هل يفقد "وباء كورونا" برلين جاذبيتها وروحها الشبابية؟
٩ أغسطس ٢٠٢٠ترك فيروس كورونا المستجد بصماته على مدن العالم الكبرى. ففي نيويورك، على سبيل المثال، غادر 400 ألف شخص المدينة في غضون أسابيع قليلة هربا من فيروس كورونا، حسب ما نقلت وسائل إعلام عدة. ويعيش في المدينة الأمريكية عموما ما يزيد عن ثمانية ملايين شخص.
وفي برلين يعيش حوالي 3.8 مليون شخص، لكن رغم أن هذا العد ليس كبيرا، فهل تأثر هؤلاء بوباء كورونا؟
يقول أريان سبت من معهد لايبنيز للبحوث الاجتماعية والجغرافية إن الوضع في العاصمة الألمانية مختلف عن باريس، أو نيويورك، أو لندن. لأن القلة القليلة فقط من سكان برلين يمتلكون منازل ريفية، يمكن لهم الذهاب إليها. بدلاً من ذلك، يميل سكان برلين إلى امتلاك حدائق صغيرة خارج المدينة، حيث يمكن للمرء البقاء هناك لفترة أطول، لكن لا يحق له العيش فيها، لأنها عادة ما تكون مخصصة لقضاء عطلة نهاية الأسبوع فقط.
يقوم المعهد، الذي يُجري فيه سبت أبحاثة، بدراسة العلاقة بين المدن والأقاليم الأخرى، مثل ما هو الحال بين العاصمة برلين وولاية براندنبورغ المحيطة بها. يهتم الباحثون بشكل خاص بمراحل هذا التحول وهل يمكن أن يتسبب وباء كورونا خلال هذه المرحلة في إحداث تغييرات كبيرة؟
تحول يعود إلى سنوات
يعتقد الباحث الألماني أريان سبت، أن الوباء ربما لن يحدث تغيرات جديدة في مدينة برلين، بل سيعزز من تلك التحولات الموجودة من قبل، لأن المدينة تعرف بالفعل حركة نزوح لسكانها إلى براندنبورغ القريبة بدأت منذ عشر سنوات. كما بدأ اتجاه آخر في عام 2014، يتمثل على وجه الخصوص في بحث العائلات الشابة عن منزل جديد حتى في المناطق الأكثر بعداً عن العاصمة. هذا يعني أن الناس ينتقلون حتى من برلين إلى المدن والقرى الصغيرة والكبيرة في براندنبورغ. وهذا ما أكده تقرير سوق العقارات الجديد لولاية براندنبورغ، الذي نشرته حكومة الولاية في نهاية يوليو/ تموز المنصرم. وبالتالي فإن الطلب "يعود إلى انخفاض مستوى الأسعار بشكل متزايد في المدن المجاورة والمناطق الريفية".
التقرير أشار أيضاً إلى أن هذا التحول الديموغرافي قد يكون له انعكاسات في المستقبل وقد يؤدي إلى زيادة عدد السكان في براندنبورغ في عام 2030. الأمر الذي قد ينعكس بالإيجاب على الولاية، التي تشهد نموا في أعداد كبار السن بين سكانها وهو تحول ديموغرافي سلبي يؤدي إلى شيخوخة المجتمع.
هل يشجع "الهوم أوفيس" على السكن في الريف؟
حتى إذا لم يغادر الكثير من سكان برلين مدينتهم بسبب كورونا، فإن أولئك الذين كانوا يفكرون في الانتقال للعيش في الريف منذ فترة طويلة قد يشعرون بالتشجيع لتنفيذ الخطة، يقول سبت: "البعض قد اختبر بالفعل حياة الريف من خلال استئجار منزل أو شقة في الريف مع مساحة أكبر وهدوء، والأهم نسبة خطر أقل للإصابة بالعدوى". كما أن عمل العديد منهم من المنزل، مهد الطريق أمامهم للانتقال إلى الريف.
لكن حب الانتقال للعيش في الريف و الفكرة الرومانسية منها، لا تعكس الواقع بالكامل، كما يرى سبت. "الحياة اليومية جميلة في العديد من الأماكن، ولكنها متعبة أيضاً. فالمرء يجب أن يستقل السيارة للذهاب للتسوق أو إلى العمل. وإنجاز الأمور ذاتها في السرعة ذاتها بالدراجة هو أمر صعب إلى حد ما في القرى بسبب نقص البنية التحتية".
كورونا لم يدفع الناس لمغادرة برلين
بحسب مجلس الشيوخ في برلين، فإن الأرقام الرسمية من دوائر تسجيل السكان لا تعكس وجود نزوح من المدينة. والمقارنة السنوية للانتقال من المدن أظهرت عكس ذلك. ففي الفترة الممتدة من مارس/ نيسان إلى يوليو/ تموز 2020 غادر برلين عدد أقل بكثير من العدد الذي سجل في نفس الفترة من عام 2019. ولم يذكر مجلس الشيوخ السبب في ذلك. من الملفت للانتباه أيضاً، أن نسب "تدفق" الناس على المدينة أقل من نسب العام السابق، مما يشير إلى أن الإغلاق والقيود المفروضة على السفر حدت من هذه الحركة أيضاً.
لم يتحدث مجلس الشيوخ في برلين عن "موجة نزوح" من برلين كما هو الحال في نيويورك أو على الأقل كما يبدو عليه الحال حتى الآن. تقرير سوق العقارات الجديد لولاية براندنبورغ أشار إلى "ترقب" ما إن كان تغيير نمط العمل وعمل العديد من الأشخاص من المنزل في الأشهر الأخيرة، سيؤدي إلى تحول في الطلب".
من يأتي إلى برلين؟
بالنسبة لبرلين، هناك سؤال مختلف حالياً، كما يرى الباحث الألماني: "السؤال الآن ليس من الذي غادر برلين، بل من لن يأتي للعيش فيها، لأن المدينة فقدت الكثير من جاذبيتها نتيجة الوباء". ويطرح سبت مثالا على ذلك من خلال الطلاب الأجانب، الذين تجذبهم العاصمة الألمانية حتى الآن بسبب الحفلات. لكن مع عدم وجود هذه الحفلات بسبب إغلاق أو إفلاس النوادي الليلية، قد يكون قرارهم في هذه الحالة لصالح بلدة صغيرة، حيث "لا يكلف الإيجار الكثير، وقد تكون سمعة الجامعة أفضل في بعض الأحيان".
أرقام أخرى، تظهر تحولاً آخر في برلين. على الرغم من مغادرة الكثيرين للمدينة، كسبت برلين سكانًا جدد خلال السنوات الأخيرة، لكن هؤلاء ليسوا من السكان الذين انتقلوا إلى برلين من مقاطعات ألمانية أخرى، بل أولئك الذين قدموا من الخارج مثل الطلاب أو العاملين في المجال الثقافي. بدونهم، كان وضع برلين مختلفاً الآن.
كاي الكسندر شولتس/ إ.م