واقع العراق في عيون أدبائه بمهرجان برلين الدولي للأدب
٢٠ سبتمبر ٢٠١٤منذ أكثر من عقد من الزمن ومهرجان برلين الدولي للأدب يواظب على تقديم عدد من الكتّاب العرب للجهمور الألماني. وفي دورة هذا العام كان عشاق الثقافة العربية في ألمانيا على موعد مع الروائيين العراقيين أحمد سعداوي وفاضل العزاوي. وإذا كان سعداوي الفائز بجائزة "البوكر" لهذه السنة عن روايته "فرنكنشتاين في بغداد" من جيل الشباب الذي يرسم لنفسه خطا تصاعديا في خريطة الثقافة العربية، فإن العزاوي، صاحب رواية "آخر الملائكة" المترجمة حديثا إلى الألمانية، يعتبر من الرواد الذين تركوا أثرا في الثقافة العربية. تجربة أدبية مختلفة لسيرتين ذاتين مختلفتين: العزاوي الذي يعيش في ألمانيا منذ حوالي أربعين عاما، في حين أن أحمد سعداوي، يقيم في بغداد ويزور برلين، بل أوروبا لأول مرة.
الربيع الكاذب والانسان المنقذ
"فرانكنشتاين هو نحن العراقيون"، هكذا يرد الكاتب الشاب أحمد سعداوي عن سؤال لـ DW عربية حول سبب اختياره لهذا الاسم؟ إذ يبدو أن الثقافة الشرقية، بحسب صاحب الرواية، في رحلة دائمة عن الانسان المُخلّص والمنقذ من الظلم الذي أصبح قدرا حتميا على الإنسان الشرقي. لذا يقترح سعداوي بطلا مجمعا من أشلاء القتلى لتحقيق العدالة والانتقام من القاتل. ومهمة الانتقام والثأر أصبحت عند "فرانكنشتاين" أو "الشّسْمَهْ"، الذي لا يعرف إسمه، مهمة أبدية.
فإذا كانت رواية "فرانكنشتاين في بغداد" تقترح كائنا بشريا غريبا يثأر للضحايا، فإن "آخر الملائكة" تروي قصة شاب يلتقي ثلاثة من الملائكة يحملون الربيع في أكياس وينثرونه في كل مكان. غير أن القارئ سيكتشف في وقت لاحق أنه ربيع كاذب. وعلى الرغم من أن هذه الرواية قد نُشرت قبل 22 سنة، إلاّ أنها لم تفقد راهنيتها. بل يعتبرها عدد من النقاد رواية تنبأت بالمصير الذي يعيشه العراق اليوم. إنه مصير ربما يتطلب ظهور شخصية على شاكلة فرانكنشتاين لإيجاد حل للواقع العراقي المرير.
رمزية المكان والمهمة المستحيلة
تعتبر كركوك، حيث تجري أحداث رواية "آخر الملائكة"، مدينة عريقة إلى جانب أهميتها الاقتصادية. كما يسكنها خليط من العرب والتركمان والأكراد والآشوريين. ولقد عاشت هذه المدينة سياسة عنصرية في عهد نظام صدام الديكتاتوري كانت تهدف إلى تقوية المكون العربي فيها على حساب باقي المكونات. أما حي "البتاويين" في وسط بغداد، حيث تدور وقائع رواية سعداوي، فله قصته هو الآخر مع التعدد الثقافي والديني، فقد كان حيا يهوديا، ثم أصبح مسيحيا، وبعدها صار مسلما. وكأن الكاتب أراد من خلاله أن يصور واقع العراق المتعدد إثنيا وثقافيا ودينيا. "ومن دون هذه التعددية سيضمحل العراق ويتشتت"، بحسب الكاتب. ذلك أن هذا التنوع الديني والعرقي سيصبح عائقا أمام إكمال فرانكنشتاين لمهمته، إذ سينتابه الشك في لحظة ما، "فالجرائم والضحايا تتداخل مع بعضها البعض". وفرانكشتاين لم يعد يعرف "هل يرمّم نفسه ببقايا أجساد ضحايا أم مجرمين". أما الفصل الأخير من رواية فاضل العزاوي، فيختلط فيه الواقع بالحلم، حيث تحل الجنة على الأرض وينتهي تاريخ الموت. ولكن هذه الجنة ليست إلاّ مجرد وهم يقود إلى الجحيم، ليتحول الربيع إلى خريف يطغى فيه القتل والذبح وتسيل فيه الدماء غزيرة، كما هو حال العراق اليوم.
اهتمام ألماني ضعيف بالأدب العربي
وبعد مرور أكثر من عشرين سنة، نشرت دار نشر "دوليمان" السويسرية الترجمة الألمانية لرواية "آخر الملائكة" للمترجمة لاريسا بندر، أحد الأصوات المجدة في نقل الآداب العربي إلى لغة غوته. لكن هل من سبب لهذا التأخير في الوصول إلى القارئ الألماني خاصة في ظل النجاح الكبير الذي حققته الترجمة الانجليزية؟ وعن هذا السؤال يجيب فاضل العزاوي قائلا ل DWعربية: "جهل دور النشر الألمانية بالأدب العربي يجعلهم يغضون الطرف عنه، وفي المقابل هناك بعض الترجمات لأعمال تافهة لا قيمة لها". وللجواب عن نفس السؤال يقول المترجم غونتر أورت "هناك أسباب عديدة، أهمها ربما استبداد السوق، فدور النشر تسعى لتحقيق أرباح ولاتتوقع مبيعات كبيرة لروايات الكتاب العرب.(…) المطلوب هو مزيد من البرامج التشجيعية لتمويل الترجمة." أما رواية "فرانكنشتاين في بغداد" فلم يُكتب لها بعد أن تترجم إلى الألمانية في الوقت الذي تلقى فيه اهتماما كبيرا من قبل دور نشر انجليزية وايطالية واسبانية ويابانية ولغات أخرى.