يومين تخليها عن مطالبها لإسرائيل بتجميد الأنشطة الاستيطانية في الأراضي الفلسطينية كشرط لإجراء محادثات السلام؟ وإذا أخفقت أكبر قوة في العالم في تحريك عملية السلام فهل يعني ذلك أن العودة إلى طاولة المفاوضات، على الأقل في فترة إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما وتواجد بنيامين نتنياهو على رأس الحكومة الإسرائيلية في تشكيلتها الحالية، بات أمرا بعيد المنال؟ يبدو أن التشاؤم هو سيد الموقف في الفترة الحالية في ظل تمسك طرفي النزاع بمواقفهما.
"الحل ضد حليفة واشنطن الأولى في المنطقة"
الرئيس الفلسطيني محمود عباس أكد موقفه مرة أخرى في ختام لقاء جمعه اليوم (التاسع من ديسمبر 2010) في القاهرة مع الرئيس المصري حسني مبارك في إطار الجهود الفلسطينية لإنقاذ عملية السلام، وقال "لن نقبل مفاوضات طالما بقي الاستيطان". أما الحكومة الإسرائيلية فقد رفضت الاستجابة للدعوات الدولية بهدف تجميد أنشطة الاستيطان في الضفة الغربية لمدة 90 يوما من أجل استئناف محادثات السلام المباشرة مع الفلسطينيين. كلا الطرفان لم يتحركا قيد أنملة إزاء الطرف الآخر، على الأقل رسميا، من أجل إنقاذ عملية السلام، فهل من حلول بديلة؟ الدكتور مارتين بيك، مدير مكتب مؤسسة كونراد أديناور الألمانية في العاصمة الأردنية عمان، يرى أن عملية السلام في الوقت الحالي "في طريق مسدود" وأن الحل بيد الولايات المتحدة. ويقول في مقابلة مع دويتشه فيله: "إن النقلة النوعية، التي يمكن أن تحدثها الولايات المتحدة، هو نشر خريطة تعكس تصوراتها لحدود الدولة الفلسطينية في المستقبل". ولكن الخبير الألماني في شؤون الشرق الأوسط يستبعد في الوقت نفسه أن تُقبل واشنطن على هذه الخطوة بشكل أحادي.
فقط الولايات المتحدة، التي تبدو – ورغم إعلانها قبل يومين إخفاقها في تحريك عملية السلام - متفائلة أو على الأقل تحدوها آمال في تحقيق نجاح في ملف الشرق الأوسط. ذلك أن الخارجية الأمريكية سارعت على لسان متحدثها يليب كراولي إلى التأكيد أنها لا تزال تأمل في أن يتوصل الإسرائيليون والفلسطينيون إلى اتفاق سلام بحلول آب / أغسطس المقبل، بحيث قال: "لقد عدلنا مقاربتنا، لكن هدفنا لا يزال التوصل إلى اتفاق-إطار في غضون سنة"، مشددا بالقول "نعتقد أن ذلك يمكن تحقيقه".
سياسة الخطوات الصغيرة لحل الملفات الشائكة
من جهته، يشير بيتر رودلف الخبير الألماني في الشؤون الأمريكية من المؤسسة الألمانية للعلوم والسياسة، في مقابلة مع راديو دويتشلاند فونك، إنه "لا يرى خطة أمريكية بديلة لإنقاذ عملية السلام". ويتوقع رودولف أن تحاول الإدارة الأمريكية في الوقت الحالي "من خلال خطوات صغيرة على الأقل دفع الطرفين إلى محادثات غير مباشرة". فيما تساءل ياسر عبد ربه، أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية وأحد كبار مساعدي الرئيس الفلسطيني محمود عباس، عما إذا كانت واشنطن تستطيع التوسط في اتفاق. وقال عبد ربه "من لا يستطيع أن يقنع أو يجعل إسرائيل تتوقف عن الاستيطان لفترة محدودة من أجل إجراء مفاوضات جادة كيف سيكون بمقدوره جعل إسرائيل تقبل بحل متوازن على أساس حل الدولتين على قاعدة أو انطلاقا من حدود 67 ."
ولكن الجهود الأمريكية من أجل حث الإسرائيليين على وقف الأنشطة الاستيطانية كان منذ البداية محكوم عليه بالفشل، وفق ما يرى الناشط الحقوقي الإسرائيلي أوري أفنيري، الذي قال في حوار مع إذاعة "في.دي.إر5" الألمانية، "الحكومة الإسرائيلية لا تفكر قط في إجراء مفاوضات سلام قد تجبرها على هدم المستوطنات في الأراضي الفلسطينية، ذلك أن أي مفاوضات سلام تعني إرجاع الضفة الغربية للفلسطينيين وإخلاء جميع المستوطنات اليهودية الموجودة فيها من سكانها." ويضيف أفنيري، الذي كان شغل منصب نائب داخل الكنسيت الإسرائيلي، "سياسة حكومتنا واضحة وهي إفشال كل محادثات سلام منذ البداية"، لافتا إلى الضغوط الداخلية التي يواجهها نتنياهو، بحيث قال "حكومتنا ليست قادرة" على أخذ قرارات بوقف أعمال البناء في المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية.
الاعتراف بالدولة الفلسطينية - ورقة ضغط؟
الخبير الألماني مارتن بيك قال لدويتشه فيله إن "السلطة الفلسطينية في حد ذاتها تعاني من أزمة حقيقية ذلك أنها ارتبطت بعملية السلام ولكن كل الجهود قد أخفقت حتى الآن في إحياء عملية السلام وبالتالي فإن ذلك من شأنه أن يطرح تساؤلات حول شرعية السلطة ورئيسها محمود عباس."إذن السلطة الفلسطينية في مأزق أيضا، وقد تستغل حركة حماس فشل التوصل إلى اتفاق مع إسرائيل لتعزيز موقفها الرافض أصلا التفاوض مع إسرائيل وبالتالي دعم موقعها السياسي لدى الفلسطينيين على حساب حركة فتح والسلطة الفلسطينية، وفق قراءة الخبير الألماني في شؤون الشرق الأوسط.
"الحل الوحيد بالنسبة للفلسطينيين هو التوجه إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة من أجل الحصول على اعتراف بدولتهم بحدود عام 1967"، وفق ما يقول أفنيري. ويضيف الناشط الحقوقي الإسرائيلي: "الولايات المتحدة ليس لها حق الفيتو في الجمعية العالمة وبالتالي فإن الأغلبية بإمكانها اتخاذ قرار بهذا الشأن." ويتوقع أفنيري أن دول أمريكا اللاتينية قد تعترف بالدولة الفلسطينية بعدما اعترفت بها كل من البرازيل والأرجنتين هذا الأسبوع. "الفلسطينيون يعتقدون أنه في حال تم الاعتراف بدولتهم فإن ذلك من شأنه أن يحسن من وضعهم على الصعيد الدولي." فهل ستقدم السلطة الفلسطينية على هذه الخطوة؟ أم أنها تستخدمها فقط كورقة ضغط إزاء إسرائيل؟ أم سيخير كل من الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني التفاوض بصفة سرية وبدون وساطة طرف ثالث مثلما كان عليه الأمر في بداية المحادثات، التي أدت إلى اتفاقات أوسلو؟ خبراء يتوقعون أن تحاول كل الأطراف هذه المرة الابتعاد قدر الإمكان "عن الصخب الإعلامي والضغوط السياسية الداخلية". المتفائلون يتوقعون أن تتوصل أطراف النزاع إلى اتفاقات مرحلية ربما تتم مناقشتها سرا وقد يجري تنفيذها على مدى سنوات طوال.
شمس العياري
مراجعة: حسن زنيند