Ägypten Wahlen
١٦ نوفمبر ٢٠١١"ثورة 25 يناير كانت ناجحة في بدايتها فقط، أي حتى سقوط مبارك، أما بعد ذلك فلم تكن ناجحة"، هذا ما قاله لنا عبد النبي حامد وهو يحرك السكر في كأس الشاي أمامه. أمضى حامد أكثر من 30 عاما في مصنع السكر في الحوامدية (18 كم جنوب القاهرة)، ويشتغل في ذلك المصنع حوالي 25 ألف عاملا. وبحسب رأي حامد، فإن المجلس العسكري الذي مازال يحكم مصر هو جزء من النظام القديم، ويوضح رأيه قائلاً: "أصلا كلمة ثورة تعني تغيير جذري في المجتمع وكسر للحالة الراهنة. وهذا ما لم يحدث في مصر بعد".
النقابات في عصر مبارك لم تكن تتمتع بالاستقلالية
منذ سبع سنوات وعبد النبي حامد متقاعد عن العمل، ولكنه لا يزال يحافظ على تواصله مع زملائه ويقدم المشورة للشباب منهم، خاصة في الأمور النقابية. في أحد المقاهي في الحوامدية يجلس عبد النبي مع خمسة من العمال ليتناقشوا حول بعض المشاكل في المعمل، ويتناولون أثناء ذلك الشاي ويدخنون الشيشة. ويتساءل العمال عن الأجور التي يتقاضاها أعضاء مجلس الإدارة وعن مقدار الزيادة في المرتبات التي يجب أن يطالب العمال بها. ودائما يطرح السؤال، كيف للعمال أن يؤسسوا نقابة فاعلة ومستقلة.
مثل هذه اللقاءات والتجمعات كانت قبل الثورة أمرا غير وارد، كما يقول عبد النبي، الذي يضيف قائلا: "كل واحد يفتح فمه، يلقى نصيبه من أجهزة أمن الدولة. وحتى المجالس الرسمية التي تمثل العمال كانت لا تؤسس إلا بموافقة من أمن الدولة".
ويوضح عبد النبي أن اتحاد نقابات العمال كان أيضا ضعيفا في عهد مبارك، وأن عضوية مجلس إدارته كانت حكرا على أعضاء الحزب الحاكم فقط، رغم أن هذا الاتحاد منوط به الدفاع عن مصالح العمال. لكن النظام السابق كان يجبر العمال على الانتساب لتلك النقابات لكي يحول دون تأسيس أي نقابات مستقلة، ويبدو أن هذا الأمر تغير بعد الثورة.
"لا ديمقراطية بدون نقابات حرة"
كمال أبو عيطة يعمل كموظف في مصلحة الضرائب ورئيس الاتحاد الجديد للنقابات في مصر. ويروي أبو عيطة بحماس كيف أن فترة ما بعد الثورة شهدت تأسيس نقابات جديدة، "ففي كل مصنع يوجد مبادرة كهذه"، لكن كمال لا يملك أرقاما محددة، لأن كل يوم يشهد تأسيس نقابات وهيئات جديدة. ويرجع كمال السبب في هذه الموجة إلى "القانون الذي تم التوصل إليه بالاتفاق مع المجلس العسكري، بأن يتم تسهيل تأسيس النقابات". ويقع مقر الاتحاد الجديد في عمارة عالية غير بعيدة عن ميدان التحرير، ويأتي العمال إلى المقر الجديد باستمرار. هدف هؤلاء، وكمال واحد منهم، أن يكون لديهم نقابات مستقلة، لأن ذلك جانب مهم جدا من الطريق نحو الديمقراطية.
يرى كمال أبو عيطة أنه "لا يمكن بناء الديمقراطية، طالما أنه لا توجد نقابات قوية تشارك في العملية السياسية. ولكن يجب أن تكون تلك النقابات مستقلة بالدرجة الأولى". كمال أبو عيطة رفض تقلد حقيبة وزارية في نهاية شهر شباط / فبراير الماضي، في أول حكومة انتقالية في مصر، وذلك لأن الظروف كانت "غير ديمقراطية آنذاك"، كما يقول معللا.
حاليا أصبح كمال أبو عيطة ضيفا يطل بكثرة في وسائل الإعلام المصرية، ربما لأن اتحاده أصبح ذا أهمية متزايدة على الساحة. وهذا ما سيتيح له أفضلية عند أي عمليات تحالف سياسية، ولكنه لا زال لا يعرف مع أي من الأحزاب، بانتظار انتهاء الانتخابات. ويعتقد كمال بأن الانتخابات والفترة التي تليها ستكون حاسمة بالنسبة لمستقبل مصر ويقول: "نرغب كنقابيين بأن نشارك في بناء أسس الديمقراطية في بلدنا. فإذا بقينا كلنا سلبيين وننتظر دون أن نعمل أي شيء، فإن كل مطالبنا وأحلامنا التي ناضلنا من أجلها ستبقى معلقة ولن تتحقق".
المساعدات الخارجية غير محبذة
شهدت مصر خلال الأشهر الماضية إضرابات واحتجاجات متفرقة. بعض المسيرات الاحتجاجية كانت من أجل المطالبة بحد أدنى للأجور، كما كانت ضد حكم المجلس العسكري، بتنظيم من النقابات الجديدة.ولكن قليل من تلك الاحتجاجات نجح في الظهور إلى العلن، ويعترف كمال بأن أداء النقابات لازال ضعيفا، وحتى اتحاده يحتاج إلى المساعدة.
لكن المنظمات الأجنبية لازالت تواجه صعوبات إذا ما أرادت تقديم أي مساعدات، كما يوضح فيليكس آيكنبيرغ، مدير مكتب مؤسسة فريدريش إيبرت الألمانية في القاهرة، قائلاً: "هناك، في الوقت الراهن، حملة ضد ما يدعى التدخل الخارجي في الشؤون المصرية". وهذا ما يتيح للحكومة العسكرية إقصاء كل منظمة غير مريحة بالنسبة لها. ولهذا تقتصر مؤسسة فريدريش إيبرت في تقديم مساعداتها على تقديم المشورة فيما يتعلق بتأسيس النقابات، كما تقدم عروضا لتدريب الأعضاء الجدد. وتقدم المؤسسة المساعدة للاتحاد النقابي الذي يرأسه كمال أبو عيطة لكي يعزز علاقاته الدولية.
ويشعر العمال في مصنع السكر في الحوامدية أيضاً بالخوف من قبول أي مساعدة أجنبية، كما يقول عبد النبي حامد. وحتى يتم عزلهم سياسيا قام رئيس مجلس إدارة المعمل باتهامهم، خلال برنامج تلفزيوني حواري، بالتعاون مع جهات خارجية معادية. مثل هذا الاتهام يعتبر، وفق القانون المصري، خيانة عظمى. ومن بين العمال المحتجين هناك القليل فقط مستعد للحديث مع الصحافيين الأجانب. النظام القديم لازال حاضرا في أذهان الناس في مصر، ولا تعد النقابات استثناء هنا.
وربما لذلك ينظر عبد النبي حامد إلى الانتخابات القادمة بتشاؤم، ويشير إلى أن أتباع النظام السابق لديهم الكثير من المال لكي يشتروا الأصوات ويفوزوا في الانتخابات. ولكنه لا يرغب بالتخلي عن حلمه في رؤية مصر جديدة تسود فيها الديمقراطية. وهذا الحلم لن يتحقق إلا بمزيد من ضغط الشارع.
خالد القوطيط/ فلاح الياس
مراجعة: سمر كرم