السوريون تعبوا الحرب والفاعلون الأجانب يؤججون نيرانها
٢٨ فبراير ٢٠١٨
بعد سبع سنوات من إراقة الدماء والآلام يستمر الصراع بقوة في سوريا، لأن الحرب تقرر مستقبل الكثير من القضايا ـ مثلا حول ما إذا كانت روسيا وإيران ستحلان مكان التحالف الأمريكي مستقبلا، وعما إذا كانت تركيا ستترك الناتو وتقترب أكثر من روسيا، وهل تواجه إسرائيل مستقبلا خطرا وجوديا بسبب الوجود الإيراني القوي في سوريا ، وفيما إذا كان تنظيم "داعش" سيعود مجددا فور وجود فراغ جديد.
روسيا ـ القوة المؤثرة حاليا
كمنتصر مؤقت بعد سبع سنوات من الحرب يمكن لروسيا أن تحتفي بنفسها، لأن الكرملين بتدخله العسكري في سبتمبر 2015 عمل أولا على إنقاذ نظام الأسد، وبمبادراته السياسية عمل بعدها على تجنب عملية السلام للأمم المتحدة. والأخيرة تسببت في الكارثة التي تحصل اليوم في الغوطة الشرقية، لأن روسيا فصلت في مؤتمرات أستانا إنهاء العمليات القتالية عن التحول السياسي في سوريا. وساهم ذلك في إيجاد مناطق خفض توتر كان ينبغي للنظام سحب وحداته منها مؤقتا ـ حتى من الغوطة الشرقية. وبعدما استرجع النظام منطقة دير الزور من تنظيم داعش، يريد الآن أن إخضاع الغوطة مجددا لسيطرته.
والجديد في المقابل هو جبهة الحرب على حدود منطقة عفرين الكردية مع تركيا. في 20 يناير بدأت أنقرة العملية العسكرية التي أطلقت عليها ويا للسخرية اسم "غصن الزيتون" ضد عفرين. وروسيا من جهتها سمحت بهذه العملية عندما فتحت المجال الجوي فوق عفرين أمام سلاح الجو التركي، لأن موسكو تغازل تركيا. على هذا النحو كان بوتين السياسي الكبير الأول الذي هنأ الرئيس التركي رجب طيب اردوغان على قمع المحاولة الانقلابية في 15 يوليو/ تموز 2015. ومستقبلا سيزود الكرملين تركيا بالنظام المضاد للصواريخ S400، الأمر الذي يدفع عملية ابتعاد تركيا عن التحالف الغربي/ الناتو. وتحظى تركيا بأهمية أكبر من سوريا بالنسبة إلى روسيا التي تريد إخراجها من التحالف.
وفي ذلك يحصل تضارب لمصالح روسيا مع مصالح النظام السوري. وبهذا تكون روسيا مستعدة لترك عفرين لتركيا، فيما يريد نظام الأسد بسط سلطته مجددا على جميع أجزاء البلاد. فهو يريد السيطرة على حدود عفرين مع تركيا، كما يريد بالقوة الغاشمة استرجاع محافظة ادلب المعقل الأخير للمتمردين الإسلامويين.
سوريا ـ جبهة جديدة ضد إسرائيل؟
أما أيران فتكون بذلك إلى جانب الأسد، إذ تشكل ميليشياتها وحداته الأهم من المشاة، وتبني إيران على الأراضي السورية قواعد ومصانع أسلحة. وعلى هذا النحو يُراد أن تصبح سوريا الجبهة الجديدة ضد إسرائيل حسب الرغبات الإيرانية، وعليه فإن روسيا تعطي ضمانة وجود لإسرائيل ـ ما يكشف كيف تشعر موسكو بأنها قوية في الشرق الأوسط.
سوريا أصبحت كرة في يد قوى متعددة، والسوريون تعبوا الحرب منذ فترة طويلة، إلا أن الفاعلين الأجانب هم الذين يواصلون خوضها وهؤلاء ولن ينهوها طالما لم تتحقق أهدافهم. والقضية أنه ليس هم من يتألم، بل السكان المدنيين. وقد ظلت جميع النداءات لوقف العمليات القتالية بلا جدوى، لأنه لا يوجد ذراع تدفع بروسيا وإيران والنظام إلى طاولة المفاوضات وإلى التنازل. أما الغرب فقرر لأسباب وجيهة عدم التدخل عسكريا، لأنه مع التصميم الذي يخوض به حلفاء النظام الحرب، لا يمكن كسبها إلا بمزيد من الضحايا. وعلى أساس هذا الوضع سيعود فتح جبهات قديمة في سوريا خلال السنوات المقبلة، كما سيتم فتح جبهات جديدة بشكل مستمر.
راينر هرمان