يوم جميل في مركز لرعاية طالبي اللجوء في مدينة في رومانيا
٢٧ نوفمبر ٢٠١٧وسط شارع " غورغي لازار شنكاي" بشرق تيمشوارا يقع مركز Aidrom ، على الباب ورقة صغيرة تعلن هوية وواجبات المركز: "تقديم الخدمات الاجتماعية لطالبي اللجوء في تيمشوارا". بعد الباب العتيق الذي يعود بذاكرة الزائر إلى مطلع القرن العشرين، يستقبله مدخل عتيق أيضا، تزين جدرانه صور زيتية رسمها جمع ممن مروا بهذا المركز، مقاعد بيضاء تلتئم حول طاولة بسيطة، وإلى جانبها لافتة مرفوعة كتب عليها بخط اليد: "المقهى العالمي يرحب بكم". أريكة صفراء بسيطة، الجدران تسلقتها خرائط الرطوبة وأرضية المكان مفروشة بالحجر، كما في البيوت الشرقية القديمة. الباب الداخلي رمادي مزجج وقد ألصقت عليه إعلانات مختلفة. فلافيوس إيليوني وهو ناشط في مطلع الثلاثينات، يرفض أن يطلق عليه لقب مدير، بل يؤكد أنّ المكان إدارة تعاونية يسهم بها الجميع، وهو الذي استقبل موفدي مهاجر نيوز والبعثة الصحفية.
مجتمع محبة وسلام
داخل المكان يكشف عن ألفة كبيرة، طالبو لجوء، وطلبة من مختلف البلدان، ومقيمون في رومانيا منذ زمن طويل، وأجانب حصلوا على الجنسية الرومانية يجتمعون في المكان ويعيشون حياة تساعد على الاندماج في المجتمع الجديد، نساء من الجزائر وسوريا والكاميرون يتبادلن الأحاديث مع بعضهن البعض ومع الناشطين من أفراد المنظمة. يعزف العراقي زاهر العاني قطعة موسيقية على غيتاره فيرطب الأجواء بأنغام عذبة تسر النفوس. أطفال يتحلقون حول طاولة صغيرة ويرسمون فراشات وفئران وطائرات ورقية ملونة، ، فيما يجلس معهم أحد طالبي اللجوء ليعلمهم كيف يلونون الصور.
بين الوجوه يلفت العراقي زاهر العاني النظر بشعره الفاحم الطويل، وهو المولود عام 1990 وقد التقاه موفد مهاجر نيوز فتحدث عن ظروف وصوله إلى تيمشوارا وإلى هذا المكان بالقول: "قصتي تختلف عن أغلب قصص اللاجئين، فقد عشت وأسرتي في الإمارات مذ كان عمري 11 عاماً، وسبق أن زرت رومانيا عدة مرات في جولات سياحية، الثالثة منها قبل سنة ونصف بتأشيرة سياحية على جوازي العراقي الصادر من الإمارات".
ولدى سؤاله كيف قرر أن يترك الامارات قاصداً رومانيا قال زاهر: "حدث معي ظرف خاص، حيث أنهت المؤسسة التي كنت أعمل لصالحها في الإمارات عقد عملي أثناء وجودي في زيارة لرومانيا، كنت أعمل بوظيفة مهندس مدني بموجب شهادتي الجامعية التي حصلت عليها من جامعة أبو ظبي، لكنّ الحصول على عمل جديد لم يكن سهلا في عام 2016 في الإمارات، وكما تعلم فإنّ الاقامة هناك مرتبطة بالعمل، وهكذا فقد انتهت إقامتي أيضا، ولم أشأ أن أخاطر بالعودة إلى الإمارات بحثا عن عمل لي خشية أن تتم إعادتي القسرية إلى العراق، ففضلت البقاء في رومانيا، وطلبت منهم الحماية، فمنحوني إياها"
زاهر مقيم في رومانيا منذ عام ونصف تقريبا، وقد حصل على صفة حماية، التي اعتبرها استحقاقا عراقيا مبينا "يمنحون السوريين صفة لاجيء، والعراقيين صفة حماية، أصبح هذا نهجا متّبعاً هنا، وصفة الحماية لا تعطي لحاملها حرية التنقل والسفر في أوروبا، بل يتوجب عليه طلب الحصول على تأشيرة من البلد الذي ينوي السفر له داخل الاتحاد الأوروبي"، وأشار العاني إلى أنّ من حصل على حق اللجوء يتاح له السفر والتنقل داخل الاتحاد الأوروبي دون تأشيرة.
وأبدى زاهر رغبته في البقاء في رومانيا لأنه نجح في تأسيس "قاعدة" له في هذا البلد لاسيما أنه يميل الى الاستقرار وليس التنقل -على حد وصفه- وقد تعلم اللغة الرومانية إلى حدٍ ما وبوسعه استخدامها في المراجعات للدوائر الرسمية وفي بعض زيارات الأطباء، وفي التنقل والسفر والسؤال عن الأمكنة، لكنّه يفضل استخدام اللغة الانكليزية التي يتقنها، مبرراً ذلك بالقول "في تيمشوارا يتحدث كثيرون الإنكليزية، ولا يستاؤون حين يحدثهم أحد بهذه اللغة، بل يجيبونه برحابة صدر"، وأكد العاني أنّ إتقان اللغة الرومانية ليس شرطا في قبول لجوء طالب اللجوء،" بل هو أمر يعتبر مسلما به، وسوف يتعلمه اللاجئ ببقائه واختلاطه بالآخرين، لكنّ إتقان اللغة هو من شروط حصوله على الجنسية".
أنشأ زاهر صفحة على فيسبوك اسمها، Timisoara Tales وتحظى اليوم بمئات المتابعين، كما يمارس هواية إجراء اللقاءات المسجلة والفيديوية مع مختلف الناس ويعرضها على الصفحة إضافة الى هوايته في العزف على الغيتار.
زاهر مقيم في رومانيا مع أمه وأبيه وأخيه وقد انضموا إليه قادمين من الإمارات، وكذلك يقيم في رومانيا أخوه الطبيب العامل في رومانيا منذ سنوات.
بيت للأصدقاء تسكنه قطة!
بيت الأصدقاء الدافئ الصغير، يمتاز بالترتيب والنظافة، وحال دخوله تستقبل الوافد قطة برتقالية صغيرة تحس بالأمان بين زوار هذا المكان. وتتنوع فعالياته في كل اتجاه، ما يدفع المرء للسؤال عن مصدر تمويل هذا المشروع العائلي الحيوي، فلافيوس إيليوني أجاب عن ذلك بالقول: "مجموعة من المنظمات غير الحكومية والحقوقية والخيرية من مختلف الاتجاهات، تتولى دعم المشروع الصغير، والدعم ليس كبيراً، لكننا نحاول أن نتحرك ضمن مساحة الموارد المتاحة لنا، وعلى كل حال فإنّ المفوضية الأوروبية التابعة للاتحاد الأوروبي، والمفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة علاوة على مؤسسات ومنظمات خيرية كنسية عديدة هي بين أبرز الداعمين".
وحول طبيعة عملهم، يشير إيليوني إلى أنّ ذلك يشمل كل شيء، وبين ذلك مساعدة طالبي اللجوء في ترجمة الوثائق المطلوبة، ومساعدتهم في الوصول إلى الدوائر المختصة، مساعدتهم في العثور على سكن، المساعدة في الوصول إلى الأطباء والمشافي، المساعدة في الالتحاق بالمدارس، مساعدتهم في الانخراط بدورات تعلم اللغة الرومانية، وصولا إلى إشراكهم مع الناشطين بعدة مبادرات بمختلف التوجهات على مستوى واسع وطموح.
وتكشف صفحة منظمة ايدروم العامة عن فعاليات إنسانية هامة تضطلع بها المنظمة ومنها مبادرة إيقاف "الاتجار بالبشر". ويتولى فلافيوس إيليوني مع آخرين تنسيق الجهود في فرع هذه المبادرة في تيمشوارا التي تقع على المثلث الحدودي الذي يسلكه المهاجرون عبر دول البلقان.
مشروع مكافحة الاتجار بالبشر يقع تحت شعار "الشخص العارف هو الشخص المحمي - منع الاتجار بالبشر من خلال استغلال العمالة"، ويطبق بالشراكة مع منبر يوريس في رومانيا، ودياكوني فورتمبيرغ بألمانيا. المشروع يقدم المشورة على مستوى الأفراد والمجموعات وخصوصا من الشرائح الأضعف ممن يمكن أن يتعرضوا لاستغلال تجار البشر، كما يوفر المركز مجاميع تدعم ضحايا الاتجار بالبشر وتساعدهم على تجاوز محنتهم.
وهناك صفحتان على فيسبوك، باللغتين الانكليزية والرومانية بعنوان "فورنرز ان تيمشوارا ايدروم" معنيتان بنشر فعاليات المركز وتعريف المحتاجين بوجوده.
وتعكس صفحات تابعة لبعض منظمات المجتمع المدني كثيرا من فعاليات أيدروم، فقد أشادت صفحة "نايسر بروجيكت" التي يشارك الاتحاد الأوروبي في تمويلها إلى مبادرة "تيمشوارا في يوم واحد" وهي جولة في المدينة العتيقة بالحافلات تجريها أيدروم لطالبي اللجوء لتعريفهم على أهم عشرة أماكن في المدينة التاريخية. في عام 2016 شملت الجولة 20 طالب لجوء، وتولت إرشادهم فيها الناشطة سيمونه إيليوني المعاون الإداري والنفسي للمركز.
ملهم الملائكة/ تيمشوارا- رومانيا