هل يطيح النزاع على أبيي باستفتاء جنوب السودان؟
١٠ يناير ٢٠١١بدأت استعدادات حكومة الجنوب للاستفتاء منذ وقت طويل؛ وهي قامت بعدد من المجهودات في هذا الصدد، كإقامة مؤتمر الحوار الجنوبي الجنوبي لتوحيد رأي الجنوبيين ونجحت في ذلك إلى حد كبير. كما توجهت جهودها، أخيرا، وقبل يوم واحد من بدء عملية الاقتراع، بإبرام اتفاق مع القائد العسكري جورج أطور المتمرد على حكومة الجنوب منذ إجراء الانتخابات في أبريل/ نيسان الماضي.
وبذلك تكون حكومة الجنوب قد هيأت الأرض لقيام استفتاء سلس، إلا أن المواجهات التي وقعت في منطقة أبيي، المتنازع عليها بين الشمال والجنوب، مساء أمس الأحد (التاسع من يناير/ كانون الثاني 2011) ، بين قبيلة المسيرية، المدعومة من حكومة الشمال، وقبيلة الدينكا المدعومة من الجيش الشعبي (جنوب)، قد عكرت هذه الأجواء. فقد سقط جراء هذه المواجهات مائة شخص ما بين قتيل وجريح.
وأعرب عدد من المراقبين عن خشيتهم من أن تؤثر هذه المواجهات، إذا تكررت، تأثيراً بالغاً على عملية الاستفتاء على حق تقرير المصير بالنسبة للجنوبيين. لكن للقيادي بحزب المؤتمر الوطني الحاكم في السودان، ربيع عبد العاطي، رأيا آخر. فهو استبعد، في حديث مع دويتشه فيله، إمكانية أن تؤثر مثل هذه النزاعات على عملية الاستفتاء، لأنه يعتبرها، حسب وصفه، نزاعات قبلية محدودة.
وكشف عبد العاطي عن اجتماع بين والي جنوب كردفان، أحمد هارون، ورئيس إدارية أبيي، دينق أروب، لاحتواء الموقف. وحول التصعيد المتوقع في المستقبل بين الجانبين، أكد عبد العاطي أنه إذا ما وقعت أي أحداث في المستقبل، فـ "لن تخرج عن كونها نزاعات قبلية محدودة ولن تمتد لكي تشكل نزاعا سياسيا بين الشمال والجنوب".
إلا أن مندور المهدي، وهو قيادي آخر بالحزب الحاكم في الخرطوم، يطرح وجهة نظر تخالف ما ذهب إليه ربيع عبد العاطي، إذ يقول المهدي لدويتشه فيله "إن أبيي تتبع لرئاسة الجهورية وأن مثل هذا التصعيد من الممكن أن يضر بقضية الاستفتاء والعلاقة بين الشماليين والجنوبيين في شطري الوطن".
"ابتزاز حكومي هدفه عرقلة الاستفتاء"
من جانبه أكد القيادي بالحركة الشعبية لتحرير السودان (جنوب) أتيم سايمون مبيور أن أي توتر في الأوضاع الأمنية في هذا التوقيت بالذات، الهدف منه عرقلة عملية الاستفتاء. وأضاف سايمون، في حوار مع دويتشه فيله، أن حكومة الجنوب "وضعت حدا للانفلات الأمني في المنطقة من خلال حسم النزاع مع المجموعات المنفلتة وهذا الأمر زاد من عملية الاستقرار الأمني في إقليم الجنوب خلال مرحلة الاقتراع".
وتحدث سايمون عن ما وصفها بعملية "ابتزاز تقوم بها الحكومة في الشمال لحكومة الجنوب، بتصعيدها لمثل هذه النزاعات أثناء عملية الاقتراع"، وذلك في إشارة إلى المواجهات التي وقعت بين قبيلة المسيرية من جهة والدينكا والجيش الشعبي من جهة أخرى.
وأضاف سايمون بأن حكومة الجنوب كانت تتوقع أن تنفذ "التزامات وتوجيهات رئيس الجمهورية، عمر البشير، التي قطعها على نفسه في جوبا". وطالب قيادة حزبه (الحركة الشعبية لتحرير السودان) بطرح سؤال مباشر على حزب المؤتمر الوطني الحاكم في الخرطوم حول مدى التزامهم بوضع توجيهات الرئيس موضع التنفيذ.
عدم حسم التبعية و"التصعيد قادم"
وعدم حسم تبعية منطقة أبيي الغنية بالنفط، التي تسكنها قبائل من دينكا نقوك وقبيلة المسيرية، للشمال أو الجنوب سيدفع المنطقة لعدم الاستقرار، وربما يساهم في عرقلة عملية الاستفتاء وربما يؤدي، في نهاية الأمر، كما يرى مراقبون، إلى تجدد الحرب بين الشمال والجنوب.
الواقع أن محكمة العدل الدولية بلاهاي كانت قد أصدرت حكما بخصوص المنطقة، بعد أن لجأ الطرفان إلى التحكيم الدولي، إلا أن حكم لاهاي بتبعية المنطقة لقبائل دينكا نقوك باعتبارها قبائل مقيمة، والحفاظ على بعض الحقوق في المنطقة لقبائل المسيرية باعتبارها قبيلة رعوية من الرحل، لم يرض الحزب الحاكم، الأمر الذي ساهم في تجدد الاشتباكات أكثر من مرة بين القبيلتين.
وعلى الرغم من أن الطرفين، الحركة الشعبية والمؤتمر الوطني، اتفقا من قبل على تأجيل الاستفتاء الخاص بها، باعتبارها منطقة نزاع بين الطرفين، وتمت تبعيتها لرئاسة الجمهورية لتكون منطقة تكامل بين الشمال والجنوب مؤقتاً حتى تتم عملية تبعيتها، فإن ذلك لم يمنع من زيادة المخاوف من تفجير جديد هناك.
وبعض أبناء المنطقة الذين تحدثوا لـدويتشه فيله، عبر الهاتف من أبيى، تكهنوا بتجدد الاشتباكات قريباً لأن الحكومة لم تحسم لهم مصيرهم. يقول أحمد التجاني، من قبيلة المسيرية المدعومة من حكومة الخرطوم، إن لهم حقوقا قديمة في المنطقة ومن حقهم أن يحاربوا من أجلها حتى لو اقتضى الأمر أن يدخلوا في حرب طويلة. وأضاف بأن الحكومة في الشمال، كانت قد جندت أبناء القبيلة من قبل في مليشيات الدفاع الشعبي، أثناء الحرب، إلا أنها فيما يبدو قد تخلت عنهم. وقال إنهم سيقاتلون من أجل حقوقهم في المنطقة سواء دعمتهم الحكومة أو لم تدعمهم.
أما أشويل بار، من قبيلة دينكا نقوك المدعومة من حكومة الجنوب، فقد أكد لدويتشه فيله أن "أبيي تتبع تاريخياً للدينكا، وأن اسمها نفسه اسم جنوبي"، مشيراً إلى أن قبائل المسيرية لا تقيم في المنطقة سوى شهور قليلة خلال السنة. وقال أشويل بار "إن قبيلة المسيرية، مدفوعة من الحزب الحاكم، وتحاول جر الجيش الشعبي وقبيلة الدينكا لمعارك جانبية حتى ينصرف (الجيش) عن مهمة تأمين عملية الاستفتاء". وشدد بار على أن "هدف عرقلة عملية الاستفتاء أصبح واضحا ولكنهم لن يسمحوا بهذه العرقلة مهما كلفهم".
عثمان شنقر ـ الخرطوم
مراجعة: أحمد حسو