هل وصلت سياسة ألمانيا في الشرق الأوسط إلى طريق مسدود؟
٤ فبراير ٢٠٢٤يرفض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بصراحة إمكانية التوصل إلى حل الدولتين الذي يدعو إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة إلى جانب إسرائيل وذلك في تحدٍّ ضمني لأقرب حلفاء إسرائيل على الساحة الدولية. وكتب نتنياهو في تغريدة على منصة "إكس" - تويتر سابقا - "لن أتنازل عن السيطرة الأمنية الإسرائيلية الكاملة على كامل المنطقة الواقعة غرب نهر الأردن وهذا يتعارض مع قيام دولة فلسطينية".
وترى الولايات المتحدة وألمانيا والاتحاد الأوروبي أن حلّ الدولتين يشكل حجر الزاوية في الجهود الرامية إلى إحلال السلام في الشرق الأوسط، بل وقد اعتبرته وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك بأنه "الحل الوحيد". وقالت في بيان صدر في ديسمبر/ كانون الأول الماضي إن "إسرائيل لن تتمكن أبدا من العيش في أمان إذا لم تتم مكافحة الإرهاب. وللسبب نفسه، لا يمكن لإسرائيل التمتع بالأمن إلا إذا امتلك الفلسطينيون آفاق للمستقبل".
وفي مقابلة مع DW، قال هانز جاكوب شندلر، الخبير في شؤون الشرق الأوسط بمنظمة "مشروع مكافحة التطرف" غير الربحية، إنه "لا سبيل أمام ألمانيا إلا المضي قدما في إثارة هذه القضية بشكل متكرر"، محذرا من أن خطط عودة الاستيطان إلى قطاع غزة والتي تحظى بدعم علني من وزيرين إسرائيليين ستكون "أرضية لترسيخ التطرف الإسلامي في غزة مستقبلا وربما بين الفلسطينيين بشكل عام".
وفي الوقت الذي تدعم فيه السلطة الفلسطينية حلّ الدولتين، فإن حركة حماس المصنفة من قبل ألمانيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول أخرى على أنها "منظمة إرهابية"، ترفضه على غرار رفضها الاعتراف بإسرائيل. وقال خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي السابق لحماس ورئيسها حاليا في الخارج، في مقابلة مع إعلامي كويتي على منصة "بودكاست" إن هجوم السابع من أكتوبر / تشرين الاول على إسرائيل جعل "فكرة تحرير فلسطين من البحر إلى النهر فكرة واقعية بدأت"، مستخدما في ذلك عبارة باتت محظورة في ألمانيا.
وأسفر هجوم حماس الإرهابي في السابع من أكتوبر / تشرين الأول الماضي على إسرائيل عن مقتل 1200 شخص واحتجاز 240 آخرين كرهائن. ردّاً على ذلك أطلقت إسرائيل عملية عسكرية مكثفة أسفرت إلى غاية اللحظة عن مقتل ما لا يقل عن 27 ألف شخص على الأقل وعشرات المفقودين والمصابين، بحسب بيانات وزارة الصحة التابعة لحماس. وليس ممكنا التحقق من صحة هذه الأرقام من مصادر مستقلة.
موقف ألمانيا
يشكل الموقفان مشكلة كبيرة لسياسة ألمانيا في الشرق الأوسط. وتدعم ألمانيا إسرائيل في حربها ضد حماس في قطاع غزة المحاصر، مع الدعوة في الوقت ذاته إلى حماية المدنيين.
لموقف الرسمي الإسرائيلي الرافض لسياسة حلّ الدولتين وضع الدعم الألماني أمام تحدّ كبير. أضيفت إليه تحديات أخرى عقب إقامة جنوب أفريقيا دعوى ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية تتهمها بارتكاب أعمال إبادة جماعية ضد سكان غزة فيما يُتوقع أن تصدر المحكمة حكمها النهائي في غضون سنوات.
بيد أن المحكمة، التي تعد أعلى هيئة قضائية أممية، أمرت إسرائيل في حكم أولي ببذل كل ما في وسعها لمنع ارتكاب أعمال إبادة جماعية في غزة. وألمانيا تدخل في القضية كطرفٍ ثالث نيابة عن إسرائيل. وقال المتحدث باسم الحكومة الألمانية شتيفن هيبستريت إنه "بسبب ماضينا وبسبب المحرقة، نرى أنفسنا ملزمين بشكل خاص بدراسة هذه القضية عن كثب، ولسنا مقتنعين بأن الحجج المقدمة تبرر هذا الاتهام".
واقعية حل الدولتين؟
في تعليقه على مسار حلّ الدولتين، قال المؤرخ مايكل فولفسون في مقابلة مع إذاعة "إس دبليو آر" الألمانية إن التمسك بفكرة حلّ الدولتين يتجاهل الواقع بشكل كامل، متسائلا: "كيف سنحقق حلّ الدولتين؟"، وتابع إنه "مجرد هراء فلا شيء بات قابلا للتنفيذ".
واقترح فولفسون إنشاء اتحاد فيدرالي محتمل بين غزة والضفة الغربية والأردن كبديل في طرح لم يلق أي دعم دولي حتى الآن. تزامن هذا مع اتهام الدبلوماسي المصري السابق محمد البرادعي، الرئيس السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية والحائز على جائزة نوبل للسلام، الغرب بالنفاق.
وكتب في النسخة الألمانية من مجلة "السياسة والمجتمع الدولي" أواخر يناير/كانون الثاني الماضي، إن "السياسيين الذين يدعون الآن إلى حلّ الدولتين قد وقفوا مكتوفي الأيدي في صمت عندما استولت إسرائيل (من خلال ضم وبناء المستوطنات) على غالبية الأراضي المخصصة للدولة الفلسطينيةالمنشودة. الفترة التي أعقبت أعمال العنف الحالية ربما توفر فرصة أخيرة لتحقيق سلام دائم وعادل قبل اشتعال المنطقة بأكملها".
تمويل أونروا
لسنوات دعمت ألمانيا بسخاء وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (أونروا)، وذلك بهدف تحسين ظروف المدنيين في القطاع، غير ان الاتهامات التي وجهتها إسرائيل إلى الوكالة الأممية زاعمة أن بعض موظفيها متورطين في هجوم السابع من أكتوبر والذي دفع واشنطن وحلفاءها إلى وقف مساعداتها للوكالة بما في ذلك ألمانيا، فتح الباب أمام المنتقدين الذين اتهموا حكومة برلين بـ "الفشل لسنوات" في مراقبة قنوات إنفاق المخصصات المالية المقدمة إلى الوكالة.
ووصف الخبير شندلر الأونروا بأنها "منظمة معقدة، لكنها تمثل البنية التحتية الإنسانية الوحيدة المتواجدة في قطاع غزة. تواجه الأونروا تحديا كبيرا إذ يتعين عليها التعامل مع حماس في قطاع غزة بشكل يومي، لذا فمن الواضح أن أشياء مثل هذه يمكن أن تحدث". ورغم ذلك، أقر الباحث بأنه لا توجد منظمة أخرى تمتلك موظفين وتمويل وخبرة مثل الأونروا، مؤكدا "لا يوجد بديل (عن الأونروا)". وأشار شندلر إلى أن إسرائيل حتى اليوم لم تحدد الكيان الذي سيكون منوطا به القيام بالعمل الإنساني الذي تقوم به الأونروا حاليا في غزة.
يذكر أيضا في هذا السياق أن المانحين يطالبون بإجراء تحقيق سريع قبل استئناف التمويل، في وقت سارعت فيه الوكلة المعنية إلى التعاطي مع هذه الاتهامات وبسرعة وفتحت تحقيقا حول الاتهامات الإسرائيلية، بينما يسود إجماع أن توقف أنشطة الوكالة ستكون له عواقب وخيمة على الوضع الإنساني في القطاع.
تضاءل آفاق العمل الدبلوماسي
ومع تمسك كافة الأطراف بمواقفهم، فقد تضاءلت آفاق العمل الدبلوماسي التي تقوم به دول غربية في المنطقة إذ يرى مايكل فولفسون أن العواصم الغربية بما في ذلك واشنطن، فقدت عمليا كامل نفوذها على إسرائيل لدفعها لقبول حل الدولتين.
وأضاف أن "الشرق الأوسط تعد منطقة جيوسياسية وجيواقتصادية ذات أهمية كبيرة للولايات المتحدة ودول أخرى. إسرائيل تعد الشريك الوحيد الذي يمكن لواشنطن الاعتماد عليه في الشرق الأوسط، شئنا أم أبينا". وأشار إلى أن الاتحاد الأوروبي يمتلك "إمكانيات محدودة فقط. فهو يحتاج إلى إسرائيل، أولا وقبل كل شيء، في الحرب ضد الإرهاب، وثانيا في التكنولوجيا العسكرية".
بدوره، قال شندلر إن الدبلوماسية الألمانية توقفت عن لعب أي دور هام في الشرق الأوسط منذ وقت طويل، موضحا أن الأمر لا يعود إلى قضية دعم إسرائيل بقدر ما يتعلق بسياسة ألمانيا "التي توقفت عن بذل جهود الوساطة منذ فترة طويلة".
واستشهد في ذلك بدور برلين داخل اللجنة الرباعية، التي تتألف أيضا من الاتحاد الأوروبي وروسيا والأمم المتحدة والولايات المتحدة، والتي تأسست عام 2002 وأخذت على عاتقها مهمة حل المشاكل العالقة بين إسرائيل والفلسطينيين.
وفي ذلك، قال شندلر "لقد ماتت اللجنة الرباعية موتا بطيئا وصامتا. جرى تأجيل القضية الفلسطينية وقامت جميع الأطراف في السنوات القليلة الماضية بتأجيلها".
أعده للعربية: محمد فرحان