ألمانيا.. الإسلام مصدر تهديد أم غنى وتنوع ثقافي؟
١١ يوليو ٢٠١٩نحو 50 بالمائة من الألمان يعتبرون الإسلام "تهديداً"، في حين لا يرى إلا حوالي الثلث من المستطلع آراؤهم فيه "مصدر غنى وتنوع" ثقافي، كما هو الشأن بالنسبة للأديان الأخرى كالبوذية والهندوسية والمسيحية واليهودية. هذه بعض خلاصات دراسة نشرت اليوم الخميس (11 تموز/ يوليو 2019) عن مؤسسة بيرتلسمان الألمانية. ونقرأ في الدراسة اقتباساً منسوباً لأحد القائمين عليها، الباحثة الألمانية في الشون الإسلامية والهجرة د. ياسمين المنور، قولها في دراسة سابقة لها: "الكثيرون لا ينظرون للإسلام اليوم على أنه دين، بل كايدلوجية متطرفة تميل لمعاداة الديمقراطية". بيد أن الباحثة من أصول مهاجرة تعود وتستدرك أن التشكيك المنتشر على نطاق واسع بين الألمان لا يعني معاداة الإسلام، على حد تعبيرها.
وتفاوتت النتائج بين المشاركين في هذه الدراسة بين المنحدرين مما يطلق عليها الولايات الجديدة (ألمانيا الشرقية سابقاً) وسكان ولايات غرب ألمانيا؛ إذا كانت الصورة الذهنية عن الإسلام في الغرب أكثر إيجابية منها في الشرق.
من جهة أخرى أشارت نتائج الدراسة، التي أجريت بمناسبة الذكرى السبعين لإقرار "القانون الأساسي" (الدستور الألماني) إلى أن 89 بالمائة من الألمان، من معتنقي اليهودية والمسيحية والإسلام، يرون أن الديمقراطية في ألمانيا شكل جيد للحكم.
تعكس الواقع على الأرض؟
الباحث في الشؤون الإسلامية في جامعة فرايبورغ التربوية، د. عبد الحكيم أورغي، يشيد في حديث مع DW عربية بالدراسة ويجدها "علمية ورصينة"، ولكن يأخذ عليها وعلى مثيلاتها أنها تنظر إلى الإسلام كـ"كتلة واحدة"، دون الأخذ بعين الاعتبار الفروقات الجوهرية داخله بين مختلف الطوائف والفرق والمذاهب والطرق الدينية والتيارات.
وتدافع ياسمين المنور عن الدراسة وتؤكد أنها "تمثل" وجهة نظر الألمان. وتردف في حديث مع DW عربية أن دراسات في السنوات الماضية خرجت على الأغلب بـ"نتائج مشابهة".
في استطلاع للرأي أجري بداية العام الجاري أعرب نحو ربع الشباب في ألمانيا عن انزعاجهم من بناء المساجد في بلدهم. وأظهر الاستطلاع أن نحو نصف المراهقين والشباب البالغين يرون أنه لا يمكن في ألمانيا أن يتبنى أحد على نحو صريح آراء محددة في موضوعات مثل الهجرة أو الإسلام بدون أن يتم تصنيفه على أنه يميني أو يميني متطرف.
الإرهاب واللاجئون والإعلام
لا يخفي رئيس "المجلس الأعلى للمسلمين" في ألمانيا، أيمن مزيك، تفاجأه الإيجابي من نتائج الدراسة وقال : "في ظل الخطاب السائد منذ سنوات كنت أتوقع أن تكون النتيجة أسوأ".
ويرجع مزيك، السوري الأصل، في حديث لـ DW تشكك الألمان إلى "دعاية اليمين الشعبوي وللخطاب السائد منذ أكثر من عقد عن الإسلام الذي يركز على أقلية صغيرة من الإرهابيين ويصدرهم عناوين الصحف"، على حد تعبيره. وأضاف أن الإعلام يلعب دوراً بعزوه "الكثير من المشاكل المتعلقة بالمسلمين إلى الدين وحده"، مؤكداً أن الدين له دور ولكنه ليس العامل الوحيد: "هناك أسباب اجتماعية وثقافية وسياسية".
الباحث عبد الحكيم أورغي، الجزائري الأصل، لا ينكر دور الإعلام "السلبي" هنا، بيد أنه يرى أن الدور الأكبر يلعبه التطرف الإسلاموي. وقد تعرضت ألمانيا خلال السنوات القليلة الماضية إلى سلسلة من العمليات الإرهابية، ما أسفر عن سقوط العشرات بين قتيل وجريح، أكثر وقعاً على الرأي العام الألماني كان اعتداء سوق عيد الميلاد في برلين في نهاية عام 2016.
وبدوره يعزو الخبير في الشؤون الإسلامية في جامعة أوزنابروك الألمانية، روف سيلان، الصورة السلبية بشكل كبير للجدل الدائر حول الهجرة: "منذ سنوات يندمج الخطابان حول الإسلام والهجرة في بعضهما البعض"، مضيفاً أن الصراعات العالمية في الشرق الأوسط يتم ربطها أيضاً بالإسلام. ويرى أن من واجب الإعلام الألماني عدم تقديم الإسلام بصورة إشكالية فقط.
الأستاذ الجامعي عبد الحكيم أورغوي يعرج أيضاً على موضوع الهجرة واللجوء: "يجب أن نعترف أن الألمان تملكهم نوع من الخوف من الإسلام بسبب موجة اللجوء الكبيرة في عام 2015". غير أن أورغي يقدم من واقع ووحي تجربته الشخصية وملاحظاته صورة إيجابية عن اللاجئين: "التحق بجامعتنا طلبة سوريون بعد وصولهم بسنتين وثلاثة. الكتلة السورية، بشكل عام، مندمجة".
ويقدّر عدد المسلمين في ألمانيا بحوالي 5 ملايين شخص، أي حوالي 6 % من إجمالي السكان، غالبيتهم أتراك أو من أصول تركية. ويزيد عدد العرب عن مليون، غالبيتهم من السوريين الذين بلغ عددهم حوالي 750 ألفاً نهاية العام المنصرم.
"الألماني يصدق كل ما يقرأه"
هكذا قرأ الباحث عبد الحكيم أورغي تداعيات الدراسة على المسلمين في ألمانيا: "الألماني يصدق كل ما يقرأه. ومن هنا سيكون لذلك تداعيات بزيادة الخوف من الإسلام. وسيستخدمها حزب البديل والشعبويون على أنها إثبات لسياساتهم".
قبل شهرين صرح زعيم حزب البديل اليميني الشعبوي في ألمانيا، ألكسندر غاولاند، أن "الإسلام المكتوب" لا يتوافق مع القانون الأساسي (الدستور). ووضح السياسي الشعبوي أنه يفهم ضمن هذا الإسلام "مجموعة القواعد الإيمانية التي يتعين على المسلمين اتباعها". وأضاف السياسي اليميني: "أعلم أن كثيراً من المسلمين لا يتبعون جزءاً من هذه القواعد الإيمانية ويعيشون وفقاً للقانون الأساسي. والإسلام المكتوب لا يتفق مع القانون الأساسي؛ لأن الشريعة تنتمي إليه". وكان غاولاند وصف الإسلام في مقابلة سابقة له بأنه "جسم غريب" في ألمانيا.
في السنوات القليلة الماضية ازدادت عدد الهجمات على المسلمين والمساجد والمنشآت الإسلامية في ألمانيا، حسب بيانات وزارة الداخلية. إلا أنها تراجعت عام 2018 بشكل ملحوظ، مقارنة بالعام الذي قبله.
وتذهب تقديرات "المجلس الأعلى للمسلمين" إلى أن عدد المساجد في ألمانيا بلغ في نهاية تشرين الأول/أكتوبر الماضي كانت حوالي 2500، وفي نفس الاتجاه تقريباً قدرها خبراء في البرلمان الألماني (بوندستاغ): بين 2350 و2750.
ما العمل؟
يعتقد د. عبد الحكيم أورغي أن العبء الأكبر يقع على المسلمين بإثبات عكس ما يقال لتحسين صورة الإسلام في أذهان الألمان: "يتوجب علينا كمسلمين تقديم الإسلام، لا كمشروع سياسي، بل على أنه مشروع إنساني يحترم الخالق والمخلوق، ويتم ذلك بإحياء القيم الأخلاقية والإنسانية في نفس المسلم في أوروبا والعالم أجمع".
رئيس المجلس الأعلى للمسلمين، أيمن مزيك، يقدم مقترحات ملموسة: "تعزيز نشاط المسلمين وجالياتهم كيوم المسجد المفتوح والتوجه بالخطاب أكثر تجاه الألمان والمشاركة في الحياة السياسية والأنشطة الداعمة للتعددية والديمقراطية".
الباحثة في الشؤون الإسلامية، ياسمين المنور، تشدد على أنه "ليس من الصحيح النظر إلى تحسين صورة المسلمين في ألمانيا على أنها مهمة المسلمين وحدهم"، مشددة على أن العلاقات العابرة للأديان مهمة لتعزيز الثقة وإزالة التحفظات.
وبنفس الاتجاه ذكرت دراسة مؤسسة بيرتلسمان الألمانية أن 46 بالمائة من الألمان الذين لهم صلات مستمرة بالمسلمين يرون في الإسلام إغناء، ونادراً ما يجدونه كتهديد.
خالد سلامة