وسط المعارك.. نشطاء السودان يقومون بالإغاثة ويدعون للسلام!
٢٤ أبريل ٢٠٢٣
مع انتهاء هدنة عيد الفطر في السودان، أفادت وسائل إعلام بأن حالة من الهدوء الحذر تسود الخرطوم وسط استمرار حالات النزوح الداخلي من العاصمة إلى ولايات أخرى وتسريع العديد من الدول إجلاء رعاياها من البلاد.
تزامن هذا مع أفادت به نقابة أطباء السودان عن مقتل أكثر من 270 شخصا وإصابة نحو 1600 آخرين منذ بداية الاشتباكات والقتال بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان الذي يرأس أيضا مجلس السيادة الانتقالي من جهة وقوات الدعم السريع شبه العسكرية السودانية بقيادة الجنرال محمد حمدان دقلو (حميدتي) في 15 أبريل/ نيسان.
وأشارت النقابة إلى أنه يوجد العديد والكثير من الإصابات والوفيات غير مشمولة في هذا الحصر، لافتة إلى عدم التمكن من الوصول للمستشفيات لصعوبة التنقل والوضع الأمني في البلاد.
فرار المدنيين
دفع القتال المستعر آلاف المدنيين إلى الفرار من العاصمة الخرطوم مع تعرضها لنقص حاد في المياه والغذاء وانقطاع التيار الكهربائي وإغلاق المستشفيات والمتاجر وسط تحذيرات من تفاقم الأزمة الإنسانية.
أما معظم سكان الخرطوم ممن اضطروا إلى البقاء فلم يجدوا بديلا سوى البحث عن الأمان داخل منازلهم مع تزايد اعتمادهم على المساعدات الإنسانية. وفي مقابلة مع DWقالت كاترينا فون شرودر التي تعمل مع منظمة "أنقذوا الأطفال" في السودان، إن "حالة الإمدادات مرعبة للغاية مع انقطاع التيار الكهربائي في العديد من الأماكن، كما أن العديد من المستشفيات لم تعد تعمل".
بدوره رسم حامد خلف الله، الزميل غير المقيم بمعهد التحرير لسياسات الشرق الأوسط في السودان، صورة واقعية لما يعاني منه معظم سكان الخرطوم في الوقت الحالي. وقال في مقابلة مع DW "هناك آثار لإطلاق نار في الجزء الخلفي من منزلنا، سأبقى مع عائلتي بالداخل وسنحاول أن نكون بأمان."
بيد أن الباحث السوداني ياسر زيدان اضطر لترك منزله الذي يقع قرب وسط الخرطوم ومطارها الذي تعرض للقصف الشديد.
وقال في مقابلة مع DW "كنا بحاجة إلى الانتقال لأن منزلنا بالقرب من أماكن الغارات الجوية، لدينا الآن على الأقل بعض الطعام والماء والوقود وأحيانًا الاتصال بالإنترنت".
فشل الانتقال الديمقراطي!
يشار إلى أنه بعد الإطاحة بنظام عمر البشير في أبريل/ نيسان 2019، جرى تشكيل مجلس عسكري بقيادة البرهان للإشراف على الانتقال عملية الديمقراطي في السودان فيما كان حميدتي نائبه.
لكن في أكتوبر/ تشرين الأول عام 2021، قام البرهان بانقلاب وأطاح بالحكومة المدنية بقيادة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك وشكل البرهان مجلس سيادة برئاسته رغم الاحتجاجات الرافضة للعودة إلى الحكم العسكري والمطالبة بالعودة إلى التحول الديمقراطي في البلاد.
وخلال التظاهرات، قامت قوات الدعم السريع بأعمال قمع ضد المحتجين، ما أسفر عن مقتل 330 شخصا على الأقل وإصابة نحو 3 آلاف آخرين، حسب تقرير لمنظمة الصحة العالمية.
لكن منذ مطلع أبريل / نيسان الجاري، تصاعدت التوترات بين البرهان وحميدتي على وقع خطط دمج قوات الدعم السريع في الجيش السوداني.
المجتمع المدني في مواجهة كارثة إنسانية
ومنذ ذلك الحين، أخذت منظمات المجتمع المدني في السودان على عاتقها محاولة تنسيق جهود الإغاثة وتقديم المساعدات الإنسانية للكثير من المواطنين الذين باتوا في أمس الحاجة إلى تلك المساعدات.
وفي سياق متصل، قالت ميشيل دارسي، مديرة منظمة "المساعدات الشعبية" النرويجية، في ظل تفاقم الأزمة الإنسانية في السودان يتم "حاليا استخدام الحركات للديمقراطية للاستفادة من خبرتها في التنظيم". وأضافت " تبذل اللجان داخل الأحياء قصارى جهدها لمساعدة عمليات الإجلاء والرعاية الطبية والاحتياجات الأساسية وتتكاتف هذه اللجان معا في ظل ظروف بالغة الخطورة".
ورغم تركيز النشطاء وأعضاء منظمات المجتمع المدني على مساعدة السودانيين، إلا أنهم لم ينسوا عملهم السياسي، حيث يدعون إلى ضرورة العودة إلى المسار الديمقراطي بعد انتهاء موجة القتال والاشتباكات.
وفي ذلك، كتب ياسر عرمان، الناطق الرسمي باسم قوى الحرية والتغيير- المجلس المركزي، في تغريدة على موقع تويتر: "على السودانيين في الداخل والخارج حشد طاقاتهم لحل الأزمة الإنسانية ومن بعدها السياسية بعقل مدني رصين قائم على أساس مشروع ديمقراطي .... مشروع يحمل قيم وواجبات ثورة ديسمبر ونحن الآن في مناخ معقد ومختلف لن نتصدى لواجباته إلا بوحدتنا."
وأضاف في تغريدة أخرى " الحل الوحيد هو أن نشكل كتلة مدنية صلبة وجبهة مدنية متحدة ضد الحرب عابرة للإثنيات والجغرافيا قادرة على توحيد السودانيات والسودانيين وتوحيد الشعب والأرض. فدون ذلك سيتمزق السودان بلا رحمة."
قوة المعسكر المدني
وقد لاقت تحركات منظمات المجتمع المدني والنشطاء في السودان إشادة من المراقبين حيث شدد ثيودور ميرفي، مدير برنامج أفريقيا في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، على أن "المعسكر المدني مازال نشطا للغاية وملتزما بالمسار الديمقراطي".
وأضاف في مقابلة مع DWأن الأولوية في الوقت الراهن تتمثل في "معالجة الوضع الإنساني والدعوة إلى وقف الأعمال العدائية، لكن يتعين أن يعقب ذلك التذكير بضرورة الاحتفاظ بإمكانيات السودان الديمقراطية".
ويتفق في هذا الرأي يوناس هورنر، كبير محللي شؤون السودان والذي كان يشغل في السابق منصب نائب مدير مجموعة الأزمات الدولية. وقال في مقابلة مع DW إن القتال "قد وضع بشكل رئيسي الحركات المدنية في مواجهة الجيش، ما سيعزز وحدة هذه الحركات ويقوي عزمها، أكثر من أي وقت مضى، على الوفاء بوعدها بالعمل على إحلال حكم مدني في السودان".
المسار الديمقراطي في خطر!
ورغم ذلك، أعرب ميرفي وهورنر عن مخاوفهما من أن القتال الدائر في السودان سوف يأتي على حساب المسار الديمقراطي في البلاد. وقال ميرفي "إنه في حالة خروج أحد طرفي الصراع (البرهان وحميدتي) منتصرا، فسوف يعمل على تكريس شكل جديد من الدكتاتورية. ما يعني أنه سيعمل على إنهاء آمال الديمقراطية في البلاد في ضوء أنه لن يواجه أي تحدٍ من الطرف الأخر وأيضا لشعوره بنشوة الانتصار".
لكنه أرد ف بأنه في ظل استمرار الاحتجاجات "من الصعب للغاية - إن لم يكن من المستحيل - حكم السودان وإدارته بتجاهل وتجاوز الحركات الديمقراطية بشكل كامل. لذا أعتقد أن هناك بصيصا من الأمل في بقاء شعلة الديمقراطية متوهجة في السودان ".
وكان عبد الفتاح البرهان قد أكد مؤخرا الماضية أن القوات المسلحة السودانية عازمة على مواصلة الانتقال إلى الحكم المدني في السودان، مضيفا في كلمة متلفزة "واثقون بأننا سنتجاوز هذه المحنة بما يحافظ على أمن ووحدة البلاد والانتقال الآمن للحكم المدني".
جنيفر هوليس / م. ع