وفاة رئيسي.. هل تشعل المنافسة على خلافة خامنئي؟
٢٠ مايو ٢٠٢٤تثير وفاة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي في حادث تحطم طائرة هليكوبتر الاضطراب في خطط المحافظين الذين كانوا يرغبون في أن يكون هو من يخلف الزعيم الأعلى آية الله علي خامنئي، وستحرك أيضا المنافسات داخل معسكرهم حول من ستكون له الكلمة العليا في شؤون الجمهورية الإسلامية بعد رحيله.
وكان رئيسي (63 عاما) أحد تلاميذ خامنئي وارتقى في صفوف نظام الحكم الديني في إيران وكان ينظر إليه على نطاق واسع على أنه المرشح الرئيسي لخلافة الزعيم الأعلى البالغ من العمر 85 عاما. لكن ذلك لم يكن أمرا محسوما في السياسة الإيرانية التي يكتنفها الغموض.
كان صعود رئيسي إلى الرئاسة جزءا من جهود توطيد السلطة في أيدي المحافظين الذين كرسوا جهودهم لدعم ركائز الجمهورية الإسلامية في مواجهة المخاطر التي تشكلها المعارضة في الداخل والأعداء الأقوياء في منطقة مضطربة.
وكان يتمتع بدعم قوي من خامنئي الذي كان يشغل منصب الرئيس قبل أن يصبح الزعيم الأعلى في عام 1989 بعد وفاة مؤسس الجمهورية الإسلامية، آية الله الخميني.
ويتمتع الزعيم الأعلى الإيراني بسلطة مطلقة في شؤون البلاد، فهو القائد الأعلى للقوات المسلحة وهو من يقرر اتجاه السياسة الخارجية التي تتشكل معالمها إلى حد كبير بالمواجهة مع الولايات المتحدة وإسرائيل.
ولم يدعم خامنئي تأييد خليفة معين لكن مراقبين للشأن الإيراني يقولون إن رئيسي كان أحد اسمين تردد ذكرهما كثيرا. والثاني هو الابن الثاني لخامنئي، مجتبى الذي يعتقد على نطاق واسع أنه يتمتع بنفوذ في أروقة السياسة الإيرانية ودهاليزها الخلفية.
في هذا السياق يقول ولي نصر، أستاذ دراسات الشرق الأوسط والشؤون الدولية في كلية جونز هوبكنز للدراسات الدولية المتقدمة، إن رئيسي، الذي كان مدعوما بمجموعة تريده أن يصبح الزعيم الأعلى، كان يريد بكل وضوح أن يشغل هذا الدور.
ويضيف: "الآن ليس لديهم مرشح، وهذا يفتح الباب أمام ظهور فصائل أخرى أو شخصيات أخرى كمنافسين جديين".
ومنصب الرئاسة كان بالنسبة لرئيسي، وهو رجل دين شيعي متوسط المرتبة، وسيلة للوصول إلى القيادة العليا. ويقول نصر "لا يوجد مرشح آخر في الوقت الحالي لديه مثل هذه القاعدة ولهذا السبب، ستكون الانتخابات الرئاسية في إيران، مهما كانت نتائجها، أول شيء يقرر ما ستأتي به الأيام".
ضربة للمؤسسة؟
ونقلت وكالة رويترز عن مسؤولين من داخل النظام الإيراني قولهما إن آراء رئيسي كانت ترديدا لآراء خامنئي في كل مسألة محورية، وإنه نفذ سياسات الزعيم الأعلى التي تستهدف ترسيخ سلطة رجال الدين، وقمع المعارضين، وتبنى نهجا متشددا في قضايا السياسة الخارجية مثل المحادثات النووية مع واشنطن.
وحافظ معسكر المحافظين على قبضته في الانتخابات البرلمانية التي أجريت في مارس آذار، لكن نسبة المشاركة تراجعت إلى أدنى مستوى منذ الثورة.
بالمقابل يقول منتقدون إن ذلك يعكس أزمة شرعية للنخبة الدينية، وسط صراعات اقتصادية متصاعدة ومعارضة بين الإيرانيين الغاضبين إزاء قيود اجتماعية وسياسية أدت إلى احتجاجات على مدى أشهر بدأت بعد وفاة مهسا أميني التي اعتقلتها شرطة الأخلاق في عام 2022.
وتطفو شكوك حول احتمال ترشيح مجتبى، وهو رجل دين متوسط الرتبة (حجة الإسلام) يقوم بتدريس علوم الدين في معهد ديني بمدينة قم التي تحظى بمكانة بارزة لدى الشيعة.
وقال مصدر إيراني مقرب من مكتب خامنئي إن الزعيم الأعلى أبدى معارضته لترشيح ابنه لأنه لا يريد أن يرى أي عودة إلى نظام الحكم الوراثي في بلد أطاحت فيه الثورة الإيرانية في عالم 1979 بالنظام الملكي المدعوم من الولايات المتحدة.
وقال مصدر إقليمي مطلع على الأمور في طهران إن معارضة خامنئي للحكم الوراثي ستقضي على فرص كل من مجتبى وعلي الخميني، حفيد مؤسس الجمهورية الإسلامية المقيم في النجف بالعراق.
وتنقل رويترز عن مسؤول إيراني سابق قوله إن من المتوقع الآن أن تكثف الجهات صاحبة النفوذ، مثل الحرس الثوري ورجال الدين المؤثرين في قم، جهودها لتشكيل العملية التي يتم من خلالها اختيار الزعيم الأعلى المقبل.
وقال المسؤول الذي رفض الكشف عن هويته: "وفاة رئيسي تضرب المؤسسة التي ليس لديها مرشح آخر الآن". وأضاف أن رئيسي كان يعتقد أنه يجري إعداده لخلافة خامنئي، لكن لا أحد يعلم بصورة يقينية نوايا الزعيم الأعلى الإيراني.
عدم يقين
لم يكن خامنئي هو المرشح الأوفر حظا لهذا الدور في عام 1989، ولم يظهر إلى الواجهة إلا بعد صفقات في الدهاليز بين النخبة الدينية. وبموجب الدستور الإيراني، يتم تعيين الزعيم الأعلى بقرار من مجلس الخبراء، وهو هيئة دينية مؤلفة من 88 عضوا تراقب الزعيم الأعلى ويمكنها نظريا إقالته.
ويجري اختيار أعضاء المجلس عن طريق انتخابات. لكن هناك هيئة رقابية متشددة أخرى تضم رجال دين ورجال قانون متحالفين مع خامنئي تتمتع بسلطة الاعتراض على القوانين وتحديد من بوسعه الترشح.
وقال مصدران مطلعان على الأمر إن مجلس الخبراء رفع اسم رئيسي من قائمة الخلفاء المحتملين قبل نحو ستة أشهر بسبب تراجع شعبيته نتيجة للصعوبات الاقتصادية الناجمة عن العقوبات الأمريكية وسوء الإدارة. وقال أحد المصادر إن رجال دين مؤثرين مؤيدين لرئيسي ضغطوا بشدة لإعادة اسمه.
وقال علي فائز، مدير مشروع إيران في مجموعة الأزمات الدولية، إنه "ربما لا يعرف مدى صحة رواية رئيسي كخليفة إلا عدد محدود من المسؤولين في القمة". وأضاف "لكن إذا كانت هذه (خلافة رئيسي لخامنئي) هي الخطة، فإن وفاة رئيسي تثير حالة كبيرة من عدم اليقين حول الخلافة".
بدوره يقول أليكس فاتانكا، مدير برنامج إيران في معهد الشرق الأوسط في واشنطن، إن كثيرين اعتبروا دور خامنئي في دعم رئيسي علامة على أنه يريده خلفا له. وأضاف أن وفاته "قد تؤدي إلى تناحر داخل النظام لم نشهد له مثيلا منذ أوائل الثمانينيات".
ومن المقرر إقامة مراسم تشييع الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ووزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان في إيران غدا الثلاثاء، بعدما لقيا حتفهما في تحطم مروحية. وأفادت وكالة أنباء تسنيم الإيرانية بأن المراسم سوف تقام في شمال غرب البلاد في مدينة تبريز في الصباح، يليها مراسم في مدينة قم. ولم يعلن بعد عن موعد جنازات السياسيين الراحلين. وسوف يتم دفن رئيسي في مسقط رأسه مشهد.
ولقي رئيسي وأمير عبد اللهيان حتفهما أمس الأحد في تحطم مروحية على متنها سبعة أشخاص آخرين، وسط ضباب كثيف في منطقة جبلية فوق محافظة أذربيجان الشرقية خلال العودة من اجتماع مع الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف.
ع.غ/ أ.ح (رويترز)