"يدا بيد" مدرسة "التعايش السلمي" بين اليهود والعرب في القدس
٢٧ مارس ٢٠١٦تأسست المدرسة "يد بيد" في عام 1998 على تلة القطمون غربي القدس، ومع ازدياد عدد الطلاب والحاجة إلى التوسع، نقلت مقرها إلى حي "بات" جنوبي المدينة المحتلة، واليوم وبعد مضي ثمانية عشر عاماً على تأسيسها، انتشرت فروعها الخمسة في مدن حيفا، ويافا، والجليل، وكفر سابا وكفر قرع، ويرتادها مجتمعة 1350 طالباً وطالبة من المسلمين والمسيحيين واليهود، يتلقون تعليما ثنائي اللغة ومتعدد الثقافات إلى جانب العلوم الأساسية والفنون وعلوم الاتصال، كل ذلك تحت إشراف طاقم إداري وتدريسي ثنائي، فمدراء المراحل الدراسية ومساعديهم والأساتذة هم أيضاً مزيج من العرب واليهود.
التعليم الثنائي طريقاً للسلام
كانت الحاجة لتعلم لغة الآخر ورفض عملية الفصل في المدارس سبباً لتبدأ المدرسة بالعمل على إيصال رسالتها الداعية إلى السلام و"التعايش" بين العرب واليهود، بحسب قول "نوأه يامير" مسؤولة الاتصال والزيارات، والتي أضافت فإن الهدف الرئيس لوجود المدرسة يتمثل ببناء مستقبل جيد والتأسيس لشبكة علاقات بين المدرسة والمجتمع من العرب واليهود في جميع أنحاء البلاد، بحيث يتشاركون قضايا بعينها ويستطيع كل منهم الاندماج وتقبل ثقافة الآخر.
وعن دور مدرسة "يد بيد" في التعايش والمصالحة بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني، تقول "نوأه": "هذه المدرسة تجلب السلام وتعطي فرصة للعيش سوياً وفهم الثقافات المختلفة للطلاب ليكونوا أصدقاء، المساواة بين العرب واليهود في شرقي القدس تحديداً غير موجودة خارج أسوار المدرسة، لذلك نحن نسعى للتأسيس لمساحة من المساواة".
خارج البوابات محكمة الإغلاق، هناك ملعبان أحدهم لكرة السلة وآخر مستطيل ومعشب، كان الطلبة بصحبة معلم الرياضة الإسرائيلي يستعدون لمسابقة الجري. حين تكون بالقرب منهم تختلط عليك اللغات، فتارة يتحدثون بالعبرية وأخرى بالعربية وفي الحالتين يفهمون بعضهم البعض، فهم يتلقون تعليما ثنائي اللغة منذ الصف الثاني الأساسي.
وما أن يلج الزائر البوابة الرئيسية، حتى تقابله اللوحات التي أعدها الطلبة لتزين الجدران، وجميعها كتبت عليها العبارات الداعية إلى السلام والتسامح، مثل "نسعى إلى السلام لمعرفتنا أنه مناخ الحرية" و"نعم للحياة المشتركة" وغيرها.
إجماع على الفكرة
في الساحات الخارجية الواسعة التي تفصل بين الصفوف الدراسية، استقبلت مسؤولة الاتصال والزيارات وفداً أمريكياً جاء للاطلاع على تجربة التعليم الثنائي القومية، وجال في جميع مرافق المدرسة، استمع الوفد الضيف إلى تجربة مايا ورنيم ومانويل وجميعهم يدرسون في المرحلة الثانوية.
انتقلت عائلة رنيم من مدينة الطيبة إلى القدس بداعي العمل، تعرف نفسها على أنها عربية فلسطينية مسلمة. وتعتبر رنيم وزميلتها مايا أن الصراع الموجود على الأرض هو صراع حكومات، وترفض كره الآخر فقط لأنه إسرائيلي، فالتفرقة بين الطرفين، بحسب قولها، مردها إلى الإعلام فهو "أحد أسباب غياب السلام في المنطقة"، حسب تعبيرها. فكل طرف يعتمد في تكوين رأيه على ما يراه في الإعلام المتحدث بلغته وبالتالي هو غير مطلع على ما يقدمه إعلام الطرف الآخر.
وهكذا تجد رنيم أن المدرسة توفر لها هذه الفرصة للتعرف على الآخر وفهمه وتقبله بغض النظر عن خلفيته وتعلق بالقول: " لا أرى أن هناك فرقا بيني وبين زملائي طالما لم يتعرض لي أحدهم بالأذى، نتعلم سوياً كيف نتقبل بعضنا البعض، يتركز تعليمنا على معرفة القيم الإنسانية التي تجعلنا أفضل وتصقل شخصيتنا مستقبلاً".
أما مانويل الذي يطمح لدراسة علم الفضاء، فوالده من النمسا ووالدته يهودية من اليمن، تحدث لنا بالعربية عن تجربته الدراسية، حيث يعتبر أنه اتخذ القرار الصواب بالتحاقه في هذه المدرسة بعمر الأربع سنوات، خاصة وأنها تجمع الديانات واللغات والثقافات المختلفة وهذا يولد الشغف لنستمع لبعضنا البعض.
ويقول:"وجه لي أصدقائي الإسرائيليين الكثير من الانتقادات بسبب الصداقة التي تجمعني بزملائي الفلسطينيين وبسبب تأييدي لقضيتهم وحقهم بالعودة، لكن جوابي لهم دائماً يتمحور حول تشجعيهم على التعامل مع الفلسطينيين أولاً والاستماع لهم قبل اتخاذ الحكم المسبق، تعلمت أن جواري للفلسطينيين وحتى عودة اللاجئين لن تؤثرا علي كإسرائيلي، حكومتي أيضاً ارتكبت الكثير من الأخطاء".
التلاميذ على خطى المدرسين
وعلى مستوى معلمي ومدرسي المدرسة، يتشارك كل من "غاي" و"حنين" تعليم التاريخ والجغرافيا والسياسة للمرحلة الأساسية في فرع القدس، لا يترددون في فتح نقاشات حساسة وذات طابع سياسي، فيضع الجميع عرباً ويهود أفكارهم على الطاولة، يتناقشون وينتقدون بعضهم البعض، يتفاهمون أو يفشلون في ذلك، أمر صعب ويولد الغضب عند أحد الأطراف أحياناً، لكنها الطريقة الوحيدة لبناء علاقات جيدة وأرضية مشتركة، بحسب قولهم.
ويصف "غاي" تجربته بأنها أفضل شيء حصل له فيقول:"أتحمس لعملي هنا نظراً لالتقاء ثلاث ديانات في مكان واحد وفي ظل صراع على الأرض، هذا يخلق الكثير من التحديات وبالمقابل تكون الفرصة اكبر للتفكير وفهم الآخر الذي لديه ربما ما هو غير متوفر عندنا كإسرائيليين".
على الطرف الآخر، يلاصق حي "بات" قرية "بيت صفافا" العربية جنوب القدس المحتلة، والتي كانت عند احتلال المدينة عام 1948 خارج خط الهدنة، وتنحدر منها "نادرة" معلمة اللغة العربية التي تشارك زميلها "غاي" رأيه وهي التي قطعت علاقتها بالبرامج المشتركة حين دخلت في دوامة الصح والخطأ، لكن بعد عملها في السلك التعليمي وتدريسها في "يد بيد"، أصبحت قادرة على إعادة بلورة أفكارها.
وعن تجربتها مع الطلاب تقول: "وجودي هنا جعلني أرى الأبعاد المختلفة للصراع الموجود على الأرض، أصبحت أعرف الكيفية للتعامل معه، كمعلمة أعطي الطلاب أفكاراً عن كيفية التعايش، وأدوات للدفاع عن هذه الأفكار التي تساعدهم على تطوير وصقل شخصياتهم، لا نؤيد العنف بين الجانبين وواجبنا أن نعلم الطلاب كيف يواجهوا العنف في الخارج".
شجاعة أهالي الطلبة
أما أهالي الطلبة فتجدهم حريصين على الدفاع عن قرارهم أمام المنتقدين. في هذا السياق يؤكد المواطن المقدسي نزيه الأنصاري وهو والد لطالبين في المدرسة، على أن لا مدرسة في القدس الشرقية يمكن أن تقدم لأولاده ما يتعلمونه في "يد بيد"، فهي لا تعلم المواد النظرية فقط، بل تساعد في بناء الشخصية وتفتح المجال لإبداء الرأي والانتقاد وعدم القبول بالأمور كمسلمات. الجميع داخل المدرسة متساوون. وفي ذات الوقت يستطيع ابنه كفلسطيني إسماع رأيه والحديث عن معاناته وأقرانه في شرقي القدس لزميله الإسرائيلي، ويتابع: "انتقدني الكثير من الأصدقاء لكن بعد تخرج ابني البكر بمستوى علمي وعملي ممتاز، اتصلوا بي راغبين بالاستفسار لرغبتهم بتسجيل أبناءهم".
خارج أسوار المدرسة وتحديداً في مدينة القدس، هناك جدل كبير حول هذه التجربة، فكما أن هناك من يؤيدها، نجد في المقابل الكثير من المعارضين. ولم يغير حال مدارس القدس وخاصة الحكومية منها والتي تعاني من نقص في الصفوف، وصل حسب آخر إحصائيات منظمة "عير عميم" الإسرائيلية إلى 2641 صف (غرفة)، أي شيء.
عقبات على الأرض
وجود المدرسة في قلب الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي وخيارها بأن تكون ثنائية القومية جعل موضوع الحديث عن الصراع وكيفية التعامل مع أحداثه المتعاقبة أمراً يحتاج إلى التفكير والتخطيط. وفي هذا الصدد تواجه المدرسة سنوياً إشكالية وتحدياً كبيراً في إحياء وطريقة إحياء ذكرى الأحداث التاريخية عند الطرفين ومن بينها نكبة الشعب الفلسطيني وعيد استقلال دولة إسرائيل.
عقبة ثالثة تناولتها "نوأه" في معرض إجابتها مشيرة إلى حرق عدد من صفوف المدرسة في العام 2014، على يد مجموعة من اليهود المتشددين الرافضين للفكرة التي أنشئت المدرسة من أجلها، في إشارة منها لصعوبة إقناع المجتمع المحيط والمتشددين من كلا الطرفين بأهمية إلحاق أبنائهم بمدرسة ثنائية القومية في ظل الصراع.
الدعم وطموح التوسع
تشكل نسبة الطلاب العرب في مدرسة "يد بيد" 60%، و40 % هم من اليهود، 15% منهم من سكان شرقي القدس، وارتفاع النسبة لصالح العرب مرده إلى عدة أسباب أبرزها الرغبة بتعلم اللغة العبرية وإكمال الدراسة الجامعية في جامعات إسرائيلية، والانخراط في سوق العمل، ومع ازدياد أعداد الطلبة سنة تلو الأخرى، تبرز رغبة المدرسة في التوسع كأحد أهم الأهداف الكبيرة التي تسعى إلى تحقيقها، في ظل الرغبة المتزايدة من الأهالي لتسجيل أطفالهم.
تدعم العائلات العربية والإسرائيلية التي ترسل أبنائها إلى مدرسة "يد بيد" وتؤازرها، فهم لا يكتفون بالدعم الذي تقدمه وزارة التربية والتعليم الإسرائيلية، التي تعمل المدرسة تحت إشرافها، ولا بالتبرعات التي تصل من الولايات المتحدة الأمريكية والقارة الأوروبية، والتي يرسلها متبرعون إسرائيليون وعرب، من بينهم رجل أعمال فلسطيني يقيم في ألمانيا، حيث يتم استثمار هذه المبالغ إلى جانب الأقساط السنوية للطلبة والتي تصل إلى 5000 آلاف شيكل ( 1.282 دولار تقريبا) في تطوير المدرسة وتلبية احتياجاتها. هذه الأرقام وإن بدت كبيرة إلا أنها قليلة إذا ما علمنا أن أقساط أغلى المدارس الخاصة في إسرائيل تصل إلى 40 ألف شيكل (10.250 دولار)، و 20 ألف شيكل ( 5.130 دولار) في الأراضي الفلسطينية.