وجهة نظر: ضربات جوية دون نتائج لكنها تحمل رسالة واضحة
١٤ أبريل ٢٠١٨أغلب الظن أننا لن نعرف، إلا بعد مرور بعض الوقت، إلى أي مدىً كان العالم، في منتصف أبريل/ نيسان عام 2018، قريبًا من الانزلاق في حرب بين القوتين النوويتين العظميين، الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا.
أماَّ الآن فيبدو واضحاً أن الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا كانت متحفظة بحيث اقتصرت هجماتها على أهداف في سوريا، مرتبطة بإنتاج وتخزين الغازات الحربية السامة. أما الإصابات بين المدنيين جراء تلك الهجمات، بعد كل ما هو معروف حتى الآن ومع كل الحذر الواجب، تجاه أي تقييم للأحداث في سوريا: لا شيء تقريباً.
عقلانية جديدة للجيوش؟
في الأيام الماضية جرى مراراً وتكراراً، عقد تشبيهات بأزمة الصواريخ الكوبية، والمواجهة (التي كانت وشيكة) بين الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة في عام 1962. إلا أنه من المؤكد أن الأمر كان (ولايزال) في العالم يقف عند حد الخطاب الحماسي، إذا ما جعلنا من "تغريدات" دونالد ترامب العبثية معيارا، وقبلنا التهديدات المتهورة، من قبل مسؤولين روس.
غير أنه خلال أزمة كوبا كان الأمر على كلا الجانبين يتعلق بالحفاظ على أولوية السياسة في مواجهة الجنرالات، (وخصوصا نموذج) الجنرال المريض عقلياً جاك، في فيلم "Dr. Strangelove"، (الذي كان يريد إشعال الحرب النووية مع الاتحاد السوفيتي). ولقد تم النجاح قبل 56 عاماً (في تجنب المواجهة العسكرية) وبقيت الأزمة أزمة سياسية.
لكن الآن، أي في الأيام الأخيرة التي سبقت الغارات الجوية على سوريا، كان يُسمع على جانبي المحيط الأطلسي إنذارات تبدو أحيانا مثل تنهيدات عميقة، أملا في أن تنتصر هذه المرة عقلانية الجيوش. تلك العقلانية والخبرة، التي يتمتع بها الجنرالات (الآن) في مواجهة جهالة وانعدام ضمير السياسيين. ويحتاج المرء إلى كوميديا سياسية من نوع خاص لكي يستسيغ هذا الوضع قليلا.
اختيار حذر للأهداف
وللتذكرة مرة أخرى، هناك عدة آلاف من الجنود الروس في سوريا يقاتلون إلى جانب قوات الأسد. وقبل شهرين قتل مرتزقة روس في هجمات للقوات الجوية الأمريكية في شمال سوريا. ولم تنشأ عن ذلك أزمة. ويقوم التحالف، الذي تقوده الولايات المتحدة، ضد ما يسمى "الدولة الإسلامية" (داعش) بعمليات في شمال سوريا. وفي هذه المرة، تم اختيار أهداف الغارات الجوية بدقة، بحيث لا يمكن إصابة أي جندي روسي.
خط التواصل بين القيادة العسكرية الأمريكية والأركان العامة الروسية يبدو مستقراً. ويفيد خبراء بأنه، ومنذ فترة طويلة والتبادل المعرفي، المفعم بالثقة والذي لا بأس به بين قادة عسكريين رفيعي المستوى على كلا الجانبين لم يعانِ تقريباً، على الرغم من المواجهة الجديدة بين الشرق والغرب.
وربما تكون سوريا على مدار التاريخ هي مسرح الحرب، الذي لا يمكن التنبؤ بما فيه. فمراراً وتكراراً، يوجد هناك جنود يواجهون بعضهم بعضاً، ودولهم إما متحالفة اسمياً أو متعادية سياسياً بعمق. والحرب الأهلية السورية حُسمت بعد تدخل روسيا إلى جانب الأسد والتحالف السوري مع إيران. وما يسمى بالضربات الانتقامية للقوى الغربية الثلاث لن يغير في الأمر شيئاً، لكنها على كل حال ليست بلا معنى.
الغارات الجوية لديها رسالة واضحة
واشنطن ولندن وباريس توضح، من خلال الضربات الجوية، أمرين: أن استخدام أسلحة الدمار الشامل المحظورة لن يمر دون عواقب، والكذب الساخر والتستر على جرائم الحرب لن يتم التسامح معهما- بصرف النظر عمن يمد يده لاستخدامها أو يدير آلة دعايتها. وبالإضافة إلى ذلك، فإن القوى الغربية لا تريد إخلاء المجال الجيوسياسي بهدوء وبدون ضجيج، حتى لو كانت وراءهم سنوات شهدت سياسة متقلبة وغير واضحة وفاشلة. والشرق الأوسط يقف أمام عملية إعادة تنظيم وينبغي ألا يُجري ذلك في موسكو وطهران وحدهما. هذه هي الرسالة المزدوجة للهجمات على مصانع الأسد الكيمياوية.
ويضاف إلى ذلك أمر ثالث: الولايات المتحدة لم تتصرف بمفردها، ولكن بالتحالف مع فرنسا والمملكة المتحدة، في تكاتف عسكري، ولكن أيضاً في تنسيق سياسي وثيق. وفي العام الثاني من عهد دونالد ترامب، يكون هذا وبدون نقيض تقريبا خبرا جيدا صباح اليوم السبت.
كريستيان ف تريبه/ ص.ش