هل هناك علاقة بين أزمة الديون الأوربية والبنوك؟
٢٨ أكتوبر ٢٠١١يمكن النظر إلى الأزمة المالية الراهنة التي تعصف بالاتحاد الأوربي على أنها حلقة مفرغة، بدأها رجال مصارف أذكياء حولوا الديون العقارية الأمريكية إلى سندات وقاموا ببيعها حتى عام 2007 ومن ثم انخفض سعر هذه السندات حتى أصبحت عديمة القيمة. وهذه البنوك التي تدخر هذه الأوراق المالية تقف على شفا الإفلاس.
وهذا ما يستدعي تدخل الدولة للحيلولة دون انهيار المنظومة المالية بأكملها، وهنا تغلق الحلقة المفرغة. "حين نحاول إنقاذ البنوك، نرفع بذلك مديونية الدولة وفي يوم ما سيصبح التصنيف الائتماني للدولة على المحك "، كما يرى توماس هارتمان-فينديلز أستاذ العلوم المالية في جامعة كولونيا الألمانية. ويضيف "بما أن البنوك، هي الممول الأكبر للائتمان للحكومات، فإن ذلك يضعف البنوك". وبالتالي فهي بالفعل حلقة مفرغة أفضت إلى غرق اليونان في الديون، وهناك بنوك عدة تمتلك سندات حكومية يونانية بلا قيمة وخاصة بنوك في اليونان وفرنسا واسبانيا.
لكن يمكن النظر إلى العلاقة بين أزمة الديون والبنوك من منظور آخر. إذ يمكن إعادة أسباب الأزمة بداية حدوث الأزمة الحالية ليس إلى العاملين في قطاع المصارف وإنما إلى الدولة نفسها. فـ "إيطاليا من الدول التي لا تعود أزمة ديونها إلى أزمة البنوك"، كما يؤكد هارتمان-فينديلز. الذي يرى أن أزمة البنوك قد تكون أثقلت ميزانية الدولة أو أثرت عليها، إلا أن السبب الرئيسي للأزمة حسب رأيه يعود إلى افتقاد الدولة إلى منهجية في التعامل مع ميزانيتها. الدين العام في إيطاليا في الفترة ما بين 1980 و1991 ارتفع من 60% إلى 100% من إجمالي الناتج المحلي. وحاليا ارتفع إلى 120%، وهي نسبة وصلت إليها إيطاليا في التسعينيات من القرن الماضي عدة المرات.
اشتراطات بنكية
وكذلك الحال بالنسبة لليونان وبلجيكا. فإجمالي الناتج المحلي السنوي لهذين البلدين لم يتخطى حجم المديونية العامة المتراكمة للدولة. وايرلندا قد تكون، الدولة الوحيدة، التي ترى أن مديونيتها العامة الحالية قد خرجت عن نطاق السيطرة. حيث أنها تصل إلى 100%، بالرغم من حزمة إنقاذ قطاعها البنكي عام 2008، والتي قامت آنذاك بضغط مديونيتها العامة لتصل إلى 25% فقط.
خلافا لأزمة المصارف الأولى، يرى راينهارد شميت، أستاذ المالية في جامعة غوته في مدينة فرانكفورت الألمانية، أن المصرفيين لا يعدون سوى لاعبين في الأزمة الحالية. وبمعنى أوضح، كما يرى الأستاذ الجامعي، فإن المصرفيين يعدون ضحايا للاشتراطات القانونية البنكية.
فمنذ عام 1988تنفذ الدول الصناعية الرائدة اتفاقية "Basel I" التي تقضي بحقها في الحصول على جزء من حق المساهم، لحماية الصفقات ذات المخاطر العالية. وأضيفت إلى هذه الاتفاقية اتفاقية Basel II وBasel III والتي وضعت اشتراطات أكثر صرامة. وهذه الاشتراطات أعطت الانطباع كما لو أن السندات الحكومية لا تحتوي على أية خطورة. وقد أغرت البنوك بالاحتفاظ بهذه السندات الحكومية، لأنها فضلت توفير صافي استثماراتها.
إذا، قد تكون الأزمة التي تمر بها منطقة اليورو هي نتيجة لتراكمات عقود مضت، حاولت الحكومات الأوربية والمصارف احتواءها، وقد تكون نجحت في السيطرة عليها لفترة ما أو إلى الأبد، لكنها قد تتطور وتخرج عن نطاق السيطرة. وهذه افتراضات ليس من السهل التأكد من صحتها مائة بالمائة. إلا أن زعماء دول منطقة اليورو، وفي القمة الأخيرة التي عقدت في بروكسل مؤخرا، حاولوا بشتى الطرق الحيلولة دون خروج اليونان، التي تعاني من عجز مالي ضخم، من منطقة اليورو. فهذا القرار، إذا ما اتخذته اليونان قد تكون له تداعيات هائلة على منظومة عملة اليورو.
خلافات أوربية -أوربية
ولكن الخلافات الداخلية بين الدول الأعضاء قد تكون من العوامل المؤثرة على صحة القرارات التي اتخذت في القمة الأوربية التي توصلت وفي اللحظة الاخيرة إلى اتفاق تتخلى المصارف بموجبهعن 50% من الديون المتوجبة لها، ما يساوي 100 مليار يورو من أصل اجمالي الديون العامة اليونانية التي تبلغ 350 مليار يورو. كما ستتلقى اليونان قروضا جديدة من اوروبا وصندوق النقد الدولي بقيمة مئة مليار يورو بحلول نهاية عام 2014، في إطار خطة بقيمة 109 مليارات يورو تحل محل الخطة التي أقرت في تموز/يوليو.
وقد هاجم وزير الخارجية الإيطالي فرانكو فراتيني فرنسا وألمانيا في مقابلة صحفية نشرت اليوم الجمعة (28 تشرين الأول/ اكتوبر) إذ قال:"لا أعتقد أن التعاون بين ألمانيا وفرنسا في الأشهر القليلة الماضية أدى إلى مواقف منسقة. وهذه هي المشكلة. أنا أعارض فعلا هذا المحور، لكن لو كانت ألمانيا وفرنسا أوضحتا لنا الاتجاه الصحيح، كنت سأكون سعيدا". وجاء في لقاء لفراتيني مع صحيفة "فرانكفورتر ألغيماينه تسايتونغ" الألمانية أنه "ليس من الصائب أن تصدر دولة أو دولتان أخريان حكما على بلدنا أو حتى تتخذ قرارات". كما رفض فراتيني دعوات ألمانية بتعديل معاهدات الاتحاد الأوروبي من أجل تطبيق عقوبات تلقائية على الدول التي تسجل عجزا كبيرا في موازناتها قائلا إن ذلك يمكن أن تعوقه الحاجة لإجراء استفتاءات في بعض الدول، واضاف أنه رحب بضغوط بروكسل على إيطاليا لتنفيذ إصلاحات وسيكون ممارسة المزيد من الضغوط أمرا "مشجعا". وتابع: "يمكن أن أقبل تنبيهات من المؤسسات الأوروبية، ولكن ليس من حكومات الدول المنفردة". هذا وكانت المانيا قد كثفت ضغوطها على ايطاليا من أجل خفض ديونها.
أما الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي فقد صرح سابقا أن السماح لليونان بالانضمام إلى العملة الأوروبية الموحدة كان خطأ في ذلك الوقت لأن اقتصادها لم يكن مستعدا لتشكيل وحدة نقدية مع دول المنطقة الأخرى. وقال ساركوزي حين سئل في مقابلة تلفزيونية عن تبني اليونان لليورو بعد عامين من إطلاق العملة الموحدة "كان هذا خطأ ... اقتصادها لم يكن مستعدا".
يوتا فاسرراب/ هبة الله إسماعيل
مراجعة: عارف جابو