هل يمكن لألمانيا التعلّم من تجارب أوروبية في مكافحة البطالة؟
أوائل العقد الماضي كانت بريطانيا تعاني من مشكلة بطالة متفاقمة. غير أن البريطانيين استطاعوا تحقيق معجزة اقتصادية في سوق العمل على ما يبدو خلال السنوات الخمس عشرة الماضية. فقد استطاعوا خلالها تخفيض نسبة البطالة إلى أقل من 5 بالمئة خلال العام الماضي بعدما كانت أكثر من 10 بالمئة عام 1993. وعلى خلاف ذلك تزيد النسبة المذكورة في ألمانيا على 9.5 بالمئة في الوقت الحالي.
بريطانيا أقل بيروقراطية وأكثر ليبرالية
عندما واجه البريطانيون مشكلة البطالة أوائل تسعينيات القرن الماضي اتجهوا للاستفادة من التجربة الأمريكية. وهكذا اتخذت رئيسة الوزراء البريطانية السابقة مارغريت تاتشر إجراءات راديكالية قلّصت بموجبها المساعدات الاجتماعية وتعويضات العاطلين عن العمل. كما قامت بالحد من سلطة البيروقراطية من خلال تسهيل قوانين أنظمة الاستثمار وجعلها أكثر ليبرالية تجاه المستثمرين ورجال الأعمال. ويرى هولغر شيفر خبير اقتصاد سوق العمل في معهد الاقتصاد الألماني بمدينة كولونيا أن تحجيم سلطة البيروقراطية من أهم الأسباب التي ساعدت بريطانيا على النجاح في تخفيض نسبة العاطلين عن العمل إلى النصف. ويرى العديد من المراقبين أن الإصلاحات التي قامت بها ألمانيا مؤخراً في إطار ما يُسمى هارتس 4 تشبه في بعض جوانبها التجربة البريطانية. غير أن المشكلة تكمن في أنها جاءت متأخرة بشكل نسبي. ومن أهم أسباب النجاح الأخرى للبريطانيين تركيزهم على قطاع الخدمات الذي ينمو بوتيرة سريعة استطاعوا من خلالها خلق مئات الآلاف من فرص العمل الجديدة. وعلى خلاف ذلك ركز الألمان على قطاع البناء الذي تضخم بشكل يزيد عن حاجة السوق مما تسبب في هدر وخسائر كبيرة ساهمت في تراجع أداء القطاعات الأخرى.
مطلوب تفعيل دور وسطاء العمل
غير أن انغو كولف خبير سوق العمل في اتحاد نقابات العمال الألمانية يعتبر ما يسميه "استراتيجية تفعيل الأداء في مكاتب العمل" السبب الرئيسي وراء النجاح البريطاني. ففي بريطانيا تضم هذه المكاتب أعداداً أكبر من الموظفين العاملين على التوسط لإيجاد أماكن عمل مقارنة بألمانيا. وهكذا يمكن مكافحة مشكلة البطالة هناك بشكل أفضل. وهنا يرى العديد من الخبراء ومن بينهم كولف أنه يمكن للألمان الاستفادة من التجربة البريطانية. ويضيف كولف "فيما عدا ذلك ليست هذا التجربة مثالاً يُحتذي لألمانيا." وفي هذا السياق يذكر أنه لا يمكن مقارنة عدد العاطلين عن العمل في ألمانيا مع نظيره في بريطانيا. ففي الأخيرة يبلغ عدد الذين خرجوا من سوق العمل وما يزالون دون سن التقاعد ضعف عدد العاطلين. ويرجح أن يكون ذلك لأسباب بينها التقاعد المبكر أو المرض. وإذا أُضيف عددهم لعدد العاطلين يصبح مجمل العدد 2.5 مليون. ومما يعنيه ذلك أن الفروق بين ألمانيا وبريطانيا تصبح صغيرة فيما يتعلق بنسبة البطالة.
هولندا نجحت عن طريق العمل الجزئي
وقد حققت هولندا نتائج مشابهة لما حققته بريطانيا، إذ تراجعت نسبة البطالة فيها إلى أقل من 5 بالمئة. وعلى الرغم من أن الأرقام تجمّل الواقع بعض الشيء فإن التجربة الهولندية جديرة بالاهتمام الألماني حسب الخبير كولف. وفي هذا الإطار ينادي المذكوربمزيد من المرونة في مجال إيجاد فرص تشغيل جزئية وموسمية على غرار ما هو عليه الحال في هولندا. ففي الأخيرة يستفيد 40 بالمئة من العاملين من هذه الفرص. وعلى العكس من ذلك لم تنجح ألمانيا على هذا الصعيد بشكل كبير حتى الآن. ومن أجل تحقيق مثل هذا النجاح لابد لها من تفعيل دور شركات الوساطة في سوق العمل ودعمها.
العمل الرخيص قد يكون دواء لألمانيا
يعتقد الخبير شيفر أن سر النجاح الهولندي يكمن أيضاً في الأجور المنخفضة. ففي عام 2003 اتفق ممثلو العمال وأرباب العمل والحكومة في هولندا على القبول بأجور تراعي ضعف معدلات النمو. وبموجب ذلك التزمت النقابات بالتنازل عن مطالبها بزيادة الأجور لمدة سنتين. مقابل ذلك تراجعت الحكومة عن خططها الرامية إلى تخفيض الدعم الاجتماعي. وقد انعكس هذا الحل بشكل إيجابي على سوق العمل الهولندي بشكل ملموس خلال أقل من سنتين.
أما في ألمانيا فإن العمل ما يزال عالي الكلفة. ولا يغير من ذلك حقيقة أن مستوى الإنتاجية فيها ما يزال أعلى مقارنة بالبلدان الأوروبية الأخرى، لكن السؤال إلى متى. هناك بلدان تقترب حالياً من اللحاق بألمانيا وعندها يصعب عليها مواجهة المنافسة. ويرى شيفر أن تخفيض الدعم الاجتماعي يمكن أن يشكل خطوة إيجابية على هذا الصعيد. وكذلك الأمر بالنسبة لخطوات أخرى مثل تخفيض ضرائب أرباح الشركات.