وجهة نظر: السخط والغضب لا يكفيان لحل مشاكل لبنان
٢٢ أكتوبر ٢٠١٩"التفكير الجيد" هو عكس "الفعل الجيد"، يقول المثل الألماني. هل للمثل معنى على مستوى العالم؟ يبقى هذا محل شك. لكنه يصلح جيدا لوصف النظام السياسي المعقد في لبنان الذي تدفع عيوبه دولة الأرز الصغيرة مجددا إلى أزمة خانقة.
لقد كان "تفكيرا جيدا" عندما تفاهم اللبنانيون بعد نهاية حقبة الاستعمار الفرنسي عام 1943، على تقسيم معقد للسلطة بين الشيعة والسنة والدروز والطوائف المسيحية المختلفة. وكان لذلك انعكاسات إيجابية واضحة. فإلى يومنا هذا يضمن عدم سيطرة مجموعة واحدة على الوظائف والمناصب إضافة إلى النظام السياسي برمته. ويوجد، على الأقل من حيث المبدأ، انتخابات ديمقراطية. وحتى وسائل الإعلام تتمتع في لبنان بحرية أكبر مقارنة مع الكثير من بلدان المنطقة حتى ولو أنها في الغالب بوق لمجموعات محددة.
محسوبية وفساد
لم يكن تطبيق الديمقراطية اللبنانية المتعددة الديانات منذ البداية في لبنان "فعلا جيدا". ففي كل مرة اختلفت فيها المجموعات، استعانت بداعمين من الخارج "كقوة حامية" لتقديم المساعدة من أجل فرض مصالحها السياسية الداخلية ضد الآخرين. وعلى هذا النحو تحولت هي في الغالب إلى كرة لـ "القوى الحامية" الأجنبية مثل السعودية وسوريا وايران أو دول غربية مثل فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية. وبموازاة ذلك أنشأت كل مجموعة دينية منذ البداية أحزابها الخاصة وبنية محسوبية اجتماعية إلى حد أن بعض الظواهر المعهودة في المنطقة مثل الفساد والمحسوبية قد تضاعفت في لبنان بالمقارنة مع بلدان عربية أخرى لديها قيادة موحدة. كما أن لبنان واجه إلى جانب حرب أهلية وعقود من الهيمنة السورية موجات هجرة كبيرة من اللاجئين الفلسطينيين والسوريين إضافة إلى مواجهات عسكرية مع الجارة اسرائيل.
غضب وسخط عارمان
النزاع الحالي تفجر بسبب قضايا عديدة ولاسيما الفساد والأزمة الاقتصادية الخانقة في البلاد، خاصة ما يُسمى بـ "ضريبة واتس آب" التي قوبلت لدى اللبنانيين الشباب بغضب كبير، ما دفع الحكومة إلى إلغائها بسرعة. لكن لم يعد بالإمكان لجم الغضب والسخط الموجهان ضد النخبة السياسية بأجمعها في البلاد. "الشعب يريد إسقاط النظام" هكذا هتف مئات الآلاف في شوارع بيروت ومدن لبنانية أخرى، وهو شعار رددته حركات ما يُسمى بالربيع العربي في 2011 و 2012. وكثير من اللبنانيين يعتبرون رجال السياسة، بغض النظر عن الانتماء الديني، "لصوصا" و "مجرمين" ويطالبون باستقالة كافة الموظفين السياسيين بغض النظر إن كانوا من السنة أوالشيعة أوالمسيحيين أو الدروز.
بصيص أمل ومخاطر
لا شك أنه بريق أمل، أن يبدو الكثير من اللبنانيين مستعدين لتجاوز تناقضات الماضي ذات الدوافع الدينية والسياسية ويتفقوا من كل الطوائف على هدف واحد. وهذا يبعث على الشجاعة بالنسبة إلى المستقبل ويستحق الدعم ليس فقط من أوروبا. لكن يجب توخي الحذر، لأنه بالنسبة لما بعد إسقاط سياسييهم الحاليين، ينقص المتظاهرين تصور واضح حول كيفية تجاوز النظام القائم حاليا وتحريره من الفساد دون التضحية بالحماية المضمونة لكل السكان.
والتجربة تقول إنه في الحالة القصوى، عمل عنف وحيد أوكلمة خاطئة أوسوء فهم أو حيلة سياسية محبوكة جيدا تكفي لدفع اللبنانيين مجددا في اتجاه أجندة أخرى أو تأليب بعضهم على بعض. وهذا يجب ألا يحصل هذه المرة! فكل المعنيين يجب أن يلتزموا في هذه الأجواء المشحونة بعدم استخدام العنف، لاسيما قوى الأمن الحكومية! ويُنصح المتظاهرون في الشوارع، بأن يقيمّوا بعين ناقدة حزمة الإصلاحات الاقتصادية التي أقرتها حكومتهم غير المحبوبة أولا ومن ثم إذا لزم الأمر تطوير وتقديم طلبات مضادة قبل التشكيك في النظام القائم في لبنان وبدون أي رؤية مستقبلية واضحة.
راينر زوليش