رحيل الباجي قايد السبسي.. رئيس محنك أثار الجدل لآخر لحظة
٢٥ يوليو ٢٠١٩رفضه البعض لكبر سنه ولأنه لم يكن من المتحمسين لثورة الياسمين، بينما تمسك به البعض الآخر لخبرته السياسية والقانونية الطويلة. كما اعتبره البعض امتدادا للحقبة البورقيبية، نسبة إلى بطل الاستقلال الرئيس التونسي الحبيب بوتفليقة. إنه الرئيس التونسي المحنك صاحب المسيرة السياسية الطويلة، الباجي قايد السبسي.
وصادفت وفاة الباجي قايد السبسي الخميس 25 يوليو /تموز 2019 الذكرى 62 لعيد الجمهورية، بعد متاعب صحية حيث نقل إلى المستشفى العسكري يوم 27 حزيران/يونيو الماضي وغادره في الأول من تموز/يوليو الجاري إثر "وعكة صحية حادة". ولم يظهر السبسي، منذ ذلك الحين، سوى في مناسبتين إحداها خلال توقيعه في الخامس من تموز/يوليو الجاري أمرا يتعلق بتمديد حالة الطوارئ في كامل البلاد لمدة شهر، كما وقع في اليوم نفسه أمرا رئاسيا بدعوة الناخبين للانتخابات التشريعية والرئاسية التي تجرى بالبلاد في وقت لاحق العام الجاري.
والتقى السبسي وزير الدفاع، في آخر ظهور علني له يوم الاثنين الماضي، عبر فيديو بثته الرئاسة ،دون أن يدلي بتصريحات وكانت علامات الارهاق بادية عليه. وبحسب الدستور التونسي يتولى رئيس البرلمان منصب الرئاسة مؤقتا لفترة أدناها 45 يوما وأقصاها 90 يوما.
وتشهد تونس هذا العام انتخابات تشريعية في تشرين أول/أكتوبر المقبل والرئاسية في 17 تشرين ثان/نوفمبر المقبل .
البداية
ولد السبسي بسيدي بوسعيد في العاصمة التونسية عام 1926، ودرس القانون في فرنسا ليعود بعد إنهاء دراسته لتونس لممارسة المحاماة بها. وبعد حصول تونس على استقلالها من الاحتلال الفرنسي، تولى السبسي مسؤولية الشؤون الاجتماعية في أول حكومة تونسية بعد الاستقلال قادها الحبيب بورقيبة من عام 1956 وحتى عام 1987.
ورأى العديدون في السبسي واحدا من رموز نظام الحبيب بورقيبة، حيث تولى السبسي في عهده عدة مناصب حكومية من ضمنها وزارات الدفاع والداخلية والخارجية.
وكانت اتهامات بانتهاك حقوق الإنسان قد وُجهت للسبسي حين توليه وزارة الداخلية بالتزامن مع اتهام نظام بورقيبة بتعذيب معارضيه السياسيين.
أما في عهد الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي، فتولى السبسي رئاسة مجلس النواب وعضوية اللجنة المركزية للحزب الحاكم حينها، كما ظل السبسي يمارس مهنته كمحام لسنوات طويلة.
الثورة التونسية
عقب هروب زين العابدين بن على من تونس في يناير 2011، إثر قيام الثورة هناك، ثم استقالة محمد الغنوشي من رئاسة أول حكومة مؤقتة بعد الثورة، تم تعيين السبسي رئيسا للحكومة الانتقالية في تونس.
وظل السبسي يدير البلاد بشكل مؤقت إلى أن تولت حركة النهضة الإسلامية الحكم بفوزها بانتخابات المجلس الوطني التأسيسي في أكتوبر 2011. وكان السبسي دائم الهجوم على الإسلاميين ووصفهم بأنهم "أكبر خطر على تونس"، وقام في عام 2012 بتأسيس حزب "نداء تونس" لمواجهة حركة النهضة الإسلامية لـ "خلق التوازن مع الإسلاميين في المشهد السياسي"، حسب وصفه.
إلا أن جزءا من المعارضة التونسية رأت في الحزب الجديد إحياء لحزب التجمع الدستوري الديمقراطي الحاكم في عهد بوتفليقة، فالسبسي كان البطل لخلاف دائم بين جبهتين؛ الأولى لم ترى فيه ممثلا لشباب الثورة التونسية، بينما رأت الثانية فيه رجلا ذو خبرة سياسية طويلة يمكن الاستفادة منها.
وقال السبسي عن نفسه في واحد من أخر اللقاءات الصحفية التي تم إجرائها معه: "لدي تاريخ وماض ورؤيتي لكثير من الأمور، ولكن كرئيس دولة لا بد من أن نضمن حسن سير المؤسسات دون تعطيل".
السبسي رئيسا
فاز السبسي بالانتخابات الرئاسية التونسية عام 2014 ليصبح الرئيس الرابع لتونس.
وأثار السبسي الكثير من الجدل بتصريحاته وقراراته، خاصة لدى الإسلاميين سواء داخل أو خارج تونس. ففي عام 2017، أمر السبسي بتكوين لجنة تتولى مسؤولية وضع تصورات متعلقة بالمساواة والحريات الفردية وفقا للدستور التونسي الصادر عام 2014 والمعايير حقوق الإنسان، لتنتهي بإصدار تقرير رفضته حركة النهضة الإسلامية.
وطرح السبسي مشروع قانون للمساواة في الإرث بين الرجال والنساء، باعتباره امتدادا للإصلاحات الاجتماعية التي بدأها في عهد بورقيبة، كما أثار الجدل كذلك لاقتراحه إلغاء تجريم المثلية الجنسية في البلاد.
وواجه حزب نداء تونس، الذي أسسه السبسي، أزمة كبيرة حيث استقال العديد من أعضائه احتجاجا على ما أسماه بعضهم "جمود سياسي" ومطالبة حافظ السبسي، نجل قايد السبسي، بالتخلي عن منصب رئيس الحزب، ليصرح السبسي علنا عن "عدم رضاه" عن أداء الحزب وتحدث عن "حملة مسعورة" ضده وضد ابنه بدعوى التوريث.
ويرى البعض أن السبسي منذ توليه الحكم وهو يسعى للسيطرة على المشهد السياسي بشكل كامل، ولكن تراجع هذا النفوذ بانتخاب يوسف الشاهد رئيسا للوزراء عام 2016، ما خلق توترا بين أصحاب أعلى منصبين في الدولة.
وفي واحد من آخر تصريحاته، دعا السبسي إلى إلغاء تجميد عضوية الشاهد في حزب نداء تونس، كما أكد على عدم رغبته في الترشح لفترة رئاسية ثانية في الانتخابات القادمة، المقرر عقدها بعد حوالي خمسة أشهر، بالرغم من مطالبة حزبه له بالترشح، قائلا إنه لا يرى في ترشحه مجددا مصلحة لتونس.
د.ب/ز.أ.ب