هل يتم إقصاء تركيا من حلف الناتو؟
٣٠ أكتوبر ٢٠١٩
أثرت العملية العسكرية التركية "نبع السلام" في شمال سوريا على العلاقات مع حلف الناتو. وعلت الدعوات المنادية لإقصاء تركيا من الحلف، فإلى جانب سياسيين من حزب اليسار، شكك أيضا رئيس الكتلة النيابية للحزب الاشتراكي الديمقراطي، رولف موتسنيش في عضوية تركيا في الناتو. وحتى أطراف واسعة من المجتمع الألماني تؤيد هذه المبادرة؛ ففي استطلاع للرأي بتكليف من وكالة الأنباء الألمانية يدعم 58 في المائة استبعاد تركيا من الحلف بسبب التدخل العسكري التركي في شمال سوريا، و 18 في المائة فقط عارضوا ذلك.
ما هي جوانب الخلاف؟
بالنسبة إلى أنقرة شكلت العملية العسكرية في شمال سوريا نجاحا كبيرا بحيث تم للوهلة الأولى منع قيام دولة كردية. الميليشيات الكردية، ووحدات حماية الشعب التي تعتبرها أنقرة إرهابية يتم حاليا إبعادها في تعاون مع الشرطة العسكرية الروسية عن الحدود السورية التركية.
وساعدت هذه العملية العسكرية أنقرة على تحقيق أهدافها الأمنية السياسية. وفي ذات الوقت تأتي العملية لتشكل تضاربا في المصالح مع غالبية بلدان الناتو: فالتدخل العسكري لم يعزز فقط من تنظيم "داعش" وسهل هرب مقاتلين تابعين له، كما تقول الدول الأوروبية، بل عملت أيضا هذه العملية العسكرية على تقوية المنافس الأكبر للناتو وهو روسيا. فعملية "نبع السلام" ساعدت موسكو على تقوية موقعها في سوريا وإرساء سوريا "كدولة تابعة للكرملين". وفي الوقت الذي تنتقد فيه غالبية بلدان الناتو العملية التركية ـ كما وصفها وزير الخارجية الألماني هايكو ماس بأنها منافية للقانون الدولي ـ اعتبرت الحكومة التركية التدخل العسكري أنه تدخل لمكافحة الإرهاب. وكانت الكلمات التي رد بها وزير الخارجية التركي على المنتقدين " لا نتوقع اتهامات، بل اعتراف بالتضامن من شركاء الناتو".
توترات سابقة
والتوترات بين أنقرة والناتو زادت في الشهور الأخيرة باستمرار، لاسيما الخلاف حول نظام الصواريخ الروسي S-400 حيث كشف عن قلة الثقة الموجودة حاليا بين الحكومة التركية وشركاء الناتو. واتخذت تركيا القرار ضد حماية مجالها الجوي بنظام صواريخ أمريكية. وانتقت في المقابل منظومة السلاح الجوي الروسية. وهذا لم يرق للغرب لوجود تحفظات أمنية، إذ يخشى الغربيون أن تسمح تقنية نظام الصواريخ الروسية بالوصول إلى معلومات سرية من الناتو. والأمريكيون كانوا غاضبين من تحرك أنقرة المنفرد وأمهلوا الشريك في الناتو مدة وهددوه بفرض عقوبات اقتصادية. وهذا التعامل المتوتر بين شريكين في حلف الناتو كان تطورا جديدا. وحتى في اليوم الذي انطلقت فيه العملية العسكرية التركية، هدد الرئيس الأمريكي شخصيا نظيره التركي أردوغان "بتدمير الاقتصاد التركي". كما يسود القلق بين شركاء الناتو بأن يدفع التعاون العسكري والسياسي مع موسكو أنقرة إلى الابتعاد عن شركائها الغربيين في حلف الناتو. وأنقرة تتجاوب بالتحديد مع استراتيجية الرئيس الروسي بوتين، إذ يعتبر خبراء أن الرئيس الروسي يحاول بسياسة تركيا تقسيم الناتو.
إقصاء محتمل لتركيا ؟
إقصاء تركيا سيكون بالنسبة إلى المجتمع الألماني مشهدا جذابا، لكنه مستبعد من الناحية القانونية، بل إنه مستحيل. فاتفاقية الناتو لا تشمل إقصاء بلاد من الحلف الأطلسي. لكن البلد العضو يمكن له بموجب الفصل 13 من اتفاقية الناتو تقديم طلب للانسحاب. وحتى لو كان شركاء الحلف قادرين من الناحية القانونية على القيام بذلك، فإنهم لن يفعلوا ذلك. فوزير الخارجية الألماني السابق، زيغمار غابرييل وصف إقصاء تركيا بأنه أمر "غريب"، إذ سيؤدي إلى نشأة " خطر أمني كبير جديد في الحدود الشرقية للاتحاد الأوروبي". وحتى خلال لقاء الناتو الأخير الأسبوع الماضي لم تكن المؤشرات توحي بالعزلة، بل العكس لأنه تم تأكيد الأهمية الاستراتيجية لتركيا عدة مرات، ولا يمكن لحلف الناتو أن يتخلى عن تركيا ووضعها الجغرافي بين الشرق والغرب. وبدون تركيا ستتقلص قدرة تحرك الناتو من الناحية الجيوسياسية مثلا بالنظر إلى مكافحة الإرهاب أو تجاوز موجات اللاجئين. كما أن أنقرة تملك ثاني أكبر جيش في الناتو، وعملية إقصاء تركيا ستقوض بقوة الإمكانيات العسكرية لحلف الناتو.
أيضا فإن انسحاب أنقرة من حلف الناتو هو أمر مستبعد، فهناك اعتماد دفاعي متبادل بين الطرفين، كما أن تركيا معزولة للغاية بسبب سياستها الخارجي، وفي ظل العملية العسكرية التركية الأخيرة فلا يوجد أفضل من تحالف عسكري قوي، خاصة لبلد منعزل مثل تركيا، فهو عامل أمان لن تستغني عنه أنقرة.
دانييل ديريا بيلوت/ م.أ.م/ ع.أ.ج