هل يمكن حقا استعادة الأموال التي نهبها رموز الأنظمة الدكتاتورية؟
٢ يونيو ٢٠١١في غياب الأرقام الرسمية التي توثق حجم أموال وممتلكات رؤوس الدكتاتوريات في العالم العربي، تتسابق وسائل الإعلام العربية والغربية إلى تقدير حجم تلك الثروات التي نهبت من المال العام، فمجلة فوربس الأمريكية قالت إن ما جمعه الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن على وعائلة الطرابلسي خلال 23 عاماً من الحكم تتراوح ما بين خمسة إلى 10 مليارات يورو. وهذا ما يعني حجم عائدات البلد من قطاع السياحة في مدة تتراوح ما بين عامين إلى ثلاثة أعوام، وأكدت المجلة أن حجم أموال مبارك تتراوح ما بين 40 إلى 70 مليار يورو، وهي ما يعادل مداخيل البلد من قطاع السياحة في فترة تزيد عن 6 سنوات.
وتسعى الديمقراطيات الحديثة في هذين البلدين إلى استرجاع تلك الأموال لاستثمارها في الداخل، خاصة وأن هذين البلدين، في ظل ارتفاع ترتفع نسبة الفقر والبطالة، بحاجة إلى مشرع دعم يرقى إلى مشروع مارشال كما يقول خبراء الاقتصاد.
لكن يبقى السؤال الرئيسي يدور حول كيفية استرجاع تلك الأموال التي زرعت في بنوك خارجية بأسماء مستعارة أو في حسابات سرية، أو في استثمارات في شكل عقارات أو أسهم في شركات كبرى؟ وما هي الطرق القانونية لاستعادتها فوراً واستخدامها لأغراض التنمية؟
اتفاقيات تنتظر الإرادة
يقول الخبراء إن تتبع هذه الأموال يبدأ أولاً بوجود رغبة حقيقية لدى الحكومات القائمة في استرجاعها، وهو الأمر الذي بدا جلياً في الحالتين التونسية والمصرية، إذ أن آخر الأنباء تقول إن دولة قطر جمدت الأموال الثابتة والمنقولة الخاصة بالرئيس المخلوع زين العابدين بن علي وأسرته وذلك استجابة لطلب وزارة العدل التونسية الذي توجهت به تونس لقطر. وكانت عدة دول أوروبية قد استجابت إلى طلبات مماثلة تقدمت بها تونس، كان آخرها تجميد 12 حساباً مصرفياً لأربعة من أقارب بن علي في فرنسا. وهي نفس الخطى التي تسير عليها مصر لتتبع الأموال التي استولى عليها رموز النظام السابق. إذ قدم النائب العام المصري في شباط/ فبراير الماضي، طلب تجميد أرصدة الرئيس السابق حسنى مبارك وزوجته ونجليه وزوجتيهما في الخارج نتيجة بلاغات بشأن تضخم ثروة الرئيس السابق وأفراد أسرته وبأنها مودعة خارج البلاد.
ويقول الدكتور منذر الفضل، مستشار القانون الدولي في قضايا الشرق الأوسط، في حوار لدويتشه فيله، إن هناك عاملين أساسيين يعتبران سند قانوني لاسترجاع الأموال التي نهبها الحكام، سواء كان ذلك في مصر أو تونس أو في أي بلد آخر. "العامل الأول يتعلق بانتهاك القوانين الداخلية بما في ذلك الدستور، والعامل الثاني هو تخطي معايير الشفافية الدولية التي تراقب عمليات الفساد المالي والإداري"، وهناك الكثير من المعاهدات الدولية التي صادقت عليها معظم الدول العربية وعلى رأسها اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، ومبادرة ستار التي أطلق البنك الدولي والأمم المتحدة في عام 2008 والتي تسهل على الحكومات في الدول النامية استعادة الأموال المسروقة والتي نقلها زعماء فاسدون إلى دول غنية. بالإضافة إلى ذلك فأن الشرطة الدولية (الانتربول) لديها قسم خاص يدعى قسم مكافحة الفساد المالي والإداري، ويمتلك هذا القسم وسائل خاصة لتتبع الأرصدة السرية أو المشبوهة في البنوك العالمية.
رفع السرية في مواجهة الديكتاتوريات
لكن تجميد أموال الدكتاتوريين والمحيطين بهم في البنوك العالمية لا يعني أنها ستسترد قطعاً، وأكبر دليل على ذلك فشكل الحكومة الكونغولية في استرجاع أموال الديكتاتور المتوفي موبوتو سيسي سيكو من سويسرا والتي جمدتها عام 2009. كما فشلت الحكومة العراقية الحالية في تتبع مجمل أموال النظام السابق في الخارج والتي تقدر بمليارات الدولارات.
إلا أن الدكتور منذر الفضل، الخبير في القانون الدولي والمالي، يشير إلى أن هذا الفشل "يعود إلى استمرار الفساد الداخلي في تلك الدول، وعدم وجود الإرادة السياسية الكافية لتتبع تلك الأرصدة"، ويضيف بالقول: "إن السرية قد رفعت عن جميع الأرصدة الموجودة في بالبنوك العالمية لاسيما في سويسرا وذلك بضغط من الولايات المتحدة الأمريكية".
وتشمل المعاهدة الدولية لمكافحة الفساد التي دخلت حيز التنفيذ في 2005 العديد من الإجراءات التي من شأنها، إذا جرى تطبيقها، أن تسد كل مداخل ومخارج الفساد المالي. ويؤكد الدكتور منذر الفضل أن هذه المعاهدة "تسمح بإجراء فحص دقيق لكل الحسابات التي يطلب التحقق منها". وتشدد المادة 40 من هذه المعاهدة على ضرورة تكفل أي دولة بإجراء تحقيقات في حال طلب منها، وضرورة توفرها على الآليات المناسبة في نظامها القانوني الداخلي لتذليل العقبات التي قد تنشأ عن تطبيق قوانين السرية المصرفية.
يوسف بوفيجلين
مراجعة: عماد غانم