هوغو تشافيز: رجل الاشتراكية في القرن الحادي والعشرين
٦ مارس ٢٠١٣اعتمد رئيس فنزويلا هوغو تشافيز، الذي توفي مساء أمس الثلاثاء عن 58 عاما بعد صراع مع السرطان، نظاما اشتراكيا يقوم على توسيع صلاحيات الدولة في اقتصاد بلاده من خلال عمليات تأميم وفرض مراقبة الدولة، ما أضعف ريادة الأعمال، بموازاة إقامة تحالفات جديدة مع قوى ناشئة مثل الصين وروسيا والبرازيل.
وكان تشافيز من أشد منتقدي الرأسمالية، التي اتهمها بأنها "تصادر الشعب" و"تقضي على الجنس البشري"، وعمل خلال النصف الثاني من رئاسته على تحويل فنزويلا إلى دولة اشتراكية. كما كان من أشد منتقدي الولايات المتحدة الأمريكية وسياستها الخارجية في العالم.
وكان تشافيز، الذي فاز بولاية جديدة من ست سنوات في الانتخابات الرئاسية التي جرت في فنزويلا في تشرين الأول/أكتوبر، يرأس البلاد منذ 1999 بعدما عرفه الناس إثر الانقلاب الفاشل عام 1992.
وقال تشافيز عند إعادة انتخابه عام 2006 "التزمنا بقيادة الثورة البوليفارية حتى قيام اشتراكية القرن الواحد والعشرين المبنية على التضامن والأخوة والمحبة والحرية والمساواة".
وبعد إعادة انتخابه في 2012 رئيسا لولاية ثالثة لم يتمكن من أداء اليمين لها في كانون الثاني/يناير بسبب المرض، جعل من قيام الدولة المجتمعية والاشتراكية قبلة "لا رجوع عنها" لحكومته. وبدأ تشافيز يميل إلى تدخل الدولة في الاقتصاد عام 2003 بعد إضراب نفذته شركة النفط العامة وكانت له انعكاسات قوية على اقتصاد البلاد، الذي يستمد القسم الأكبر من العملات الأجنبية من العائدات النفطية.
وقد فتحت الرقابة الشديدة المستمرة حتى اليوم على سوق القطع والإجراءات القانونية الأولى لتحديد أسعار المواد الغذائية الأساسية مثل الأرز والطحين والحليب الباب لاحقا أمام تدخل الدولة المتزايد في الاقتصاد.
توقعات بأن يواصل خلف تشافيز اعتماد الاشتراكية
ويتوقع الخبير الاقتصادي أسدروبال أوليفيروس أن يبقي نائب الرئيس نيكولا مادورو، الذي عينه تشافيز نفسه خلفا سياسيا له، على هذا النفوذ الكبير للدولة في الاقتصاد، ولو أنه لا يملك هامش المناورة ذاته الذي كان يملكه سلفه الواسع الشعبية. وقال أوليفيروس، الذي يدير شركة ايكواناليتيكا إن، "مادورو سيكون على الأرجح أكثر براغماتية. سيعمد إلى إصلاح نظام ضبط العملات الأجنبية وتحسين العلاقات مع القطاع الخاص، وهما أمران لم يكن تشافيز يسمح لنفسه بالقيام بهما وحده".
ومع ارتفاع أسعار النفط أطلق تشافيز سلسلة من الإصلاحات عام 2004 سمحت بزيادة العائدات النفطية بفضل النظام الضريبي وضبط المساهمين في مشاريع الطاقة وذلك في إطار "الانفتاح النفطي" على الشركات المتعددة الجنسيات. كما أمر تشافيز عام 2001 باستعادة أكثر من 5,2 مليون هكتار من الأراضي تملكها جهات خاصة وبعمليات تأميم في قطاعات إستراتيجية مثل صناعة الاسمنت والتعدين والأغذية والكهرباء والاتصالات والمصارف. ومن بين الشركات الكثيرة، التي تم تأميمها شركة سيدور الأرجنتينية للصلب، وشركة سيمكس المكسيكية للاسمنت ومصرف بنكو سانتاندير الاسباني وسلسلة المتاجر الكبرى اكسيتو التي كان قسم من مساهميها فرنسيين.
وفي المقابل، شجع إنشاء التعاونيات والمؤسسات، التي تعتمد إدارة مشتركة بين رأس المال والعمل، والإنتاج الاجتماعي بأشكال جديدة مثل "الملكية التضامنية". وكان هدفه من خلال هذه السياسة التصدي للاحتكار واحتكار القلة والأملاك الزراعية الكبرى. وباشرت حكومة تشافيز كذلك تقصي الإمكانات الاقتصادية في اتجاه أسواق جديدة أقرب إلى ايديولوجيتها السياسية مثل الصين وروسيا والبرازيل.
وبعدما كان إجمالي الناتج الداخلي الفنزويلي بمستوى 91 مليار دولار عام 1990، وصل إلى 328 مليار دولار في 2012، والسبب الرئيسي في ذلك زيادة الضغوط الضريبية.
لكن حكومة تشافيز لم تتمكن من ضبط التضخم ولا تفادي النقص المنتظم في المواد الأساسية الذي عانت منه بصورة خاصة الطبقات الشعبية التي كان يريد حمايتها. كما أن فنزويلا، التي أدى ضبط أسعار العملات فيها إلى تحديد سعر لعملتها أعلى من قيمتها الفعلية، تعتمد كثيرا على الواردات ولاسيّما واردات المنتجات الزراعية.
إرث شافيز السلطوي
وأثارت منظمة هيومن رايتس ووتش تساؤلات حول "الإرث السلطوي" للرئيس الفنزويلي هوجو تشافيز بعد رحيله. ونددت المنظمة في تقرير مطول يسرد سجله بـ "مركزية السلطة بشكل دراماتيكي والتجاهل المفتوح لضمانات حقوق الإنسان الأساسية" خلال فترة حكمه منذ عام 1999. وقالت المنظمة إنه "مع ولايته الثانية في الحكم،منحت مركزية السلطة وتقويض حماية حقوق الإنسان،الحكومة حرية في قمع ومراقبة وملاحقة الفنزويليين الذين ينتقدون الرئيس أو يحبطون جدول أعماله السياسي". كما نددت المنظمة بـ "اعتداء" تشافيز على الاستقلال القضائي وحرية الصحافة ورفضه للتدقيق في وضع حقوق الإنسان وكذلك علاقاته مع "حكومات متعسفة" في إيران وسورية والنظام الليبي السابق.
ش.ع/ع.ج.م (أ.ف.ب، د ب أ)