هل يتمكن حزب العمال من استعادة مكانة بريطانيا في العالم؟
٦ يوليو ٢٠٢٤فاز حزب العمال في المملكة المتحدة، بقيادة كير ستارمر، بالانتخابات العامة التي جرت بالبلاد أمس الأول الخميس 04 / 07 / 2024 لينهي 14 عاما من حكم المحافظين. وعلى إثر ذلك كلف العاهل البريطاني الملك تشارلز الثالث ستارمر بتشكيل الحكومة الجديدة، بعدما قدم ريشي سوناك استقالته من رئاسة الحكومة.
ويثير هذا التغيير في القيادة السياسية بالمملكة تساؤلات حول سياسات الحكومة الجديدة، داخليا وخارجيا. ويتناول تحليل نشره المعهد الملكي للشؤون الدولية -تشاتام هاوس- فكرة أن ستارمر ووزير خارجيته سيواجهان صعوبة تتعلق بالقرارات الأولية بشأن السياسة الخارجية للبلاد، فهل يستطيع العمال إعادة بناء نفوذ بريطانيا وسمعتها ومصالحها؟ وترى المديرة والرئيسة التنفيذية لتشاتام هاوس برونوين مادوكس -ومديرة المملكة المتحدة في برنامج العالم التابع تاتشام هاوس أوليفيا أوسوليفان- في التحليل أن إحدى العلامات المهمة للانتخابات البريطانية هي أن نتائجها -التي كانت متوقعة على مدار أشهر- لاتزال تحمل إحساسا بالغموض بشأن ما هو قادم.
ومن الناحية النظرية ليس هناك فرق شاسع بين غالبية عناصر السياسة الخارجية لكل من العمال، والمحافظين. وتتعلق أكبر الاختلافات بالعلاقات مع أوروبا، والهجرة غير الشرعية، والموقف من الصين، وحرب أوكرانيا. وما عدا ذلك، فهناك هناك تشابه يصل لحد مدهش بين سياسة الحزبين.
وسوف تصدر قرارات مبكرة من شأنها أن تحدد النهج الذي سوف تتبعه حكومة العمال في التعامل مع مكانة المملكة المتحدة في العالم، والبدء في إعطاء إجابات لأسئلة لم يرد عنها أي شيء خلال الحملة الانتخابية.
وسوف تعتمد قدرة العمال على تحسين مكانة بريطانيا في العالم على إنْ كان الحزب يستطيع حل المشاكل الداخلية، بما في ذلك الإخفاق في تحقيق نمو في الإنتاجية، والنظام التعليمي المتفاوت، وأوجه التباين الإقليمية، والنظام الصحي المتداعي.
أول فرصة لبريطانيا هما أمريكا وحلف شمال الأطلسي
وسوف تأتي أول فرصة بعد خمسة أيام فقط من الانتخابات البريطانية الأخيرة، مع انعقاد قمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) في واشنطن، حيث تتاح لستارمر فرصة تأكيد دعمه لأوكرانيا، وهو في ذلك يتفق مع رأي المحافظين. ولكنه سوف يتعرض لضغوط
كي يوضح على وجه التحديد متى يعتزم حزبه إنفاق2,5 % من إجمالي الناتج المحلي للمملكة على شؤون الدفاع، مقابل 2,3% حاليا.
ويضاف إلى ذلك أن المشهد الأمريكي قد تغير منذ صدر عن ستارمر هذا التعهد. وقد أدت الهشاشة الظاهرة للرئيس الأمريكي جو بايدن إلى حالة جديدة من الغموض في السباق الرئاسي الأمريكي، مما يجعل فوز دونالد ترامب الاحتمال الأكبر.
والقرار الذي يتعين على ستارمر اتخاذه هو إلى أي مدى يجب عليه أن يحاول إقناع أمريكا ــوالأعضاء المترددين الآخرين في الناتو- بمواصلة الدفاع عن أوكرانيا، ليس على أساس السيادة فحسب، بل على أساس الأمن الأوروبي.
ثاني فرصة لبريطانيا هي أوروبا
وسوف تتاح فرصة ثانية يوم 18 يوليو / تموز 2024 عندما يستضيف رئيس الوزراء حوالي 50 من زعماء أوروبا المشاركين في المجموعة السياسية الأوروبية. وليست هذه مجرد فرصة لإظهار شخصية رجل الدولة والتأكيد على اهتمام بريطانيا بالقيم الليبرالية (بما في ذلك سيادة القانون، وهي الصورة التي شوهت جراء مناورات الحكومة منذ خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكست).
وسوف تكون هذه فرصة أولى لتحديد تفاصيل الشكل الذي قد تصبح عليه علاقة أوثق مع الزعماء الأوروبيين.
وسوف يتعين على ستارمر تدبير كيفية وضع حكومة يسار الوسط برئاسته في القارة، التي تشهد حاليا دعما متناميا لليمين. وسيتعين عليه أيضا أن يشرح كيف سيتخلى عن خطة ريشي سوناك مع رواندا في إطار مواجهة الهجرة غير النظامية، حيث إن أي نهج بديل يتطلب التعاون مع الدول الأوروبية التي تواجه مشاكل مماثلة.
وغداة فوز حزبه أكد ستارمر أن حكومته لن تعمل على ترحيل طالبي اللجوء إلى رواندا وقال "مخطط رواندا مات ودُفن قبل أن يبدأ. لم يشكل رادعا أبدا (لعبور القوارب الصغيرة)".
تأثير ضئيل لبريطانيا في موضوع غزة؟
كان ستارمر قد دعم قبل الانتخابات حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها في أعقاب الهجمات غير المسبوقة في 7 أكتوبر / تشرين الأول 2023 – التي نفذتها حركة حماس التي تصنفها ألمانيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول أخرى على أنها منظمة إرهابية- وهو موقف مماثل لحكومة سوناك. ولكن تكلفة ذلك بالنسبة لستارمر كانت أكبر من سوناك، في ظل المعارضة المحتدمة بين مؤيدي حزب العمال لتصرفات إسرائيل في غزة.
وتتوقع مادوكس وأوسوليفان أن يواجه ستارمر ضغوطا في الداخل لاتخاذ موقف متشدد ضد إسرائيل، وأنه سوف يسعى لاختبار نفوذ بلاده لدى أمريكا لتعزيز الضغط على تل أبيب. ولكنه قد يصطدم بواقع أن تأثير بريطانيا في مثل هذه الأمور ضئيل، رغم أن أفعالها تحمل ثقلا رمزيا. وقد يكون الدور الأكبر لبريطانيا هو عقد مناقشات بين مجموعة واسعة من الفاعلين الإقليميين حيث تتمتع بتأثير في هذا الصدد.
مراجعة علاقات بريطانيا بالصين؟
لا يلوح في الأفق أي قرار فوري يتعلق بالصين، فقد وضع حزب العمال توازنا دقيقا مماثلا للمحافظين، يتعلق بالتجارة، والحديث عن المشاكل العالمية، مع الدفاع عن المملكة المتحدة ضد أي تهديدات. وقد اقترح العمال مراجعة علاقات البلاد مع بكين، وقد يبدأ ذلك خلال الـ100 يوم الأولى من عمر الحكومة.
وسوف يكون السؤال الأكثر أهمية: إلى أي مدى يمكن لبريطانيا تحاشي الضغوط الأمريكية للتوافق مع إجراءات واشنطن ضد بكين؟ وربما يجد ستارمر نفسه مجبرا على الانحياز لأحد الطرفين بما لا يتفق مع سعيه لتحقيق النمو الاقتصادي.
معضلة تحقيق أهداف مكافحة التغير المناخي
وتقول مادوكس وأوسوليفان إن أول قرار صعب قد تتخذه حكومة ستارمر يتعلق بواردات السيارات الكهربائية الرخيصة من الصين، وأيضا الألواح الشمسية. وقالت راتشيل ريفز التي صارت وزيرة للمالية في الحكومة الجديدة -في تشاتام هاوس يوم الدعوة للانتخابات- إن رخص الأسعار ليس سببا في حد ذاته لشراء المنتجات، ولكنه قد يكون السبب في حال كان النمو هو الهدف، وكذلك تحقيق أهداف مكافحة التغير المناخي. ولا يزال حزب العمال بحاجة إلى حل هذه المعضلة، وسوف يتعين عليه ذلك إذا أراد أن يقوم بدور قيادي فيما يتعلق بالمناخ.
تحسين الأمور داخل المملكة المتحدة
لقد أطلق ستارمر حملته الانتخابية على مدار أسابيع وخلفه مجموعة من اللافتات الحمراء التي تطالب بــ "التغيير". وتقول مادوكس وأوسوليفان إن النفوذ على المستوى العالمي يدعمه أداء الدولة في الداخل، واستقرار ترتيباتها السياسية، ونموها الاقتصادي، وجدواهما.
وفي ختام 14 عاما في السلطة لم يفلح المحافظون في تحقيق أي إنجاز على هاتين الجبهتين، ولقد كلفهم ذلك تضاؤل نفوذ بلادهم في الخارج، ودفعوا ثمن فشلهم في الانتخابات الأخيرة، بأسوأ نتائج للحزب في تاريخه.
وإذا قُدِّر أن يكون هذا هو العصر الجديد الذي وعد به العمال فسوف يتعين على الحزب أن يوضح أن لديه حلولا لمشاكل المملكة المتحدة المستدامة وهي: تراجع نمو الإنتاجية، الضغوط على نظامي التعليم والصحة، تراجع الاستثمار في البنية التحتية - من الكهرباء والطاقة إلى شبكات الجيل الخامس- وأوجه التفاوت الإقليمية والاجتماعية.
وتؤكد مادوكس وأوسوليفان أن فوز العمال لا يشكل مجرد مرحلة جديدة في السياسة البريطانية، بقدر ما يحمل من إقرار بالحاجة إلى مفاهيم جديدة في عالم تغير كثيرا منذ 2010. وعادةً يتم إرجاع الكثير من التحديات التي تواجهها المملكة المتحدة إلى البريكست، ولكن هناك مشاكل أعمق ابتليت بها البلاد خلال حكم المحافظين.
حاجة لحلول أفضل للضائقة الاقتصادية
وفي ختام التحليل تشير مادوكس وأوسوليفان إلى الحاجة لحلول أفضل للضائقة الاقتصادية المتواصلة منذ الأزمة المالية في عام 2008، وقدرة الدولة على إدارة المخاطر العالمية المتنامية مثل تغير المناخ ووباء كورونا، ناهيك عن عودة الحرب إلى أوروبا والشرق الأوسط. وقالتا: "ثمة شعور يثيره فوز العمال الكبير بأن الوقت قد حان كي يسعى شخص آخر للتوصل لهذه الحلول".
ع.م/ع.ج.م (د ب أ)