وجهة نظر: التطرف ينمو على هامش المجتمع الألماني
١٧ سبتمبر ٢٠١٤تمكن متابعو صحيفة "زود دويتشه تسايتونغ" الألمانية من متابعة الموت بـ"التصوير البطيء" إذ نشرت الصحيفة في صفحتها الرئيسية لعدد اليوم خمس صورا التقطتها كاميرات الفيديو من ثلاث وضعيات مختلفة. وتظهر اللقطات التي يعود تاريخها للتاسع عشر من تموز/يوليو الماضي، سيارة بيضاء وهي تتحرك ببطء في اتجاه إحدى نقاط التفتيش في مركز مدينة بغداد ليقوم السائق بتفجيرها، ما أسفر عن مقتل 54 شخصا وإصابة العديد بجروح.
كل ما هو معروف حتى الآن عن السائق أنه شاب منحدر من أصول تركية وكان يعيش في مدينة إنيبتال في قلب ولاية شمال الراين ويستفاليا بغرب ألمانيا. وصل الشاب المدعو أحمد. س. إلى بغداد قبل ساعات قليلة من موعد الحادث الذي جاء بنفس السرعة التي تم بها تجنيده. وضع أحمد في آذار/مارس الماضي صورتين له على موقع فيسبوك، الأولى وهو يمسك بزجاجة ويسكي وسجائر، والثانية وهو يصلي، معلقا على هذا التحول بعبارة "لم يتأخر الوقت بعد". وبعد أربعة أشهر أقدم الشاب على قتل أكثر من 50 شخصا.
الجهاديون والنازيون الجدد
كيف يمكن حدوث هذا التحول؟ والأهم: كيف يتولد هذا النوع من الاستعداد المتطرف للعنف خلال أشهر قليلة؟ تركز تفسيرات خبراء علم النفس والاجتماع على أسباب الظاهرة في محاولة لفهم تفاصيل العملية خطوة بخطوة للوصول لتحليل أدق تفاصيلها في الوقت الذي تظل فيه فكرة التحول نفسها غير مفهومة.
تدور معظم محاولات تحليل الأسباب حول نفس النقاط وهي: الشعور بالانعزال والتعرض للتمييز وعدم السيطرة على تفاصيل الحياة والفشل في الاندماج في المجتمع. ليس من قبيل الصدفة أن المتطرفين الذين أطلقوا على نفسهم اسم "شرطة الشريعة" والذين ظهروا الشهر الماضي في مدينة فوبرتال بغرب ألمانيا، حاولوا العثور على مؤيدين في صالات اللعب التي تقدم ألعاب الفيديو للبالغين، فهذه الأماكن عادة هي وجهة أشخاص يجمعهم شيء واحد هو الفراغ، فلديهم الكثير من الوقت والقليل من الخطط الحياتية. ومن يعد الناس بحياة جديدة لن يجد صعوبة في العثور على مؤيدين له في هذا الوسط.
يمنح ما يعرف بـ"جهاد البوب" برموزه الخاصة مثل الجلباب الطويل واللحية المنبتة والشعارات المتفردة، شعورا رائعا لأنصاره بأنهم غادروا الهامش وصاروا في مركز الاهتمام، لاسيما في مركز جماعة من أصحاب الخبرة الذين لا يرضون بأقل من قلب المجتمع رأسا على عقب. تتوافق هذه الآلية من الناحية النفسية، مع الأيديولوجية التي توحد- بمؤشرات مختلفة- النازيين الجدد الذين ينتشرون بشكل أكبر في الشطر الشرقي من ألمانيا، في حين يسيطر "جهاد البوب" على غرب ألمانيا. يتحول بعض هؤلاء الجهاديين لقتلة إذ تشير بيانات هيئة حماية الدستور الألمانية (المخابرات الداخلية)، إلى أن نحو 400 شخص سافروا بالفعل إلى سوريا والعراق ونفذ خمسة منهم على الأقل هجمات انتحارية.
التخلص من النزعة الشريرة للجهاد يحتاج لسنوات ويتطلب تركيز المساعي على نقطة أساسية وهي: إعطاء قيمة للحياة من خلال تقديم مكان في المجتمع للجهاديين المحتملين، فالتطرف في النهاية لا ينمو في قلب المجتمع وإنما على هامشه.
بين الحذر والهيستريا
تتركز الأولوية الآن على التحكم في المخاطر الراهنة. وتحاول السلطات الأمنية الألمانية حاليا الرد على سؤالين مهمين وهما: كيف يمكن منع الجهاديين الشباب من السفر إلى خارج ألمانيا؟ وكيف يمكن التعامل مع العائدين من مناطق الحروب؟ قدم وزير الداخلية توماس دي ميزير العديد من الاقتراحات في هذا السياق. ويثير الاقتراح بشأن سحب جوازات السفر من المجاهدين الألمان الكثير من الجدل حاليا كما تتم مناقشة فكرة تشديد القوانين الخاصة بالأجانب بشكل يسمح للسلطات بترحيل المتطرفين الأجانب الذين يعيشون في ألمانيا. وتقوم مجموعة عمل من الحكومة الاتحادية وحكومات الولايات بدراسة هذه المقترحات في الوقت الحالي.
صعوبة التعرف بدقة على الجماعات الجهادية يزيد من تعقيد الموقف، فالحدود بين الحذر والهيستريا والإنذار الحقيقي والمبالغ فيه، يمكن أن تتداخل قليلا، الأمر الذي يجعل هذه المناقشات ضرورية حتى وإن كانت تبدو صاخبة بين الحين والآخر. يجب أن تتخذ كافة الإجراءات اللازمة في وقت ما، وهذا ليس مسؤولية دولة القانون في ألمانيا إزاء مواطنيها فقط، بل وأيضا إزاء السوريين والعراقيين الذين قُتلوا أو يمكن أن يُقتلوا على يد جهاديين قادمين من ألمانيا.