يهود مصر في إسرائيل: اندماج ونجاح مميز
٢٥ أبريل ٢٠١٣ليلة عيد الفصح سنة 2013. اصطفت على مائدة العشاء: الملوخية والسوفريتو بجانب أصناف الأطعمة الرمزية التي يعشقها الأولاد والأحفاد، أعدتها ليفانا كما تتذكرها،عشية الرحيل من الاسكندرية وهي في الحادية عشرة من عمرها.
ليفانا هي سفيرة الثقافة المصرية في اسرائيل، فهي رئيسة منظمة يهود مصر العالمية وهي نشطة جدا في كل ما يتعلق بترسيخ التراث المصري اليهودي حيث نشرت كتابا للمأكولات المصرية وبذلت مساعٍ في ترميم مركز التراث المصري اليهودي؛ كما أنها أسست جمعية الصداقة المصرية الإسرائيلية.
ليفانا كغيرها من معظم يهود مصر اضطروا إلى الرحيل غداة حرب الـ 48. قصتها تشبه قصص 68 يهوديا غادروا مصر من رغد العيش إلى التقشف. هذه الذكريات يتضمنها كتاب سيصدر قريبا بعنوان: "العصر الذهبي ليهود مصريين- تهجير ونهضة" أعدته الدكتورة عادة اهاروني، باحثة في علم الاجتماع وشاعرة، تقول بمرح: "إننا لا نحتاج أن نتصور كيف أخرج النبي موسى عليه السلام بني إسرائيل من قبضة فرعون لأننا نتذكر خروجنا نحن من مصر".
اهاروني مثل العديد من يهود مصر الذين طردوا عام 1949 نهلوا من الثقافة الأوروبية وبالكاد تعلموا اللغة العربية وتحدثوا بها. وقد أثرت هذه الثقافة اثرت على هويتهم حتى بعد وصولهم إلى اسرائيل. لكنها لم توفر لهم معاملة متساوية مع يهود أوروبا عندما يدور الحديث عن المساعدات في السكن في بادئ الأمر. ويقول الكاتب والمسرحي اسحق غورمزانو : "إن يهود مصر كانوا مواطني العالم الكبير بسبب الثقافات الأجنيبة التي أحاطت بهم في الاسكندرية. و إنه من المفارقة أن تل ابيب اليوم تبدو نسخة من الاسكندرية التي غادرها مع عائلته وهو صبي"!
فرنسية مطعمة بالعربية
ليس من الغرابة أن تكون الفرنسية هي اللغة الرئيسية التي يستخدمها الرعيل الأول من يهود مصر في مدينتي بات يام وحولون اللتين تذكرهم بشواطئ الاسكندرية. ويمكن ملاحظة تأثير الثقافة الفرنسية في كتاب "يولاندا " الذي صدر مؤخرا بالفرنسية مترجما من العبرية للكاتب من الجيل الثالث موشي ساكال الذي يروي حياة جدته يولاندا الحسناء في القاهرة حيث عاشت ستين عاما في اسرائيل وكونت أسرة فيها، لكنها ماتت غريبة تفتقر إلى الثقافة الفرنسية.
يقول ساكال لدويتشة فيلة: "إن يهود الدول العربية فضلوا نسيان حياتهم السابقة والتركيز على بناء حياة جديدة في إسرائيل". أما الجيل الثاني للمهاجرين فيسمى بالجيل الصامت، لأنهم آثروا الامتناع عن الخوض في هذا الموضوع".
وفي حين تتصدر المأكولات المصرية الشعبية قائمة الأطعمة المفضلة حتى اليوم، فإن نصيب اللغة العربية من المشهد الثقافي كان أقل حظا، باستثناء أولئك الذين شكلوا نواة التلفزيون الاسرائيلي بالعربية، ومنذ بدء البث عام 1968 كان شبه ساحة مقتصرة على المصريين.
ومن خلال اللقاءات العديدة التي أجرتها دويتشة فيلة أجمع المتحدثون من الأجيال الثلاثة على أن ثقافة الامتياز كانت سببا في نجاح المصريين في جميع المجالات باستثناء السياسية، التي لم يميلوا إليها باعتبارها "غير اخلاقية" حسب رأيهم. ولعل ذلك تسبب ضمنا في عدم بروزهم كفئة قومية متميزة مثل اليهود العراقيين. كما أن المسافة الزمنية بين الهجرات الثلاث 48، 56، 67 حالت دون تماسكهم الاجتماعي، فضلاً عن اندماجهم في المجتمع الاسرائيلي.
القيم الشرقية في الثقافة الاسرائيلية
المسرحي الإسرائيلي غورمازانو، يعتبر الهوية المصرية جزءا من هويته الاسرائيلية : "عندما وصلت إلى اسرائيل كان عمري 11 عاما واعتبرت ثقافتي أوروبية ونظرت بغطرسة إلى ثقافة الكاكي التي تميزت بالخشونة والاستعلاء في الكبوتسات. غير أنه مع مرور الزمن خلعت بدلتي وربطة عنقي وتبلور لدي اعتزاز بالثقافة المصرية والقيم التي نشأت عليها". هذا المنحى تجلى في الثلاثية التي كتبها بالعبرية بعنوان "صيف اسكندراني" والتي تضمنت تعتبر عصارة قدرته على امتصاص الاحداث في صغره.
ولعل أبرز مساهمة لهذا المسرحي هو تأسيس مسرح هامشي وإصدار مجلة فصلية "الاتجاه شرقا" تتناول مقالات لكتاب من أصول شرقية هدفها غرس الثقافة العربية واليهودية الشرقية المتأصلة في الثقافة الاسرائيلية، عن طريق ترسيخ الذاكرة الطفولية في الدول العربية التي استهل بها الممثل الاسكندراني نسيم زوهر مسرحيته "صحن ملوخية " خير تعبير على ذلك : "كانو عيوني فوانيس ووداني ردار".
تؤكد اهاروني الحائزة على جائزة رئيس الدولة للتقارب في الشرق الأوسط أنها قامت بتدريس طلاب عرب وفلسطينيين في جامعة بنسيلفانيا الأمريكية عن تهجير يهود الشرق الأوسط، قالوا لها : "لماذا لا تروون للعالم كيف تعرضتم للاضطهاد وسلبت ممتلكاتكم في منتصف القرن العشرين؟ فهذه الرواية تعرض معادلة خسارة متوازية للطرفين: يهود الشرق الأوسط والفلسطينيين كما تحمل مقومات انقاذ ماء الوجه".
وتضيف اهاروني: "بعد أن سحبت الحكومة المصرية رخصة الاستيراد من أبي الذي كان مستوردا للقمح، تركنا مصر في عام 1949 مع 50 ألف يهودي، حينها كان أكثر من 50 كنيسا يكتظ بالمصلين أيام السبت. ولم يكن من الغريب أن تصادف وزراء ومستشارين يهود في الطبقة الحاكمة بعد أن تجذروا في أرض النيل ما لا يقل عن 2500 سنة ".
الجيل الثاني تواصل وتفاهم
ايال بزارنو ساغي، باحث في السينما المصرية مولود في اسرائيل يعشق الثقافة واللغة المصرية ويعتبر اللغة جسرا للتفاهم بين اسرائيل وجيرانها،على الأقل فيما يتعلق به شخصيا وبالجيل الثاني من يهود مصر: "في نظري هذه رسالة وليس مجرد عاطفة واشتياق، ولذلك فإنني في كل زيارة لمصر وعلى الرغم من الشعور بأنني لست دائما "محل ترحاب" استغل اللقاءات للتواصل والتفاهم".
وعن استقبالهم للربيع العربي يرد بزارنو : " شعرت بفرحة عارمة في الأيام الأولى من ثورة الشباب المعبرة عن تطلعاتهم إلى الحرية والعيش الكريم". ويضيف غورمزانو بنبرة أمل: "إن الثورات الاجتماعية عبر التاريخ صاحبها عدم الاستقرار في بداية الأمر، غير أنها اصطفت تدريجيا. ويقول بصوت ملؤه الأسى : "تحز في نفسي معاناة الشعب المصري الذي حاول التخلص من نظام استبدادي، ليقع في براثن آخر مغاير".
وعلى الرغم من أن يهود مصر لم يكونوا يعيشون كشريحة متأصلة في المجتمع المصري، فإن العديد منهم عاد لتفقد أجواء الطفولة فيما وصفه غورمزانو بالمقولة الوحيدة التي يعرفها بالعربية : "اللي يشرب من ماء النيل لازم يرجع يشرب منه".