هل يمكن أن تتخلى طالبان عن موارد الأفيون والهيروين؟
١٩ أغسطس ٢٠٢١هل ستكف حركة طالبان التي أحكمت قبضتها على أفغانستان عن إنتاج الهيروين الذي زاد بشكل كبير في البلاد في السنوات الأخيرة وساعد في تمويلها؟ هذا ما أكده قادتها، لكن خبراء يرون أن هذه وعود يصعب أن يفوا بها.
وفي أول مؤتمر صحافي للحركة من كابول الثلاثاء (17 أغسطس/أب 2021)، أكد المتحدث باسمها ذبيح الله مجاهد أن السلطات الجديدة لن تحول افغانستان أكبر منتج للأفيون في العالم إلى دولة مخدرات حقيقية. وأضاف "نؤكد لمواطنينا وللمجتمع الدولي أننا لن ننتج المخدرات". وتابع "من الآن فصاعدا لن يشارك أحد (في تجارة الهيروين) ولن يتمكن أحد المشاركة في تهريب المخدرات".
ويرى محللون أن الخطاب المناهض للمخدرات إلى جانب وعود مماثلة باحترام حقوق الإنسان وحرية الإعلام، تندرج كلها في إطار جهود هؤلاء القادة الجدد ليبدوا أكثر اعتدالا ويكسبوا بالتالي دعم المجتمع الدولي.
طالبان فرضت ضرائب على الأفيون وقامت بتسويقه. ويأتي الجزء الأكبر من الأفيون والهيروين المستهلك في العالم من أفغانستان وينتج ويصدر من مناطق تسيطر عليها حركة طالبان التي فرضت ضرائب على الأفيون وقامت بتسويقه خلال تمردها الذي دام عشرين عاما.
وقال جوناثان غودهاند خبير تجارة المخدرات الدولية في جامعة "اس او ايه اس" في لندن إن هذه المخدرات أصبحت مصدرا حيويا لواردات الحركة التي قد تجد صعوبة في حظرها. وأضاف أنه يتوقع أن "تثير هذه القضية سلسلة من الخلافات داخل الحركة". وتابع أن أعضاء الحركة "يريدون تقديم صورة عن أنفسهم أكثر اعتدالا وأكثر انفتاحا على التعامل مع الغرب ويدركون أن المخدرات هي وسيلة لتحقيق ذلك".
من جهة أخرى سيؤثر أي قمع على المزارعين في ولايتي هلمند وقندهار المعقل السياسي لطالبان. وقال ذبيح الله مجاهد إن أفغانستان "ستحتاج إلى مساعدات دولية" لتصبح "دولة خالية من المخدرات" من أجل تزويد المزارعين محاصيل بديلة عن الخشخاش الذي تتم معالجته لإنتاج المورفين والهيروين.
وقد تبدو المطالبة بمساعدات دولية مثيرة للسخرية لدى العاملين في حلف شمال الأطلسي والمنظمات غير الحكومية ووكالات الأمم المتحدة الذين حاولوا من دون جدوى كسر اعتماد أفغانستان على الخشخاش منذ عشر سنوات. وأنفقت الولايات المتحدة حوالي 8,6 مليارات دولار بين 2002 و2017 على هذه الجهود الضائعة، حسب تقرير صدر في 2018 عن مكتب المفتش العام الأميركي الخاص لأفغانستان (سيغار).
وكانت الاستراتيجية الأميركية تقضي بمساعدة المزارعين ماديا على تحويل زراعاتهم إلى القمح أو الزعفران والاستثمار في طرق النقل، لكن كذلك رش حقول الخشخاش بمبيدات الأعشاب أو قصف منشآت التكرير. في كل محطة اصطدموا بمقاتلي طالبان الذين سيطروا على مناطق زراعة الخشخاش الرئيسية وجنوا مئات الملايين من الدولارات من هذه الصناعة، وفقا لتقديرات الحكومتين الأميركية والأفغانية.
أفغانستان تنتج أكثر من 80 بالمئة من الأفيون والهيروين عالميا
وكشفت تحقيقات أن المزارعين في المناطق التي تسيطر عليها طالبان يتعرضون غالبا لضغوط من أمراء الحرب والمقاتلين المحليين لزراعة الخشخاش. نتيجة لذلك تحتكر هذه الدولة فعليا إنتاج الأفيون والهيروين وتمثل بين ثمانين وتسعين بالمئة من الإنتاج العالمي، حسب الأمم المتحدة.
ويقول مكتب الأمم المتحدة لمكافحة المخدرات والجريمة إن مساحة الأرض المزروعة بالخشخاش وصلت إلى مستوى قياسي في 2017 وبلغت حوالي 250 ألف هكتار على مدى السنوات الأربع الماضية أي نحو أربعة أضعاف المساحة في منتصف تسعينات.
وسيكون لسياسة طالبان في مجال المخدرات تداعيات ليس فقط على الدول الغربية ومدمنيها بل وعلى روسيا وإيران وباكستان والصين التي تعد طرقا للتهريب وأسواقا ضخمة للهيروين الأفغاني.
كاتبة أمريكية: عناصر طالبان "مرتبطون جدا بهذه التجارة"
وهذه ليست المرة الأولى التي تؤكد فيها الجماعة الأصولية حظر المخدرات. فقد منعت إنتاجها في العام 2000 قبل عام من الإطاحة بنظام طالبان من قبل القوات التي قادتها الولايات المتحدة.
وقالت غريتشن بيترز المؤلفة الأميركية لكتاب "بذور الإرهاب: كيف يمول الهيروين طالبان والقاعدة"، إن الحظر كان تكتيكيا. وهي ترى أن عناصر طالبان "مرتبطون جدا بهذه التجارة" بشكل يجعل من المتعذر عليهم وضع حد لها وهذا البلد الفقير "لا يمكن أن يعيش بدون الأفيون".
وأوضحت أن السيطرة على البلاد ستتيح لطالبان إمكانية الوصول إلى شركات الطيران والبيروقراطية الحكومية والمصارف، التي يمكن استخدامها لتسهيل تهريب المخدرات وغسل الأموال. وقالت "ليس لدي شك في أنهم سيستغلونها".
مسؤولة ألمانية تتوقع المزيد من المخدرات من أفغانستان
على صعيد متصل، أعربت مفوضة الحكومة الألمانية لمكافحة المخدرات، دانيلا لودفيغ، عن خشيتها من زيادة المعروض من المخدرات في أوروبا بعد استيلاء طالبان على السلطة في أفغانستان.
وقالت لودفيغ في تصريحات لصحف شبكة "دويتشلاند" الألمانية الإعلامية: "كانت زراعة المخدرات ولا تزال أحد المصادر الرئيسية للدخل لطالبان... علينا أن نتوقع أن طالبان لن تقلص زراعة المخدرات في المستقبل، بل ستوسعها بالأحرى".
وأوضحت لودفيغ أن ذلك سيكون له "آثار ملحوظة" على سوق المخدرات الدولية، وكذلك على ألمانيا، مضيفة أن أفغانستان هي أكبر منتج في العالم لخشاش الأفيون، الذي يعتبر أساس الهيروين، مشيرة إلى أن هناك أيضا معامل مخدرات في أفغانستان مناسبة لإنتاج الكريستال ميث، على سبيل المثال.
ز.أ.ب/أ.ح (أ ف ب، د ب أ)