وجهة نظر: عقول العرب وقلوبهم منطلق التغيير في المنطقة
٦ فبراير ٢٠١٥يوما بعد يوم يزداد تأثير التنظيمات الارهابية كتنظيم القاعدة، بوكو حرام، حركة الشباب الصومالية، حركة طالبان، وعلى وجه التحديد تنظيم "الدولة الإسلامية"، على مجريات الحياة السياسية في الكثير من الدول ذات الغالبية المسلمة. المثير ان كلا من هذه التنظيمات ينطلق في حربه المدمرة والمنتهكة لكل حقوق الإنسان على مفاهيم الإسلام "الصحيحة" و"الحقيقية"، هذه المفاهيم التي تستقي "حرفياً" من القرآن والسنة النبوية، هذا ما يطيب لهذه التنظيمات إدعاءه على أية حال.
لكن الطريقة التي تحاول بها "الدولة الإسلامية" تشريع جريمة إعدام الطيار الأردني معاذ الكساسبة حرقاً، في أدبياتها الفقهية الداخلية تظهر كيف يعمل الجهاديون في الواقع على تفسير الأحاديث النبوية بما يتفق مع حساباتهم وتقديراتهم. أحد الأحاديث النبوية التي اعتمدها محرمو جريمة الحرق تلك هو ما نقل عن النبي محمد قوله: "لا يعذب بالنار إلا رب النار". وبهذا الحديث بالتحديد لم يلتزم تنظيم "داعش"، رافضاً الانتقادات - التي جاءت أيضاً من داخل صفوفه- من خلال مناورة معقدة فقهياً في محاولة لتبرير عملية الإعدام، وانتشرت هذه التبريرات على موقع تويتر. وقد ذهب الأمر بهذا التنظيم إلى حد محاكمة أحد رجال الدين المقربين منه بسبب انتقاداته"المنحرفة فقهياً" لعملية حرق الطيار، كما أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان المقرب من المعارضة السورية والمطلع على الشأن السوري جيداً.
انتقادات من داخل التنظيم
هل يشرع الإسلام الارهاب حقاً؟ من الناحية المجردة وبعيدا عن الغوص في أية قضايا فقهية، أرى أن إعادة طرح هذا التساؤل مرارا وتكرارا لا تقود إلى نتائج بناءة. فالإسلام في نهاية المطاف هو نتاج إيمان وممارسات متبعيه. وغالبية المسلمين في العالم العربي ترفض الإرهاب، حالها في ذلك حال غالبية الأشخاص في الدول الغربية، وحتى قبل إعدام الطيار الأردني.
العالم العربي، بل العالم ككل بحاجة الآن إلى إستراتيجية عالمية طويلة الأمد وتتمتع بالمصداقية لمكافحة الإرهاب وتنطلق من التحديات التالية بشكل خاص: أولاً، نجاح الإرهابيين في استقطاب مقاتلين جدد من الدول العربية والغربية على حد سواء. ثانياً، النجاح في إساءة استخدام الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي من قبل شباب محترف بشكل كبير، من أجل تجنيد المزيد من المقاتلين وبث الدعاية المليئة بالكراهية. وثالثاً، المقدرة الخطيرة لتنظيم"الدولة الإسلامية" بشكل خاص على تشكيل التحالفات وخلق ساحات تحرك جديدة لممارساتها الإرهابية، من سيناء المصرية إلى الدول الإفريقية الواقعة جنوب الصحراء الكبرى، مروراً بليبيا والجزائر.
ربما تكون اللحظة المناسبة لتغيير المواقف
نشر الرعب من خلال تصوير الممارسات الإرهابية، يعد أحد المكونات الأساسية لإستراتيجية تنظيم"الدولة الإسلامية". لكن مع ارتفاع وتيرة الانتقادات من قبل مسلمين آخرين ومن أتباع التنظيم المتطرف نفسه لعملية إعدام مسلم حرقاً لم يتوقعها القائمون على تنظيم"داعش". لذلك يمكن أن تكون هذه العملية وكل ما تبعها من ردود أفعال غاضبة، لحظة مناسبة بطريقة ما لخلق قاعدة عريضة إستراتيجياً للحرب التي تشنها دول غربية وإسلامية ضد"داعش"، وذلك انطلاقا من العناصر التالية:
أولاً: يجب تصعيد الضغوط العسكرية على تنظيم"الدولة الإسلامية" من خلال ضربات تستهدف مقاتليه ومواقعه العسكرية، لكن بدون التعرض بأي أذى للسكان المدنيين في العراق وسوريا في كل الاحوال وتحت كل الظروف، وهذا ينطبق ايضا على مدينة الرقة السورية، التي تعد المعقل الرئيسي للتنظيم، إذ لا تثير مثل هذه الضربات سوى الغضب من قوات التحالف الدولي وتدفع البعض للانخراط في صفوفه تنظيم "الدولة الاسلامية".
ثانياً: على المؤسسات الدينية ورجال الدين في المنطقة خلق حدود واضحة بين الإسلام وإرهاب تنظيم "الدولة الإسلامية"، ويمكن لمؤسسة الأزهر بشكل خاص، التي تمثل ملايين السنة فقهيا، أن تلعب دوراً ريادياً. لكن مقولة شيخ الأزهر أحمد الطيب، الذي دعا إلى "قتل وصلب وتقطيع أيدي وأرجل" إرهابيي التنظيم، ليست الطريق الصحيح: فالثأر لا يقود هنا إلى شيء، إذ لا ينتج عنه سوى المزيد من العنف والوحشية. ان استنساخ أساليب تنظيم"الدولة الإسلامية"، هو الطريق الخاطئ في كل حال من الأحوال، حينما يُراد التغلب على الإرهاب والعنف في رؤوس الناس، بل يتطلب وجود تحالف للذين يعون أن الدين هو ضابطة أخلاقية وحضارية لتصرفاتهم، وأساس للسلم والاحترام المتبادل. وهذه الضابطة تسري على السنة والشيعة والمسيحيين والإيزيديين.
مخاطر فقدان الأفق
مجرد النأي بالنفس عن تنظيم"الدولة الإسلامية" لا يكفي بأي حال من الأحول، فالأمر يتعلق هنا بإيجاد فهم للتدين بين الكثير من الشباب اليائس في المنطقة، ولا يجب أن يستند هذا الفهم على الإقصاء والإرهاب والعنف، فالمطلوب هنا مخاطبة عقولهم وقلوبهم. الشباب في العالم العربي بشكل خاص يعيش في الغالب في بيئة اجتماعية مليئة بالصراعات، ومن دون أي أمل بالرخاء وأي أفق بالتعليم أو التطور، ومن دون حق حقيقي بالمشاركة في حيثيات مجتمعاتهم. وللأسف لم يتمكن"الربيع العربي" من تغيير هذا الواقع. وطالما بقي هذا الأمر على حاله، سيكون من الصعب احتواء العنف والإرهاب، حتى وإن أطلق التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب قنابله على العراق وسوريا للعقود الثلاثة القادمة.