"يحيا سعيد".. هتاف يقسم الشارع التونسي ويدق ناقوس الخطر!
٢٤ سبتمبر ٢٠٢١يتجاذب مروان أطراف الحديث أمام محله للحلاقة، مع اثنين من أبناء الحي الشهير "التضامن" أبرز معاقل الثورة في العاصمة تونس، ويناقش معهما خطوة الرئيس قيس سعيد المفاجئة بتعطيل الدستور ومؤسسات الدولة والتمهيد لإصلاحات سياسية واسعة ستشمل نظام الحكم والقانون الانتخابي.
وفي الجهة المقابلة من الشارع يهتف صوت عال ينطلق من داخل المقهى: "يحيا سعيد"، حيث يتجمع عدد من الشباب للعب الورق وتدخين النرجيلة ولا تبدو عليهم علامات القلق مما يحصل في البلاد بعد قرار سعيد.
لكن مروان المناعي الذي شارك قبل أكثر من عشر سنوات في الثورة التي اندلعت ضد نظام بن علي في نفس الشارع الذي يتوسط حي التضامن، لا يخفي غضبه ومخاوفه من خطوة الرئيس سعيد.
"ملك" جديد في تونس!
يقول مروان في حديثه مع DW عربية "اليوم نعيش حربا بين النظام القديم والثورة. وما يحصل هو انقلاب صريح. لسنا أغبياء. لم أدرس القانون الدستوري، ولكن يمكن ملاحظة أن سعيد تعسف على الفصل 80 من الدستور بكل بساطة". ويتابع الشاب حديثه بحنق "ما حصل قمة الخيانة. ما معنى إغلاق البرلمان وتنحية الحكومة على علاتها؟ هو يتصور أن الشعب لم يرض عن أداء البرلمان فهل عليه أن يرضى بالحكم الفردي؟".
بعد أكثر من شهرين من إعلانه التدابير الاستثنائية مستندا إلى المادة 80 من الدستور بدعوى وجود خطر داهم على الدولة، ألغى الرئيس قيس سعيد، أستاذ القانون الدستوري المتقاعد، العمل بالفصول المنظمة للسلطتين التنفيذية والتشريعية تمهيدا لإصلاحات سياسية واسعة سيقودها بنفسه.
وفي أثناء ذلك أصدر أمرا رئاسيا بمثابة تنظيم مؤقت للسلطات العمومية، حيث بات مستحوذا على جميع السلطات خارج أي سلطة رقابية. وفي حين برر سعيد خطواته بحماية الدولة والتصدي للفساد المتفشي بالمؤسسات وتلبية "إرادة الشعب"، فإن أغلب الطبقة السياسية إلى جانب اتحاد الشغل القوي وذو النفوذ الواسع، أعلنوا عن مخاوفهممن الانتقال إلى الحكم الفردي.
وقال الخبير العضو في المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية رمضان بن عمر لـDW عربية "تبدي النخبة السياسية تفهما لحالة الامتعاض الشعبية تجاه أدائها، لكنها تبدي تخوفها أيضا من القرارات لأنها لا تحمل إجابات واضحة لانتظارات الناس حتى أولئك المتعاطفين مع الرئيس".
ولا تخرج مخاوف مروان عن هذه الدائرة وقد وجه اتهاما مباشرا لسعيد بالاستثمار في الأزمة السياسية من أجل الانقضاض على الحكم، مضيفا لـDW عربية "الرئيس لم يقدم وعودا للتونسيين لإصلاح الاقتصاد وإنقاذ المعيشة، كل ما فعله هو تجميع السلطات بيده. الرئيس نصب نفسه ملكا. سعيد أعادنا 500 عام إلى الوراء. لم يعد أحد في أفريقيا يحكم بهذه الطريقة".
ويتفق ابراهيم الزغلامي، وهو عامل في قطاع البناء، مع ما ذهب إليه صديقه مروان مضيفا لـDW عربية "خطوة الرئيس ضد الثورة وضد تونس. لم يكن يجدر به إلغاء الدستور بجرة قلم. انتهى وقت الانقلابات. يجب إعادة الأمور إلى نصابها. تغيير الدستور يجب أن يتم عبر البرلمان. الآن أصبحت الأزمة مضاعفة اقتصادية وسياسية".
سعيد منحنا الأوكسجين
على الرغم من تلك التحفظات لا يزال الرئيس قيس سعيد يحظى بدعم شعبي لقراراته المعلنة في 25 يوليو/ تموز ولخطوته التالية المتوقعة بتعليقه العمل بمعظم فصول الدستور. وقد أثبتت نتائج آخر استطلاعات الرأي الدورية التي أنجزتها مؤسسة "سيجما كونساي" في شهر أيلول/ سبتمبر تصدره لنوايا التصويت في الانتخابات الرئاسية بفارق شاسع عن أقرب منافسيه، مع إقرار أكثر من 70 بالمائة من المواطنين بأن تونس تسير في الطريق الصحيح.
ويقول وديع الدعاسي بعد ترديده "يحيا سعيد" لـDW عربية "جميعنا ندعم قيس سعيد، قام بخطوة جيدة وجريئة ونأمل أن يمضي قدما.. لقد منحنا الأوكسجين بصيغتها الفعلية والرمزية بعد عشر سنوات من الخراب في البلاد".
ويجد الدعاسي تبريره لهذا الدعم اللامتناهي لسعيد بأنه "رجل نظيف"، مضيفا "نحن نثق فيه. كان لا بد من حل البرلمان وملاحقة جميع السياسيين الفاسدين الذين خدموا مصالحهم ولم يخدموا مصالح الشعب. يجب ألا يعودوا إلى الواجهة".
ويتردد هذا الرأي وسط حلقة من مناصري سعيد في المقهى الذي يضج بالتعليقات الساخرة تجاه الأحزاب والطبقة السياسية. ولوح أحد الجالسين بنبرة حازمة "نحن كرهنا السياسيين عن بكرة أبيهم. لا يملكون الصدق. لم نر مستشفيات جديدة ولا مدارس ولا بنية تحتية يطيب فيها العيش. لا شيء يدعو إلى التفاؤل ولا يوجد أفق واضح".
ومضى الشاب يقول ملوحا بيده إلى السماء "أنا أطالب بالمحاسبة الشاملة ضد من نهبوا أموال الشعب. هذا ما سيشفي غليلي. هناك من يملك سيارة "بورش" في حين آخرون لا يملكون الخبز. سنكون مع الرئيس إلى آخر رمق إذا ما قام بمحاسبة الفاسدين".
وأوضح الخبير بن عمر أنه من جهة يجب تفهم ردة الفعل العاطفية للمساندين لقرارات سعيد بسبب الشعور بالنقمة تجاه الأداء السيء والمخيب للطبقة السياسية طيلة عشر سنوات من الحكم كانت بمثابة حقبة مرة في نظرهم. ولكنه من جهة أخرى حذر من حالة إحباط جديدة، لأن مشروع الرئيس سعيد يركز أكثر على الإصلاحات السياسية. وأردف بن عمر "في كل الحالات لا يجب أن تركز الحلول على الأشخاص، ولكن على السياسات والبرامج والمؤسسات".
حكم مجالسي ضد الأحزاب
وحتى الآن اقتصرت خطط الرئيس قيس سعيد في عرض إصلاحات ذات طابع تقني ودستوري حيث يتوقع أن ينقل البلاد إلى نظام حكم رئاسي، الذي لمح إليه أكثر من مرة منذ حملته الانتخابية في 2019 بدعوى القضاء على تشتت السلطة وتغيير القانون الانتخابي من الاقتراع على القائمات إلى الاقتراع على الأفراد.
ولكن المثير للجدل هي أفكار سعيد بشأن تعزيز الحكم المحلي عبر إرساء الحكم المجالسي الذي يفرض انتخاب ممثلين للشعب في المناطق البلدية ثم ينتخب أعضاء هذه المجالس ممثلين في المجالس الجهوية ثم يتولى نواب هذه المجالس انتخاب ممثلي البرلمان. ويتيح هذا النظام التمثيلي على ثلاث درجات، للناخبين حق سحب الوكالة من النواب في حال فشلوا في مهاهم.
ولا تنظر الأحزاب بارتياح لهذا الطرح كونه سيمهد عمليا لاضمحلال الأحزابويقصيها من لعب أي دور في الحياة السياسية. وقد أعلنت أغلبها عن رفضها المطلق لهذا التوجه.
ويعلق على ذلك أمين عام حزب التيار الديمقراطي في حديثه مع DW عربية "في كل الأنظمة في العالم لا يمكن الحديث عن ديمقراطية في غياب دور الأحزاب. هو قال إن الأحزاب انتهت بدعوى أن الشعب يدرك حاجياته. ولكن الديمقراطية المباشرة تحتاج إلى شروط موضوعية لا تتوفر في تونس".
وبالنسبة للخبير بن عمر ففي مطلق الأحوال، لا ينبع التعاطف الشعبي مع الرئيس سعيد من الغضب تجاه الطبقة السياسية فقط، ولكن أيضا من التطلع إلى الاستحقاقات الأخرى المرتبطة بالحق في الصحة والتعليم والعيش الكريم والخدمات الاجتماعية، وهذا برأيه لا يتحقق باستعداء الطبقة السياسية وإنما ببرنامج واضح.
تونس – طارق القيزاني