هل تنقذ "قشة" صندوق النقد الدولي لبنان "الغريق"؟
١٩ أكتوبر ٢٠٢١أعلنت الحكومة اللبنانية استئناف المباحثات مع صندوق النقد الدولي لضمان حصول لبنان على الدعم المالي الذي يحتاجه لإنهاء الأزمة المالية والاقتصادية الطاحنة التي أثقلت كاهل اللبنانيين خاصة في ظل وباء كورونا.
ففي الرابع من أكتوبر / تشرين الأول، قالت وزارة المالية اللبنانية إنها استأنفت التواصل مع صندوق النقد الدولي بهدف الاتفاق على برنامج التعافي الذي يدعمه الصندوق، لتمهيد الطريق أمام الحصول على دعم مالي دولي كبير ينقذ لبنان.
ومنذ بدء شرارة الأزمة المالية في أكتوبر/ تشرين الأول عام 2019، فقدت عملة البلاد أكثر من 90 بالمائة من قيمتها، فيما أسفرت سلسلة من الأزمات بداية من وباء كورونا ثم انفجار مرفأ بيروت وما تلى ذلك من إضطرابات سياسية عن تردي الأوضاع المالية والاقتصادية والإنسانية ما دفع أكثر من نصف سكان لبنان إلى براثن الفقر.
وما زاد من صعوبة الوضع المالي تخلف لبنان في مارس/ آذار من العام المنصرم عن سداد قروض بقيمة 1.2 مليار دولار، لتسجل البلاد في حينه أول تخلف عن السداد على الإطلاق.
كذلك توقف لبنان عن سداد كافة مستحقات سندات اليوروبوند بالعملات الأجنبية التي تقدر بقرابة 30 مليار دولار فيما بلغ إجمالي ديون لبنان الخارجية والداخلية قرابة 90 مليار دولار.
وعلى إثر ذلك، طلبت الحكومة اللبنانية في حينه دعم صندوق النقد الدلي لتأمين الاستقرار المالي، بيد أن المباحثات بين الجانبين وصلت إلى طريق مسدود في يوليو/ تموز العام الماضي.
وعارضت المصارف اللبنانية والعديد من السياسيين خطة التعافي التي أعلنتها الحكومة السابقة على خلفية الشكوك حيال أن تقديرات الحكومية للخسائر الاقتصادية مبالغ فيها وغير دقيقة.
لماذا المباحثات مع صندوق النقد مهمة؟
ورغم هذه المعارضة للمفاوضات مع صندوق النقد، ترى الحكومة اللبنانية الجديدة برئاسة نجيب ميقاتي أن استئناف المفاوضات مع الصندوق قد يمهد الطريق أمام الحصول على قروض ومنح مالية من المجتمع الدولي. بيد أن العديد من الخبراء يعتقدون أن نجاح المفاوضات مع صندوق النقد ليس مضمونا على الأرجح.
وتعد المفاوضات حاسمة لمستقبل لبنان حيث أظهر المجتمع الدولي استعداده لمساعدة لبنان كما أن موافقة صندوق النقد على خطة التعافي التي أعلنتها الحكومة من شأنها أن تعزز الثقة في جهود الحكومة لإنعاش الاقتصاد اللبناني المنهك.
ورغم ذلك، يرى كريم مرهج - الباحث في منصة المصدر العام" الإعلامية المستقلة ومقرها بيروت- أن الحكومة الجديدة ليست سوى استمرار لنفس النظام السياسي الحالي وأيضا استمرار لمفهوم الكليبتوقراطية أي نظام "حكم اللصوص" الذي تعاني منه البلاد على مدى العقود الثلاثة الماضية.
ويعتقد مرهج الباحث أيضا في معهد "التحرير" لسياسات الشرق الأوسط – أن خطة إعادة الهيكلة التي أعلنتها الحكومة تحمل في طياتها تداعيات كارثية. وأضاف أن هذه الخطة تأتي مغايرة عن تلك التي أعلنتها حكومة رئيس الوزراء السابق حسان دياب والتي كانت تتضمن إجراءات حمائية لصغار المودعين، مشيرا إلى أن حكومة ميقاتي قد تُقدم على برنامج خصخصة أو بيع بعض أصول الدولة وهو ما قد يصب في صالح السياسيين والمصارف.
وفي هذا السياق، قال مرهج "لا أعرف كيف يمكن لقرض من صندوق النقد الدولي أن يغير الوضع في لبنان. هذا القرض قد يجبر البلاد على فرض إجراءات تقشفية وهو ما قد يكون أمرا كارثيا على البلاد خاصة إذا استخدمت الأموال لاستمرار الوضع الراهن للنظام السياسي".
الإصلاحات مطلوبة
أما سامي نادر - مدير "معهد المشرق للشؤون الاستراتيجية" – فيؤكد على أن لبنان في حاجة إلى السيولة من أجل تلبية احتياجات البلاد الأساسية.
ورغم ذلك، قال نادر في مقابلة مع DW إنه لا يعتقد أن الحكومة الجديدة ستكون قادرة على التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي خاصة وأن نجاح التفاوض يتضمن وجود تفاهم واتفاق مع المصارف اللبنانية على إعادة هيكلة الديون وإلا فإن الفئة الأفقر في لبنان سوف تتضرر جراء ارتفاع معدلات التضخم.
وفي ذلك، أوضح نادر "نحن في حاجة إلى إصلاحات، لكن هذه الإصلاحات لن تأتي من المؤسسة السياسية الحالية. لقد استوعب المجتمع الدولي درسا مفاده لا يمكن مساعدة الدولة اللبنانية لكن يمكن مساعدة الشعب اللبناني."
وإزاء ذلك، يعتقد الخبير الاقتصادي اللبناني جان طويلة، أن الحكومة اللبنانية يجب أن تركز على أمور منها خفض العجز الأولي بسبب أن الإنفاق العام كان مرتفعا للغاية وسط انخفاض مستوى الإيرادات في البلاد.
وأشار طويلة في مقابلة مع DW إلى حزمة من الإجراءات التي يمكن أن تتخذها الحكومة بما في ذلك إعادة هيكلة القطاع العام وخفض تكاليف قطاع الطاقة. أما فيما يتعلق بالإيرادات، فيرى طويلة أن الحكومة يمكنها أن تركز على جهود مكافحة التهرب الضريبي لزيادة الدخل الحكومي.
مصادر أخرى للدعم
ورغم أن الحكومة اللبنانية تعلق الكثير من الآمال على برنامج التعافي الذي يمكن أن يدعمه صندوق النقد، إلا أن بعض الخبراء الاقتصاديين يرون أن هذا البرنامج - حتى إذا تم التوصل إليه - لن يكون كافيا.
وفي هذا السياق، قال نيرانجان سارانجي – كبير مسؤولي الشؤون الاقتصادية في لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا) – إن تقديرات الإسكوا أظهرت أن لبنان في حاجة إلى ضخ 3.93 مليار دولار على الأقل. وأضاف "يتعين على الحكومة من أجل تحويل الاقتصاد أن تنظر إلى كافة جوانب هذا الاقتصاد بشكل أشمل وأن تعمل على تعزيز استقرار الاقتصاد الكلي وتبني استراتيجية مالية جيدة لتعزيز النمو وموازنة الإنفاق من أجل دعم الفئات الضعيفة في المجتمع".
وكانت وزارة المالية اللبنانية قد أعلنت في سبتمبر / أيلول الماضي، أن مصرف لبنان سيحصل على 1.135 مليار دولار بدل حقوق السحب الخاصة التي تُعرف اختصارا بـ (SDR) وهي بمثابة أموال تصرف حسب احتياجات الدولة وتقررها وزارة المالية ولا يملك صندوق النقد أي وصاية ملزمة على شكل صرفها إذ أنها أصول صندوق النقد يمكن استبدالها بالعملات الصعبة من أجل تأمين ضخ المزيد من السيولة في الدول الأعضاء التي تعاني من أزمات مالية كبيرة.
ولم تعلن الحكومة اللبنانية حتى الآن مجالات صرف هذا التخصيص المالي الجديد.
داريو صباغي / م ع