هل يحرق النفط حبل الود بين بغداد وكردستان؟
٧ سبتمبر ٢٠١٢في خضم حديث النفط وملفه الملتهب بين العاصمة والإقليم، انطلق معرض للغاز والنفط في عاصمة الإقليم إربيل بداية الأسبوع الجاري وانتهى يوم الخميس 6 سبتمبر/أيلول. الملفت للنظر أن شركات النفط التي وقعت عقودا مع إقليم كردستان وهي "اكسون موبيل" و"شيفرون" الأميركيتين و"توتال" الفرنسية لم تشارك في المعرض.
مع هذا المعرض، هدد نائب رئيس الوزراء لشؤون الطاقة حسين الشهرستاني بوضع شركات النفط العالمية التي أبرمت عقودا مع إقليم كردستان على القائمة السوداء. كما هدد مصدر في الحكومة المركزية باستقطاع 3 مليار دولار من ميزانية الإقليم للعام القادم لسداد ديون ترتبت على الإقليم بسبب سياسته النفطية.
الموضوع بهذه المقاييس ليس جديدا، لكنه يتطور بشكل خطير تزامنا مع تطورات أخرى أهمها جمود سياسي يسيطر على الساحة.
مسعود برزاني، رئيس إقليم كردستان، أشار إلى أن مشكلة الإقليم وعموم العراق هي عدم الالتزام بالدستور، كما أن أغلب أطراف العملية السياسية اليوم تقول إن الدستور معطل، ولكن لا أحد يقول إلى متى يمكن أن يظل الدستور معطلا؟
السؤال الكبير الذي يتردد على لسان الجميع: النفط سبب الخلاف، ماذا يصل للعراقيين منه؟ هل حصل العراقيون على حصتهم من الذهب الأسود الذي يعوم بلدهم فوقه؟
مشكلة النفط تبدو لكثير من العراقيين وكثير من المراقبين الدوليين غير واضحة، فالحكومة تتهم إقليم كردستان بتهريب النفط إلى إيران وتركيا، والإقليم يقول إن العاصمة لم تدفع أجور العاملين في الآبار فقطع عنها النفط، ولا أحد يدري عن أي نفط يتحدثون، نفط كردستان أم كركوك المتنازع عليها. في الجانب الآخر تتسارع عمليات تهريب النفط من جنوب العراق، حتى أن مصادر صحفية تتحدث عن تهريب أكثر من نصف مليون برميل يوميا إلى إيران.
"المحكمة الاتحادية معطلة والجميع يخرقون الدستور علنا"
برنامج العراق اليوم من DWعربية حاور الخبير الدستوري والمتخصص بالقانون الدولي د. منذر الفضل، الذي عرض تفاصيل المشكلة موجزا ذلك بأن جوهر المشكلة يتعلق بتفسير الدستور، و بالأخص، تفسير النصوص الدستورية المتعلقة بتقاسم الثروة النفطية والغاز. وأشار د. الفضل إلى أن هناك تباينا في الاجتهادات بين المكونات السياسية المختلفة بهذا الخصوص قائلا: "كل طرف يفسر النص الدستوري وفق هواه واجتهاده، والمحكمة الاتحادية التي وظيفتها الفصل في الخلافات المتعلقة بتفسير الدستور تكتفي بالمشاهدة".
الفضل شرح أن أي خلاف في فهم نص دستوري يُلزم جميع الأطراف المختلفة بالذهاب إلى المحكمة الاتحادية للفصل في الخلاف، ويكون رأي المحكمة في هذا الخصوص قطعيا لا جدال فيه، ثم استدرك بالقول: " لكن دور المحكمة الاتحادية معطّل اليوم كما هو حال بقية المؤسسات والقوانين، وكل الفرقاء السياسيين يخرقون الدستور علنا تحت ضوء الشمس".
من جانبه تحدث الكاتب والمحلل السياسي د. حيدر سعيد لميكروفون برنامج العراق اليوم من DWعربية واعتبر أن إقامة معرض اربيل للنفط والغاز تؤشر لاستقرار في الإقليم، ولإدارة وسياسة جيدة اتسمت بها شبه الدولة التي تقود الإقليم حيث أن التخطيط أبعد وأشمل، والعراقيون جميعا و حكومة المركز لا يمكنهم أن يتجاهلوا التقدم العمراني الملحوظ في الإقليم، وهذا بالتأكيد سيكون سببا لتوجه الشركات للمشاركة في المعرض.
"الشركات الدولية وقعت عقودا مع كردستان رغم تهديدات المركز"
ولفت د.سعيد الأنظار إلى أن الشركات الدولية الكبرى، ومنها توتال و اكسون موبيل و شيفرون قد وقعت عقودا مع كردستان رغم تهديدات المركز ورغم أن الشركات تدرك أن ثروة العراق النفطية الحقيقية ليست في الإقليم بل في جنوب العراق.
وكان بيان رسمي أمريكي قد أوصى شركات النفط بالتنسيق مع حكومة المركز قبل توقيع عقود استكشاف واستثمار في مجال النفط في العراق، وإلى ذلك أشار د. حيدر سعيد إلى "أن البعض يرى أن تعاون الشركات مع حكومة إقليم كردستان يمكن أن يكون أداة ضغط توظفها الولايات المتحدة للتعامل مع حكومة بغداد".
د سعيد أعرب عن اعتقاده أن الحكومة العراقية رغم احتياجها لشركات النفط العالمية ورغم خطة الشهرستاني لاجتذابها بجولات التراخيص، قد أقدمت على تهديد الشركات تحت وهم القوة وفي ظل ارتفاع أسعار النفط عالميا- وميزانية العراق لعام 2012 التي وصلت إلى 112 مليار دولار، كما أن العراق قد حقق سقف إنتاج نفطي وضعه في مصاف ثالث أكبر منتج نفط في أوبك.
ثغرات في الدستور وغياب قانون النفط والغاز
وأرجع د. منذر الفضل كل المشكلات إلى ثغرات في نصوص الدستور وخاصة إلى المادة 111 التي تنص على أن (النفط والغاز هو ملك كل الشعب العراقي في كل الأقاليم والمحافظات)، مشيرا بالقول: "أنا اعترضت على هذا النص لأن الصحيح أن يقول المشرع- الثروات الطبيعية هي ملك الشعب العراقي- ولا يحصر ذلك بالنفط والغاز، وإلا ما مصير الثروات الطبيعية الأخرى؟" .
ولخّص د. الفضل بصراحة أصل كل المشكلات بالقول: "إن المشكلة الأساسية في العراق هي الصراع على المصالح وعلى النفوذ وعلى المراكز وعلى المال بين كل الأطراف دون استثناء".
وذكّر د. الفضل بعدم وجود قانون للنفط والغاز في الدولة العراقية، مبينا أن غياب هذا القانون سببه صراع الكتل السياسية وانعدام الثقة بين جميع الأطراف.
ماجد البصري:" أنا متنازل عن حقي في النفط مقابل 50 مترا أسكن فيها"
في اتصال من الموصل، أشار صديق البرنامج محمد إلى أن المشكلة بين الإقليم وبين حكومة المركز نابعة عن عدم تعاون الطرفين. "فقرارات حكومة المركز صارمة وقاطعة، وكذلك الوضع مع حكومة الإقليم التي ترفض أن تتنازل"، وإذا أريد تحقيق أي مرونة بين الجانبين فإن ذلك منوط حصرا بمدى استعداد الجانبين للتنازل عن بعض من حقوقهما. وأشار محمد إلى أن استمرار التعنت بهذا الشكل يسبب إرهاقا كبيرا للناس.
صديق البرنامج ماجد في اتصال من البصرة أرجع خلافات المركز مع الإقليم إلى الدستور مشيرا إلى أن المادة 14 من الدستور تشير إلى أن العراقيين متساوون في الحقوق والواجبات، وأضاف: "أنا أرى أن على العراقي واجبات لكن ليس له حقوق". ثم أشار ماجد إلى "أن الطامة الكبرى تكمن في المادة 111 من الدستور التي تقول أن النفط والغاز وباقي الثروات هي ملك للشعب العراقي، وهنا أعلن أني متنازل عن حقي هذا مقابل 50 مترا تمنحني إياها الدولة لأسكن فيها".
مصطفي في اتصال من بغداد أشار إلى أنه يؤيد موقف حكومة إقليم كردستان لأن أراضي الإقليم آمنة وهذا يشجع الشركات على العمل، أما في المركز فالأوضاع غير آمنة وهذا يمنع الشركات عن العمل.