يوم المساجد المفتوحة ـ "موضوع اللاجئين يعنينا جميعا"
٣ أكتوبر ٢٠١٥أجواء استثنائية في مسجد الأنصار بمدينة بون الألمانية. رئيس الجمعية سعيد أحرضان، وهو شاب يبدو في الأربعينيات من عمره يقف في بهو المسجد ويستقبل الضيوف مبتسما ويدعوهم إلى كوب من الشاي وإلى حلويات مغربية وضعت على طاولة. وبعدها يبدأ عضو آخر من إدارة الجمعية بمرافقة الضيوف في جولة للتعرف فيها عن مرافق المسجد المختلفة مثل قاعة الصلاة ومكان الوضوء ومقهى المسجد. فاليوم هو يوم المساجد المفتوحة في ألمانيا والذي ينظم سنويا بالتزامن مع ذكرى الوحدة الألمانية. ويعتبر هذا اليوم فرصة للتعرف عن الإسلام عن قرب.
"نقرأ الكثير عن المسلمين في الصحف، لكن الحضور إلى المسجد والاحتكاك مباشرة بالمسلمين في هذا اليوم هو في نظري أمر في غاية الأهمية"، تقول سيدة ألمانية في الخمسينات من عمرها.
فرصة للنقاش وتبادل الأفكار
نساء ورجال من مختلف الأعمار جاءوا اليوم إلى مسجد الأنصار مثلا للمشاركة في نشاط يوم المساجد المفتوحة. ومع توافد الحاضرين أعلن المنظمون عن بداية حلقة النقاش، حيث يطرح الزائرون أسئلة واستفسارات عن الإسلام والمسلمين. "لماذا يصلي النساء في غرفة منفردة؟ وهل لديهن إمام خاص بهن"، تتساءل إحدى السيدات، ليجيب عنها مصطفى قاض، وهو أحد المنظمين، أوكلت إليه الإدارة مهمة الإجابة عن أسئلة المهتمين لإتقانه اللغة الألمانية بشكل جيد، بالقول "الصلاة عند المسلمين هي وحدة متكاملة ولدينا إمام واحد يؤم الرجال والنساء. ويرجع تواجد النساء في غرفة أخرى فقط لضيق المكان. ففي الإسلام يمكن للنساء أن يصلين خلف الرجال وفي غرفة واحدة".
هل يمنع الإسلام المرأة فعلا من قيادة السيارة كما نرى في السعودية، تتساءل سيدة أخرى. فيرد عليها الشيخ قائلا" لا يوجد نص شرعي يمنع المرأة من قيادة السيارة. ونجدها تفعل ذلك في دول إسلامية أخرى. فمنعها من قيادة السيارة في السعودية لا يرجع لأسباب دينية".
اهتمام كبير بموضوع اللاجئين
موضوع اللاجئين كان حاضرا بقوة في حلقة النقاش، حيث تمحورت أسئلة كثيرة عن الدور الذي يلعبه المسجد في تقديم المساعدة للاجئين الذين يتوافدون بكثرة على ألمانيا في الآونة الأخيرة، والذي تتوقع السلطات الألمانية أن يصل عددهم في نهاية العام الحالي إلى حوالي مليون لاجئ.
المتحدث باسم إدارة المسجد أكد للحاضرين بأن جمعيته تنخرط في الكثير من الأنشطة التي تدعم اللاجئين حسب الإمكانيات المتاحة لها. وأضاف مصطفى قاض "المسجد فتح أبوابه لإيواء مجموعة من اللاجئين ونظم مرارا حملة جمع تبرعات لصالحهم، بالإضافة إلى تنظيمه "لموائد مفتوحة" خلال شهر رمضان وفي مناسبات تحضرها مجموعات من اللاجئين".
وبشكل عام جمعت الآراء المختلفة حول موضوع اللاجئين بين مواقف الترحيب والتخوف. وهو ما أكدته إحدى السيدات بقولها "نحن نتفهم الوضع الذي يعيشه هؤلاء الأشخاص الذين فقدوا كل شيء بسبب الحرب. لذلك نحن مطالبون بمساعدتهم، لكننا بطبيعة الحالي نخشى أن يكون متطرفون أو إرهابيون محتملون بين هؤلاء الناس الذين يدخلون ألمانيا بدون مراقبة كبيرة".
وتحدثت سيدة أخرى تقطن نفس الحي الذي يتواجد فيه مسجد الأنصار بتفاؤل أكثر حول مستقبل اللاجئين في ألمانيا وقالت بهذا الخصوص "اللاجئون الذين ألتقي بهم في الشارع وأتحدث معهم مدينون جدا بتواجدهم هنا. وأنا لدي شعور أكيد بأنهم قادرون على الاندماج بشكل جيد. لكن هذا الأمر يحتاج لبعض الوقت ويتطلب تعلم اللغة الألمانية بشكل جيد".
وتضيف السيدة الألمانية التي أتت رفقة زوجها للمشاركة في فعاليات يوم المساجد المفتوحة "نحن نعلم أن اللاجئين يلقون ترحيبا أقوى في غرب ألمانيا مقارنة بشرقها. والمشكلة في رأيي تكمن في غياب التواصل والحوار، لذلك على السياسيين تنظيم حلقات تواصل بين اللاجئين وسكان تلك المناطق القريبة حتى يدركوا أن هؤلاء الأشخاص ليسوا أعداء، بل بشرا فقدوا كل شيء مثلما حصل مع الألمان بعد الحرب العالمية الثانية، فموضوع اللاجئين يعنينا جميعا".
صلاة مشتركة مع المسلمين
وتواصل النقاش بين زوار المسجد والمنظمين حول موضوع اللاجئين وقضايا أخرى، ثم بدأ المؤذن بالأذان لصلاة الظهر، ليعلن المشرف على حلقة النقاش عن فترة استراحة للصلاة. وهنا بادرت سيدة بالسؤال "هل يسمح لي بالبقاء هنا لمتابعة أداء الصلاة" . فتمت الموافقة على رغبتها.
وبينما بدأ المصلون بالصلاة، وقف مجموعة من الرجال والنساء في الخلف يتابعون ركوع وسجود المصلين باهتمام كبير. فبالنسبة للبعض كانت المرة الأولى التي يشاهدون فيها صلاة المسلمين داخل المسجد. "نحن نعيش منذ ست سنوات في منطقة قريبة من هنا. وكل مرة نرى المسلمين يدخلون ويخرجون من المسجد، واليوم لدينا فرصة مشاركتهم في نشاطهم داخل المسجد".
أهمية الحوار في مواجهة التحديات
بعد انتهاء الصلاة تواصل اللقاء بين زوار المسجد والجهة المنظمة، وحضي موضوع إدماج الشباب المسلم في المجتمع الألماني باهتمام الحاضرين. وفي هذا الصدد أكد إمام المسجد، الشيخ عبد القادر الزعيم بأن رسالته للشباب المسلم تركز دائما على موضوع التسامح والانفتاح، قائلا "نحن نتعمد ترجمة خطبة الجمعة للغة الألمانية ونعمل على إرسال مضامين مبسطة للجيل الجديد من أبناء الجالية المسلمة في ألمانيا تركز على التسامح ونبذ العنف وتدعو إلى ضرورة الجمع بين الالتزام بتعاليم الدين الإسلامي المعتدلة والاندماج داخل المجتمع الألماني ، حيث إننا نشكل جزءا منه".
من جانبه أكد أحد الزائرين على أهمية الاندماج والحوار وقال:" التحديات التي تواجه ألمانيا في الفترة الراهنة لا يمكن حلها إلا بشكل مشترك. ومن خلال مثل هذه اللقاءات يمكننا تغيير الكثير من الأمور في المستقبل".