وجهة نظر ألمانية حول الانتخابات البرلمانية في تونس
٢٥ أكتوبر ٢٠١٤حتى إذا كان الاهتمام الألماني مسلطا منذ أسابيع على الأزمة في سوريا والعراق، فإن الانتخابات المنتظرة في تونس تعد خطوة مهمة في الانتقال الديمقراطي. الكثيرون يتمنون لمهد "الربيع العربي" نجاحا مستداما في المسار الديمقراطي الذين يرون فيها أملا مقارنة بالوضع السياسي الصعب في العديد من دول المنطقة. وكذلك في ألمانيا ومنذ تأسيس شراكة للانتقال الديمقراطي في تونس عام 2012، ارتفع عدد الذين يراقبون التطورات في تونس عن كثب. الشراكة الألمانية التونسية للانتقال الديمقراطي تكمن في تكثيف العلاقات السياسية والاجتماعية بين ألمانيا وتونس من خلال عدد من المشاريع والإجراءات، مثلا في مجالات التعليم والاقتصاد ودولة القانون. أول انتخابات برلمانية حرة في تونس في 26 أكتوبر/ تشرين الأول انطلاقا من الدستور الجديد المصادق عليه في يناير/ كانون الثاني عام 2014 تعد خطوة إضافية في المرحلة الانتقالية في تونس. ومع الانتخابات الرئاسية في نوفمبر/ تشرين الثاني وديسمبر/ كانون الأول من العام الجاري يمكن اعتبار المرحلة التأسيسية الانتقالية قد اكتملت.
أول انتخابات برلمانية حرة
وعقب الثورة في يناير/ كانون الثاني عام 2011 وأول انتخابات حرة لانتخاب المجلس الوطني التأسيسي في أكتوبر/ تشرين الأول عام 2011 والمصادقة على دستور جديد للبلاد في يناير/ كانون الثاني عام 2014 فإنه يتعين ملئ المؤسسات الجديدة بالحياة السياسية وإيجاد قبول لها لدى الشعب. ذلك أنه وحتى إذا مرت المراحل والخطوات المؤسساتية بشكل إيجابي وفي الأغلب بشكل سلمي، فإنه يتعين أن يسير تطور الثقافة السياسية وموقف المواطنين من النظام السياسي الجديد بحقوقه وواجباته الجديدة على خطى موازية لبعضها البعض. اهتمام المراقبين الألمان بالمشاركة مع لجنة الاتحاد الأوروبي في مراقبة الانتخابات التونسية كبير وكذلك الاحترام الذي يكنونه لهيئة الانتخابات المستقلة التي نظمت الانتخابات في غضون فترة زمنية قصيرة وبأهداف طموحة لتنظيم انتخابات جديدة بعد ثلاث سنوات عقب انتخاب المجلس الوطني التأسيسي.
حتى ولم ترغب جميع الأطراف السياسية بالالتزام بقوانين اللعبة (إذا أخذنا بعين الاعتبار الإشاعات الدائرة حول دفع رشاوى للنواب للحصول على تزكيات منهم للترشح للانتخابات الرئاسية) فإن الانتخابات تجري وبكل وضوح في مناخ سياسي أكثر حرية من النظام القديم. التعددية الحزبية والتنافس السياسي أصبحت اليوم جزءا من الحياة اليومية في تونس. وبالنسبة للانتخابات البرلمانية في 26 من أكتوبر/ تشرين الثاني، ترشحت نحو1300 قائمة في 33 دائرة انتخابية، الكثير منها تحمل مرشحين مستقلين (نحو الثلث) وبقية القوائم تنتمي لأكثر من 40 حزبا أو تحالفا انتخابيا. ومن إجمالي ست دوائر انتخابية في الخارج توجد دائرة في ألمانيا. والنائب الألماني-التونسي المستقبلي سيمثل مصالح التونسيين المقيمين في ألمانيا في البرلمان الجديد الذي يتكون من 217 مقعدا.
تحالف كبير أو حكومة ما يسمى "الوحدة الوطنية" بين حركة النهضة ونداء تونس يبدو أكثر احتمالا. هذا يشكل من جهة إمكانية استقرار من شأنها أن تحول دون تكرار "السيناريو" المصري أو اندلاع أزمات عنيفة بين مختلف الأطراف السياسية.
في حال تشكيل حكومة وطنية - معارضة ضعيفة؟
ومن جهة أخرى، تبدو الأحزاب الصغيرة الليبرالية أو التقدمية مجبرة على لعب دور معارضة ذات تأثير ضعيف. وفيما قامت حركة النهضة بحملة انتخابية نشيطة ومهنية حتى في ألمانيا، لم يكن يسمع أو يقرأ شيء يذكر من ممثلي الأحزاب الأخرى. في هذا الإطار قامت بعثة من حركة النهضة بزيارة ألمانيا في أكتوبر/ تشرين الأول 2014 لدعم مرشحها عن ألمانيا حبيب اللجمي والذي تعد حظوظه كبيرة لتمثيل التونسيين المقيمين والذي يتراوح عددهم ما بين 60 و80 ألف. ومن 44 ألف تونسي الذين يحق لهم الانتخاب، سجل 26 ألف فقط أنفسهم للمشاركة في الاقتراع.
وبنوع من القلق ينظر إلى الوضع الأمني والسياسي في شمال إفريقيا وسط مخاوف من أن تؤثر تداعيات الحرب الأهلية في ليبيا سلبا على استقرار العملية الانتقالية الهادئة والبناءة في تونس. كما أن هناك مخاوف من أن يتسبب العائدون التونسيون المتطرفون من الحرب في سوريا ( ظاهرة تواجهها أيضا ألمانيا ودول أخرى في الاتحاد الأوروبي) في اضطرابات في تونس أو يعرقلوا عملية الاقتراع من خلال تنفيذ هجمات إرهابية. وسيتعين على البرلمان الجديد أن يكرس اهتمامه على تشكيل حكومة جدية والقيام وبسرعة بالإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية.
إيزابيل شيفر، رئيسة معهد الدراسات المتوسطية التابع لجامعة هومبولت في برلين.