ألمانيا ـ سياسة خارجية نشطة لكنها مثقلة بحروب وأزمات معقدة
٣٠ ديسمبر ٢٠٢٣في بداية شهر ديسمبر/ كانون الأول، اختارت جمعية اللغة الألمانية مصطلح "وضعة ألأزمة" ككلمة العام. في الوقت نفسه، يصف المصطلح بشكل مناسب حالة السياسة الخارجية الألمانية. إن الحرب بين حماس وإسرائيل ليست فقط أزمة خطيرة أخيرة، ولكنها أيضا الأكثر مأساوية في الوقت الراهن. ويمكن لهذه الأزمة ان تشعل حريقا في المنطقة مع عواقب مدمرة محتملة.
ولمنع هذا الأمر، تحاول ألمانيا تحقيق توازن: فأمن إسرائيل، كما أكد المستشار أولاف شولتس، هو "مصلحة وطنية لألمانيا" وينبع هذا الالتزام من خلال ماضي ألمانيا خلال الحقبة النازية . لكن هذا لا يمنع وزيرة الخارجية أنالينا بيربوك من انتقاد إسرائيل في حربها ضد حماس. ففي مقابلة حصرية مع DW في تشرين الثاني/نوفمبر، على سبيل المثال، أعربت بيربوك عن أسفها لعنف المستوطنين اليهود في الضفة الغربية ضد الفلسطينيين، وقالت: "يجب على رئيس الوزراء الإسرائيلي إدانة عنف المستوطنين، وملاحقتهم قانونيا، وهذا أيضا في مصلحة أمن إسرائيل". بيد أن ألمانيا تشارك أيضا في النقاش حول مستقبل الشرق الأوسط بعد نهاية الحرب. وفيما يتعلق بمستقبل قطاع غزة، قالت بيربوك في مقابلة مع DW: "هناك حاجة إلى مسؤولية دولية لضمان الأمن".
تتمسك ألمانيا بفكرة حل الدولتين، تمامًا كما يفعل الاتحاد الأوروبي والإدارة الأمريكية. وفقا لهذا، يجب أن تكون هناك دولة فلسطينية إلى جانب الدولة الإسرائيلية.
وقال هانز ياكوب شيندلر، خبير الشرق الأوسط في المنظمة الدولية "مشروع مكافحة التطرف DW "من الواضح بالتأكيد أن حل الدولتين هو هدف بعيد جدا وغامض للغاية في الوقت الحالي بسبب الأحداث الحالية وما حدث في السنوات العشرين الماضية. ولكن ما هو الحل الآخر الموجود إلى جانب حل الدولتين؟" يسأل شيندلر بطابع استفهامي، وينصح الحكومة الألمانية بمواصلة السعي لتحقيق هذا الهدف.
الهجوم الروسي على أوكرانيا وخطره على الأمن
ربما لم يتحدى أي حدث في السياسة الخارجية في العقود الأخيرة ألمانيا وأوروبا بقدر الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير/ شباط 2022. تقدم ألمانيا مساعدات عسكرية واسعة النطاق، وكذلك الدول الغربية الأخرى. ومع ذلك، بعد عامين تقريبا، تواجه أوكرانيا صعوبات كبيرة في استعادة المناطق التي احتلتها روسيا.
يتضاءل الاستعداد لمساعدة أوكرانيا عسكريًا بين الدول الغربية بما في ذلك الولايات المتحدة، التي تعد إلى حد بعيد أهم داعم لأوكرانيا في حربها مع روسيا. وإذا تم انتخاب دونالد ترامب رئيسا هناك مرة أخرى العام المقبل، فمن المرجح على الأقل أن تقلص واشنطن مساعداتها لأوكرانيابشكل كبير.
أوكرانيا: حل تفاوضي أم عسكري؟
"إن الإنهاك والضجر من الحرب في الغرب يضغط على السياسيين للتفكير في إنهاء الحرب على طاولة المفاوضات". يعتبر العالم السياسي يوهانس فارفيك من جامعة هاله الألمانية أن هذا أمر لا مفر منه على أي حال. ويوضح: "أعتقد أن وقف إطلاق النار ثم المفاوضات الدبلوماسية الصعبة حول التغييرات الإقليمية في أوكرانيا بخصوص بقاء أوكرانيا على الحياد، كل ذلك مطروح على الطاولة"، بحسب فارفيكك لـ DW.
بيد أنه وفقا لرومان غونتشارينكو من هيئة التحرير القسم الأوكراني في DW، فإن الحل القائم على "الأرض مقابل السلام" لن يكون له أي فرصة للقبول في أوكرانيا: "لقد حدث الكثير، الكثير من المعاناة. وسيكون ذلك مكافأة لروسيا".
من جهته يعتبر السياسي الأمني في حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي الألماني رودريش كيزفيتر أن كل حديث عن حل تفاوضي أمر خطير، والنصر العسكري لأوكرانيا ممكن: "إن هجوم التحرير يعرقله الغرب نفسه لأنه يتم تسليم القليل جدا من الأسلحة وغالبا بعد فوات الأوان" وصرح لـ DW أنه يجب أن تكون الاستراتيجية: "تسليم جميع الأسلحة المطلوبة في أسرع وقت ممكن".
أظهرت وزيرة الخارجيأنالينا بيربوك يأسًا خلال اجتماع لحلف شمال الأطلسي في نهاية نوفمبر/ تشرين ثاني، مشيرة إلى أنه من وجهة نظرها لايوجد بديل للدعم المستمر لأوكرانيا "مهما كان الوضع صعبا ومتعثرا".
تهديد الصين المتزايد
لقد تغير الكثير في العلاقات الصينية الألمانية منذ فترة رئاسة أنغيلا ميركل من عام 2005 إلى 2021. في حين كانت ميركل تتعامل مع الحكومة الصينية بقفازات حريرية من أجل مصالح السياسة التجارية، فإن خطة استراتيجية ناقشتها واعتمدتها الحكومة الألمانية الحالية في الصيف تنص على أن الصين "شريك ومنافس منهجي" لألمانيا والاتحاد الأوروبي . وتؤكد برلين بشكل متزايد على أهمية هذا التنافس.
تشعر الحكومة الألمانية بقلق تجاه تصعيد الصين للتوتر بشأن تايوان، التي تعتبرها الصين مقاطعة متمردة، والعلاقات الوثيقة بين الصين وروسيا على الرغم من غزو أوكرانيا. ونتيجة لهذا، ينظر إلى الصين على نحو متزايد في برلين باعتبارها مثيرة للمشاكل ومعطلة للنظام السياسي العالمي. ولكن منذ عام 2016، كانت الصين هي الشريك التجاري الرئيسي لألمانيا. ولذلك، تركز الحكومة الألمانية في استراتيجيتها تجاه الصين على إزالة التبعية الاقتصادية الأحادية من الصين، والتي قد تضر ألمانيا بشكل كبير.
القيم مقابل المصالح؟
وفي حالة الصين تظهر حدود السياسة الخارجية الألمانية تأكيد برلين على القيم وحقوق الإنسان بشكل خاص، والتي دعت لها بشكل خاص وزيرة الخارجية الألمانية بيربوك أثناء زيارتها للصين في أبريل/نيسان. فيما رد وزير الخارجية الصيني السابق، تشين جانغ، على دعوة بيربوك بضرورة احترام حقوق الإنسان بشكل أكبر، قائلاً: "آخر ما يحتاجه الصين أقل شيء هو معلم من الغرب".
كتب مورتن فريديل في النسخة الإلكترونية من "فرانكفورتر ألغماينه تسايتونغ" في 30 نوفمبر/ تشرين ثاني 2023: "في عالم يتعرض فيه الغرب الليبرالي للضغط، يمكن أن يؤدي الحرص المستمر على القيم بسرعة إلى إنشاء أعداء. وهذا لا يعني أن القيم غير ضرورية. بل كل ما في الأمر أنه يجب ألا نرفعها ونصر عليها باستمرار". ينصح فريديل بأن يكون لدى ألمانيا "إعلانًا للمصالح بدلاً من ذلك".
من جهة أخرى يقدم هينينغ هوف من الجمعية الألمانية للسياسة الخارجية تقييما إيجابيا لسياسة الحكومة الألمانية ويقول هوف ل DW. "إذا تجاهلت القيم تماما، كما فعلنا مع روسيا، فإن ذلك سيكون له عواقب كارثية، ونراها في أوكرانيا".
البحث عن حلفاء
كان على الحكومة الألمانية أن تقوم بتجربة مريرة مع حرب أوكرانيا: في البحث خارج أوروبا عن حلفاء مستعدين لدعم العقوبات ضد روسيا، في المقابل أعربت العديد من الدول النامية والاقتصادات الناشئة بأنهم يريدون مواصلة التجارة مع موسكو.
يقول هينينغ هوف إن الدول التي تعتبر في الواقع قريبة من الغرب، مثل الهند والبرازيل، "تكتشف فسحة جديدة في هذا النظام العالمي المتغير من خلال اتخاذ الحرية في عدم الانحياز إلى جانب أو آخر". ومع ذلك، فإن حكومة شولتس تقترب من هذه الدول وتسعى إلى الحوار على قدم المساواة. هذا "امتداد نشط للسياسة الخارجية الألمانية حتى الآن، وأعتقد أن برلين محقة بشكل عام في هذا المسار.".
ألمانيا منهكة
تبحث الحكومة الألمانية عن إجابات للأحداث السياسية العالمية مثل الحروب في أوكرانياوالشرق الأوسط أو الصراع مع الصين. وسواء أحبت ألمانيا ذلك أم لا، فإن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يتوقعان أن تلعب القوة الاقتصادية الأوروبية الأقوى ورابع أكبر قوة اقتصادية على مستوى العالم، دورا أكثر نشاطا.
لكن يبدو أن معظم الألمان لا يحبون ذلك. في استطلاع أجرته مؤسسة كوربر في سبتمبر، قالت أغلبية من 54 في المائة إن ألمانيا يجب أن تمارس المزيد من ضبط النفس في الأزمات الدولية.
ويرغب 38 في المائة فقط في رؤية مشاركة سياسة أكبر، وهو أدنى رقم منذ بدء الاستطلاعات في عام 2017 عندما أراد 52 في المائة ذلك. بالإضافة إلى ذلك، تعارض أغلبية هائلة تبلغ 71 في المائة الآن دور القيادة العسكرية الألمانية في أوروبا. يبدو كما لو أن الألمان يريدون شيئا واحدا قبل كل شيء: السلام من عواصف السياسة العالمية. بيد انها أمنية بات تحقيقها مشكوك فيه للغاية.
أعده للعربية: علاء جمعة