قبل أحداث ليلة رأس السنة الجديدة في كولونيا كان الأرجح هو عدم الاتفاق بشأن سياسة اللجوء الأوروبية. أما الآن وبعد الهجمات الواسعة النطاق، التي شارك فيها العديد من اللاجئين، وكذلك بعد الفشل الصارخ للشرطة في كولونيا أصبح من المستحيل تماما الاتفاق على توزيع معقول للاجئين في الاتحاد الأوروبي كله. وللأسف، فإن ردود الفعل على ما فعله "الغوغاء" من اعتداءات "جنسية" في كولونيا، ولا سيما من قبل أوروبا الشرقية، لم تترك مجالا للرغبة في التوضيح. والنتيجة هي إعلان بولندا وجمهورية التشيك والمجر وسلوفاكيا أن اللاجئين، وبخاصة المسلمين، يمثلون خطرا، وأنهم قالوا ذلك دائما، لكن المستشارة أنغيلا ميركل، المؤيدة للمجتمع المتعدد الثقافات، لم ترد الاستماع لذلك.
سلوفاكيا كرأس حربة ضد ميركل
مطالب المستشارة بتنظيم توطين وتوزيع اللاجئين في أوروبا ليس فقط على أساس طوعي وإنما بشكل دائم، بإمكان ميركل الآن أن تنساها، بدون حرج. فرئيس الوزراء السلوفاكي روبرت فيكو لا يريد السماح للاجئين المسلمين بدخول بلاده. ويريد بكل الوسائل مناهضة التوزيع الإجباري للاجئين وطالبي اللجوء. وقد قدم بالفعل دعوى أمام محكمة العدل الأوروبية. الجرائم التي وقعت في كولونيا وهامبورغ وشتوتغارت، والآن أيضا في هيلسنكي قدمت لفيكو الشعبوي كل الحجج اللازمة.
والرئيس التشيكي والحكومة البولندية الجديدة المغالية في المحافظة، ورئيس وزراء المجر وغيرهم في شرق وجنوب أوروبا سيوافقون تماما على (طلب) فيكو. لكن ليس هؤلاء فقط، وإنما هناك أيضا في هولندا خيرت فيلدز، اليميني الشعبوي المعادي للأجانب، يلعن في سياسة اللجوء الأوروبية بخيرها وشرها. ورئيس الوزراء الهولندي مارك روته، الرئيس الحالي لمجلس الاتحاد الأوروبي، واقع الآن تحت ضغط. وفي العديد من البلدان الأخرى هناك وضع مماثل. في الدنمارك، والسويد، وفنلندا، ولكن أيضا في ألمانيا. والضغط على الحكومات القائمة في تزايد مستمر.
كما أنه في خارج أوروبا أيضا يجري التطرق إلى ما حدث في كولونيا برغبة قوية. فالمرشح الجمهوري للرئاسة الأميركية دونالد ترامب، المعادي للأجانب، يستغل الأحداث لصالح حملته الانتخابية. "ألمانيا تعرضت لهجوم واسع من قبل المهاجرين، الذين سمحت لهم بنفسها بدخول أراضيها"، كتب ترامب على موقع تويتر، علما بأنه يريد إغلاق حدود الولايات المتحدة.
ضغط سياسي داخلي أيضا على ميركل
حزب "البديل لألمانيا"، اليميني الشعبوي، وجماعات المظاهرات المعادية للأجانب والمناهضة للأسلمة فازت حقا بداية من الآن. وعدد الهجمات المعادية للأجانب على مراكز اللجوء لم تكن بهذا القدر الكبير كما هو عليه الحال في ألمانيا اليوم. وبالتالي فإن المستشارة تقع تحت ضغط شديد محليا. والآن إضافة إلى كولونيا، تأتي النهاية الأبدية للسياسة الأوروبية المشتركة تجاه اللاجئين.
في مفهوم التعامل مع تدفق الأعداد الكبيرة من الناس من سوريا وأفغانستان والعراق وإريتريا وشمال أفريقيا تلعب مسألة التوزيع على جميع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، المنتمية إلى منطقة شنغن، دورا حاسما. وبدون تنظيم لعملية التوزيع ستواصل بلدان الاستقبال الأولية مثل اليونان وإيطاليا غض الطرف عن دخول اللاجئين (لأراضي الاتحاد). ولن توقفهم أو تستقبلهم أي دولة تقع في طريق البلقان الضخم، وسوف يستمرون في الوصول إلى ألمانيا. وبهذا الشكل لن يكون هناك مجال لخفض "حاسم" لعدد المهاجرين، مثلما وعدت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل شقيقها المتمرد البافاري، الحزب الاجتماعي المسيحي. كما أن ميركل لم يعد بوسعها الآن أن تعول على التضامن الأوروبي.
الأغلبية في الاتحاد الأوروبي ضد ميركل
على الأقل حتى مارس/ آذار لن يغير روبرت فيكو في سلوفاكيا من موقفه المتشدد قيد أنملة؛ لأنه يريد إثبات نفسه كرئيس للحكومة في الانتخابات السلوفاكية. وبداية من يوليو/ تموز سيصبح فيكو، حسب ما يريد الحظ، رئيس مجلس الاتحاد الأوروبي. وعند قيامه بهذا الدور سيحاول الوساطة بخصوص التسوية الأوروبية في سياسة اللاجئين وحماية الحدود. وهذا ربما لن يكون، لأن سلوفاكيا قدمت حاليا شكوى إلى المحكمة الأوروبية ضد غالبية الدول الأعضاء الأخرى ضد سياسة اللجوء على وجه التحديد. وهناك العديد من رؤساء الدول والحكومات الأوروبية يعتبرون سياسة المستشارة الألمانية في أزمة اللاجئين الآن خطأ. ومن المحتمل أن تضطر إلى تغيير موقفها أو الرحيل.
الأحداث المثيرة للقلق، التي وقعت في كولونيا، جعلت الوضع صعبا فعلا في الاتحاد الأوروبي، إن لم يكن ميؤوسا منه تقريبا. وربما تصبح بداية النهاية لأنغيلا ميركل، التي كانت ذات يوم قوية جدا في أوروبا.