من سيدفع المال لإعادة إعمار غزة بعد الحرب؟
١٥ ديسمبر ٢٠٢٣رغم استمرار العنف، إلا أن تساؤلات باتت تُطرح حيال الجهة التي سوف تدفع فاتورة إعمار قطاع غزة الذي يتعرض لدمار كبير مع استمرار الحرب. وتقول منظمات إغاثة إنه يتعذر الوقوف على حصيلة الخسائر البشرية الناجمة عن الصراع في القطاع نظرا لتزايد عدد الضحايا، لكن الحال لا ينطبق على الخسائر المادية إذ ذهبت التقديرات الأولية إلى أن تكاليف إعادة بناء ما دمره القصف الإسرائيلي في غزة ربما تتجاوز عتبة الخمسين مليار دولار أي ما يعادل 46.4 مليار يورو.
وفي السياق ذاته، لم تكشف إسرائيل بعد عن خطتها بخصوص ماهية الجهة التي سوف تحكم غزة إذا نجحت في هدفها المتمثل في تدمير حماس، فيما استبعد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو اضطلاع السلطة الفلسطينية بدور بغزة بعد انتهاء الحرب. تزامن هذا مع تزايد الحديث عن موضوع إعادة إعمار غزة إذ ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية مؤخرا أنه نتنياهو أبلغ مسؤولين سياسيين بأن السعودية والإمارات على استعداد لتحمل فاتورة إعادة الإعمار، لكن لم يصدر أي تعليق من الرياض وأبو ظبي حيال تصريحات رئيس الحكومة الإسرائيلية.
وتم تقديم اقتراح بأن يقوم الأوروبيون بدفع الفاتورة، لاسيما وأن الاتحاد الأوروبي وعلى وجه الخصوص ألمانيا من أكبر الجهات المانحة للمساعدات الإنسانية المقدمة للفلسطينيين، وبدورها تعد الولايات المتحدة إحدى أكبر الجهات المتبرعة مما عزز القول بأنه ربما ستتم دعوتها للمشاركة في تمويل خطة إعادة الإعمار.
بيد أن تقارير أفادت بأن تساؤلات طُرحت خلف الكواليس داخل دوائر صنع القرار في الولايات المتحدة وأوروبا حيال السبب في دفع الملايين من أموال دافعي الضرائب مرة أخرى لإعادة إعمار قطاع غزة، فيما من المرجح أن يتعرض للقصف مرة أخرى في المستقبل القريب.
وفي مقال بصحيفة "فايننشال تايمز"، كتب الصحافي جدعون راشمان، كبير المعلقين بقسم الشؤون الخارجية بالصحيفة، "لقد سمعت كبار المسؤولين في الاتحاد الأوروبي يقولون بشكل صريح إن أوروبا لن تدفع تكاليف إعادة إعمار غزة (خاصة أن ما تحتاجه أوكرانيا من أموال يعد كبيرا)".
وأضاف "يبدو أن الكونغرس يعارض كافة أشكال المساعدات الخارجية".
هل ستدفع إسرائيل؟
في السياق ذاته، برزت دعوات تطالب إسرائيل بدفع ثمن الأضرار التي تسببت بها على ضوء أن الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي ومنظمات دولية أخرى تعتبر إسرائيل "قوة احتلال"، لذا يجب عليها تحمل مسؤولية إعادة البناء. وكانت إسرائيل قد وافقت عام 2010 على دفع تعويضات لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" بقيمة 10.5 مليون دولار مقابل المباني التي دُمرت خلال موجة سابقة من الصراع في غزة قبل ذلك بعام.
وأثارت التعويضات في حينه الجدل في إسرائيل حيث تساءل البعض عما إذا كانت التعويضات تحمل في طياتها اعترافا إسرائيليا ضمنيا بالمسؤولية، فيما طالبت منظمات حقوقية إسرائيل بدفع المزيد للضحايا، لكن يبدو أن ذلك مثل حالة نادرة وافقت فيها إسرائيل على دفع تعويضات. ومنذ هجوم حماس الإرهابي على إسرائيل في السابع من أكتوبر / تشرين الأول الماضي، تقصف إسرائيل قطاع غزة الذي يسكنه أكثر من مليوني فلسطيني مع توسيع عملياتها البرية في القطاع ومنع دخول الغذاء والمياه والكهرباء ومعظم المساعدات إلى القطاع.
يذكر أن حركة حماس، مجموعة مسلحة فلسطينية إسلاموية، تصنفها ألمانيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول أخرى على أنها منظمة إرهابية.
وأسفر القتال والقصف في غزة عن تدمير أكثر من نصف المباني اي ما يقدر بقرابة خمسين ألف وحدة سكنية مع تضرر أكثر من مائتي ألف وحدة أخرى فضلا عن تدمير عشرات المستشفيات ومئات المدارس والمباني الحكومية والمنشآت الزراعية. وقد جرء بناء هذه المرافق التي تم تدميرها من تبرعات الجهات المانحة.
وخلال موجة الصراع الأخيرة في غزة عام 2021، جرى تدمير حوالي ألف وحدة سكنية وتجارية مع تضرر أكثر من 16 ألفا من السكان وستين مدرسة فيما بلغت فاتورة إعادة الإعمار في حينه حوالي 8 مليارات دولار (7.4 مليار يورو).
وفي تعليقها، قالت مارتا لورينزو، مديرة مكتب الأونروا في أوروبا، إن الصراع الحالي غير مسبوق على صعيد الأضرار والدمار"، مضيفة "لا يمكن مقارنة هذا الصراع بأي حرب سابقة دارت رحاها في غزة." وأشارت إلى أنه "من الصعب للغاية الآن معرفة تكلفة إعادة الإعمار، لكنها لن تكون مسؤولية جهة مانحة واحدة فقط". وفي مقابلة مع DW، قالت "سيتم عقد مؤتمر للمانحين مع انتهاء العنف إذ نتوقع أن يتقاسم المجتمع الدولي مسؤولية إعادة الإعمار".
تمويل غزة.. المشكلة سياسية!
ومع توقعات بارتفاع فاتورة إعادة إعمار غزة، تساؤل كثيرون حيال الجهة التي سوف تتحمل نصيب الأسد وتدفع الجانب الأكبر من التمويل، لكن يبدو أن الإجابة على هذا التساؤل الملح ليست بالأمر السهل في ضوء أن قضية تمويل المساعدات وإعادة الإعمار في غزة وباقي الأراضي الفلسطينية المحتلة بشكل عام، دائما ما كانت تتسم بالشحن السياسي.
في هذا السياق، مثلت حماس، التي تدير قطاع غزة منذ 2007، مشكلة للجهات المانحة وسط تساؤلات حيال كيفية إيصال المساعدات والأموال التي يحتاجها سكان القطاع دون التورط في تمويل أنشطة حماس العسكرية.
ويُضاف إلى ذلك تدهور الاقتصاد في غزة في ظل حصار ممتد منذ أكثر من 16 عاما واتهام حماس بإهمال القطاع ما دفع الأمم المتحدة إلى القول بأن نحو 80 بالمائة من سكان غزة اعتمدوا العام الماضي على المساعدات.
وتقدم الأونروا القسم الأكبر من المساعدات بما في ذلك خدمات الرعاية الاجتماعية والمدارس والعيادات الصحية إذ تعد ثاني أكبر جهة توظيف في غزة، لكنها تعرضت أيضا لانتقادات إذ صدرت تصريحات من مسؤولين كبار في الحكومة الإسرائيلية تفيد بالرغبة في التخلص من الأونروا.
في المقابل، تؤكد الجهات و الدول المانحة أن المنظمة تعد ضرورية.
جدل آلية إعادة الإعمار
ويقول مراقبون إنه عندما يتطرق الحديث إلى إعادة إعمار غزة ، فدائما ما يرافق ذلك الجدل حول الآلية المعتمدة في مجال التنظيم. وقد تم إنشاء "آلية إعادة إعمار غزة" عام 2014 كإجراء مؤقت لمنع حماس من الحصول على مواد البناء "ذات الاستخدام المزدوج" التي يمكن استخدامها في بناء الأنفاق، لكن الأمر اتسم في نهاية المطاف بمزيد من التعقيد والبيروقراطية المفرطة ما أدى إلى تأخر دخول المواد وزيادة تكاليف البناء بنسبة تصل إلى 20 بالمائة.
وفي هذا الإطار جرى اتهام المقاولين الإسرائيليين بالتلاعب بـ "آلية إعادة الأعمار" من أجل التربح ما دفع عمال البناء في غزة إلى مقاطعة الأعمال المنضوية تحت راية الآلية.
لا حل في الأفق
وفي ضوء هذه المعطيات، توقع ثان براون، الزميل البارز في برنامج الشرق الأوسط التابع لمؤسسة كارنيغي للسلام، أن يزداد الأمر سوءا في الوقت الراهن. وفي مقابلة مع DW، أضاف بأن "السياسة تشكل العقبة وليس التمويل، فإذا حسم اللاعبون الرئيسيون مثل إسرائيل والجانب الفلسطيني والجهات الإقليمية والغربية الفاعلة قضية مستقبل غزة سواء عبر حل الدولتين أو حل الدولة الواحدة أو أي شيء آخر.. فالمال لن يكون المشكلة." وأشار براون إلى أن الكثير من المانحين سيكونون على استعداد للتبرع إذا بدا أن الأزمة في طريقها إلى الحل الدائم.
وأفادت تقارير مؤخرا أن الإمارات ستُقدم على دفع تكاليف إعادة البناء في غزة، لكن في إطار حل الدولتين، فيما أشار براون إلى منطقية الطرح الإماراتي، قائلا: "عدا ذلك فإنه سيُنظر إلى (حكومة الإمارات) من قبل شعبها بأنها تمول إعادة احتلال إسرائيلي لغزة."
لكن الخبير في الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي أكد صعوبة الوصول إلى حل دائم، قائلا: "لا أرى أي شيء سيحدث من هذا القبيل حيث نتوقع ترتيبات مؤقتة تسمح لمعظم الجهات الفاعلة الرئيسية بإيجاد طرق للتغلب على العوائق".
بدورها، تسلط يارا عاصي، الزميلة غير المقيمة في المركز العربي ومقره واشنطن، الضوء على أن هناك الكثير من الأسئلة بحاجة إلى أجوبة، قائلة "هل سيشعر المانحون بالارتياح إزاء إرسال عشرات الملايين من الدولارات إلى غزة رغم عدم وجود نظام شرعي يحكم القطاع؟".
وأضافت "أعتقد أن الجهات المانحة سوف ترغب في وجود بعض الضمانات حيال المستقبل السياسي في غزة قبل إرسال أموال مرة أخرى".
وقالت إن الجانبين الأوروبي والأمريكي غير راضيين عن تدمير المستشفيات والمدارس التي ساهما في تمويل تشييدها، مضيفة "أعتقد أنهم إذا تعبوا وسئموا من رؤية هذا المستوى من الدمار، فلا يمكنهم التذمر من تكلفة عملية إعادة البناء". وأشارت إلى أنه يتعين على الولايات المتحدة والدول الأوروبية "اتخاذ إجراءات فعالة لمنع ذلك حصول التدمير مجددا. هل يمكن تخيل فرضية أن عملية إعادة الإعمار تترافق مع التسليم جدلا بأن إسرائيلستقصف غزة مرة أخرى. لا يمكن لإسرائيل أن تفعل ذلك إلا بدعم هذه الدول. لذا ما يحيرني إنهم لا يفعلون المزيد لحل هذه المشكلة."
أعده للعربية: محمد فرحان