يهود العراق الشاهد الغائب في مؤتمر الأديان بالسليمانية
١٣ ديسمبر ٢٠١٢إنه المؤتمر الأول للدفاع عن أصحاب الديانات والمذاهب، فبعد سقوط النظام الصدامى الدكتاتوري الذي قارعناه لأكثر من ثلاثين عاما، حصل قتل وتهجير واختطاف وتفجيرات للكثير من أصحاب الملل والنحل والمذاهب فيما هو أشبه بالحروب الطائفية ومآس كبيرة أدت إلى هجرة الكثيرين عن أهلهم وديارهم بعد سلب أموالهم والكثير من حقوقهم .
كان فى المؤتمر الحاشد حضور لمختلف الأديان والمذاهب من المسيحيين والمسلمين سنة وشيعة والإيزديين وغيرهم، وحتى البهائيين قد مثلوا بثلاثة هم امرأتان ورجل، وللبهائيين مركز معروف فى كردستان لكن العجيب الغريب أنه لم يكن هناك أى تمثيل ليهود العراق وتاريخهم المجيد الحافل بالإنجازات العظيمة فى بناء البلد ومؤسساته فضلا عن المحن التي حلّت بهم من سحب الجنسية وإسقاطها وسلب أموالهم وحقوقهم وسجنهم وتهجيرهم.
لعل أرقى كلمة فى المؤتمر هى للسيدة نرمين عثمان الناشطة فى حقوق المرأة والإنسان والصحافة، وكلمتها لتأسيس ثقافة المحبة والسلام بين الأديان.
وكنت قد قدّمتُ للمؤتمر بحثا عن يهود العراق في تاريخهم وأمجادهم وبنائهم لدولة العراق ثم معاناتهم ومحنهم وتهجيرهم، لكن الهيئة الإدارية (من الشيوعيين) بالإجماع رفضت البحث بادعاء أنه موضوع حسّاس خطير لا يحقّ طرحه وهكذا كان الجو العام ضد طرح الموضوع.
"اليهود جزء مهم من تاريخ العراق"
لقد قمتُ إلى المنصة في اليوم الأول للمؤتمر وأمام المسؤولين والوزراء وأمام شاشات التلفزيون المباشرة للقنوات الفضائية المختلفة، وتحدّثتُ فى التاريخ العظيم ليهود العراق، تحدثتُ عن حق اليهود فى تاريخ العراق منذ أكثر من 3000 سنة منذ بابل وقبلها. ثم أخرجتُ ثلاث كتب الأول (أعلام يهود العراق) للمؤرخ الموسوعي مير بصري والثاني (نزهة المشتاق فى تاريخ يهود العراق) لعالم مسيحي والثالث يهود كردستان، وتكلمتُ عن المجد التاريخي العظيم فى بناء الدولة والاقتصاد والحياة السياسية والاجتماعية والفكرية حيث ذكرتُ أمثلة عديدة منها ساسون حسقيل كأعظم وزير اقتصاد فى القرن العشرين ودوره الرائد ثم البنك العراقي الأول وغيره كثير ثم تحدث عن الجرائم النكراء في سحب الجنسية عنهم وتهجيرهم والفرهود ضدهم ثم دعوتُ رسميا الرئيس جلال طالباني ورئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني بقوة فى تشريع قانون المواطنة وإرجاع جنسياتهم وإعطائهم مقاعد تتناسب مع حجمهم الحقيقي وحقوقهم المغتصبة أسوة بمن أرجعت حقوقهم من الدستور العراقي والتي لم تذكر اليهود ولم يذكر هذا المؤتمر في ورقته عن الأديان كذلك رغم ذكره للمسيحيين والصابئة المندائيين والمسلمين والإيزديين .
وطالبت السيد مام جلال الطالبانى بتصحيح مادة الدستور الثانية بإضافة اليهود للأديان الأخرى وإعطائهم مقاعد برلمانية تتناسب مع حجمهم ثم إرجاع أموالهم وممتلكاتهم المنقولة وغير المنقولة. وتم التصفيق والتشجيع والتأكيد من الحضور على الكلمة تأييدا ودعما لما طرحتُهُ بقوة، رغم الطريقة غير الحضارية فى قمعي وإسكاتي من الهيئة الإدارية للمؤتمر من الشيوعيين.
كما قمتُ كذلك بستة من المداخلات المتعددة، وكلّها عن يهود العراق، وفى اليوم الختامي يوم 22/11/2012 تحدثتُ أيضا عن الجريمة الكبيرة التي ارتكبت بحق يهود العراق مع تاريخهم المجيد الحافل بأعظم الإنجازات على مختلف الأصعدة الاجتماعية والفكرية والسياسية و الأدبية ومختلف الأصعدة لذلك من العار سحب الجنسية عنهم كمواطنين أصلاء قبل المسلمين والمسيحيين منذ آلاف السنين ودورهم الرائد وكثرة عددهم حتى وصلت بغداد إلى ثلثها من اليهود لذلك إذا كانت كردستان تريد حقيقة الانفتاح الديني كما هو زعم المؤتمر وعنوانه، فقد أكّدتُ على السيد الرئيس جلال طالبانى الحقوقي المعروف ورئيس دولة العراق أن يشرع قانونا لإرجاع مواطنتهم وإضافة اليهود على المادة الثانية من الدستور وإرجاع حقوقهم بعد الجنسية فى مقاعدهم البرلمانية أسوة بأصحاب الديانات الأخرى كالمسيحيين والمندائيين بما يتناسب وحجمهم الطبيعى ثم إرجاع أملاكهم وحقوقهم واستقبالهم وعناية خاصة فى إرجاع جميع حقوقهم وتضمين ذلك فى البيان الختامي ومتابعته لتحقيق الأهداف الحقيقية للديمقراطية وزوال الظلم والحيف بحقهم.
استجابة للطلب
وقد تمت الاستجابة لذلك حيث كتبتُ ثلاث فقرات بذلك منها الفقرة السابعة التي تصرح بتصحيح الدستور وإضافة اليهود إليهم كدين رسمي جنب المسلمين والمسيحيين وغيرهم وتحقيق المساواة والمواطنة إليهم بنص البيان الختامي. وكذلك الفقرة التاسعة من البيان الختامي المتكون من عشر نقاط حيث تنص الفقرة التاسعة الإقرار بحقوق اليهود فى الجنسية والانتماء الوطني وشمول العائدين بمن يهود العراق بالرعاية والعناية والاهتمام فضلا عن المادة الخامسة فى جريمة التهجير وآثارها كذلك الفقرة الثامنة فى الاهتمام بآثارهم وعدم العبث بها
إنهم قديمون منذ آلاف السنين وقبل المسلمين والمسيحيين فإن الكثير منا كانوا قبل الإسلام والمسيحية يهودا أو كفارا أو …ولقد مدحهم القرآن فى عشرات الآيات ومنها قوله تعالى (ولقد آتينا بنى إسرائيل الكتاب والحكمة والنبوة ورزقناهم من الطيبات وفضّلناهم على العالمين) سورة الجاثية- الآية 16 وهو تعبير بليغ عظيم فى تفضيلهم على جميع العالمين وقد ورد عدة مرات فى القرآن حتى باتت الحيرة عند الفقهاء فى تفسيرها مشرقين ومغربين فى تأويلات عجيبة وغريبة
إن كتاب (أعلام اليهود في العراق الحديث) للأديب الكبير والمؤرخ الاقتصادي اليهودي العراقي مير بصري ذو قيمة علمية كبيرة حيث ذكر فيه أكثر من مائة شخصية يهودية لها دورها العراقي الرائد فى مختلف المجالات الفكرية والأدبية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية والفنية والصحفية.
(نزهة المشتاق في تاريخ يهود العراق )
كما يبحث كتاب (نزهة المشتاق في تاريخ يهود العراق ) بحثا معمقا في تاريخ يهود العراق منذ نشأتهم فيه وحتى عام 1924 م مستعرضا أوضاعهم وأحوالهم في كل العهود التي توالت عليهم من بابلي وأشوري وميدي وفارسي ومغولي وتتري وعثماني، ثم يبحث بشيء من الإسهاب في التوراة واللغة العبرية وآدابها.
عندما دخل المسلمون العراق عصر الخلفاء الراشدين فإن اليهود قد رحّبوا بهم، حيث كانوا مضطهدين من الفرس الساسانيين وكان لليهود مدرستان كبيرتان أولاهما فى مدينة سورا (النجف حاليا) والثانية فى فوم بريثا (الفلوجة حاليا) وهكذا.
عيّن الإمام على بن أبى طالب مبعوثا يهوديا له إلى الخوارج كما ذكر الطبري والمسعودي وابن الأثير من كتب التاريخ وكان الحارس الشخصي له يهوديا كما ذكره المؤرخون
وأما فى العصر العباسي فقد فتحت مدرستان كبيرتان لليهود ببغداد حيث صار المركز الدينى للإفتاء لهم فى العالم وكان لهم دور فى البلاط وفى مركز الخلافة... ومع قدوم الصفويين الفرس حيث كانت الحملات القاسية والاضطهاد كبيرا... وفى العهد العثماني كان لليهود ثقلهم الكبير الاقتصادي والثقافي والاجتماعي المتميز
وأسست عام 1840 م المدرسة اليهودية الكبرى المسماة بيت زيلخا لتخريج الحاخامات المتخصصين في الدين اليهودي.
فى تاريخ العراق الحديث كان لليهود وجودهم فى المدن الأساسية كبغداد والموصل والبصرة وكذلك الحلة والسليمانية والناصرية والعمارة والديوانية والعزيزية والكفل وأربيل وتكريت وغيرها كالنجف حيث اشتهر حيهم (عكد اليهود) بل وجد بعضهم بشكل أقل فى الأرياف... وساهم اليهود فى بناء الدولة العراقية وتطوير الاقتصاد العراقي وكان أول وزير مالية يهودي وهو حسقيل ساسون عام 1921م ودوره الرائع فى المفاوضات مع البريطانيين لخدمة العراق
رثاه الشاعر معروف الرصافى قائلا
ألا لا تقل قد مات ساسون فقل تغور من أفق المكارم كوكب
فقدنا به شيخ البرلمان به ليله الداجي إذا قام يخطب
" أهل ثقافة المحبة والتعايش"
وفى عام 1932 م كان إبراهيم الكبير أول من وضع النقود العراقية. أما مناحيم صالح دانييل فقد أنشأ من ماله الخاص (الميتم الإسلامي)، وكان لهم دور واضح فى النشاطات الاجتماعية والثقافية الإسلامية.
إن ثقافة المحبة والتعايش خير من ثقافة الحرب والكراهية والعنف والقتل خصوصا بين الأديان التوحيدية الثلاث كما قال القرآن الكريم (قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم) فى الأصول التوحيدية الواحدة، ماداموا -موسى وعيسى ومحمد- أنبياء من الله (لا نفرّق بين أحد من رسله) لأنهم فى خط واحد ومبدأ واحد وهدف واحد ومبعوثين من إله واحد ولا يعقل تعارضهم أو تناقضهم (قل كلّ من عند الله) والله واحد
قال أنور شاؤول
إن كنت من موسى قبست عقيدتي فأنا المقيم بظل محمد
وسماحة الإسلام كانت موئلي وبلاغة القرآن كانت موردي
سأظل ذياك السموأل فى الوفا أسعدت في بغداد أم لم أسعد
وما قاله جميل صدقي الزهاوي
عاش النصارى واليهود ببقعة
والمسلمون جميعهم إخوانا
وكذلك قول الشاعر معروف الرصافي
وإني أرى العربي للعرب ينتمي،
قريبا من العبري ينمى إلى العبر
هما من ذوى القربى وفى لغتيهما، دليل على صدق القرابة فى النجر
ويبقى الوطن العراق يظلهم جميعا إخوة كما قال محمد صادق الأعرجي
رغم اختلاف الدين سوف يظلنا، وطن يوحّد بيننا دستوره
وما أحلى ثقافة المحبة والتعاون والتعايش والسلام.