ألمانيا ومصر.. الغاز المسال على حساب حقوق الإنسان؟
٢٠ يوليو ٢٠٢٢"نستطيع أن نصدر كل الغاز الذي يمكن الحصول عليه من شرق المتوسط إلى أوروبا"، هذا ما قاله الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في مؤتمر صحفي مشترك مع المستشار الألماني أولاف شولتس خلال "حوار بيترسبيرغ للمناخ" الذي نظمه البلدان واستضافته العاصمة الألمانية برلين بين 17 و19 تموز/يوليو 2022.
كما أكد السيسي على أن بلاده مصممة على المضي قدمًا في تعزيز العلاقات مع ألمانيا، مشيرًا إلى "نقلة نوعية" في الشراكة بين البلدين في السنوات الماضية.
من جهته صرح المستشار الألماني أولاف شولتس أنه ناقش مع السيسي مشاريع بعيدة المدى ومسألة الطاقات المتجددة، مثل الإنتاج المشترك للوقود الهيدروجيني، بالإضافة إلى "استخدام وتوسيع خيارات التنويع لتوصيل الغاز إلى أوروبا وألمانيا على المدى القصير جدًا"، مشيرًا إلى أن الشراكة مع مصر في مجال الطاقة "ضرورية، لأنه لا يمكنك الاعتماد على شريك واحد، بل يجب أن يكون لديك العديد من الشركاء الجيدين"، كما نقل عنه موقع "شبيغل" الألماني.
فمنذ الغزو الروسي لأوكرانيا واستخدام موسكو الغاز "كورقة ابتزاز" ضد أوروبا، كما تتهمها بروكسل، يكثف الاتحاد الأوروبي ودوله، وأبرزها ألمانيا، الجهود لتنويع مصادر الغاز من أجل تعويض الغاز الروسي الذي كان يشكل 40% من الاستهلاك الأوروبي للغاز عام 2021، خصوصًا مع ازدياد المخاوف مؤخرًا من قطع موسكو إمدادات الغاز عن الأوروبيين تمامًا.
لماذا مصر؟
ورغم توجه الأوروبيين إلى عدة دول، منها قطر والجزائر، في محاولة لتعويض نقص -أو قطع محتمل- الغاز الروسي، إلا أن للغاز المصدر عبر مصر ما يميزه. وكتبت صحيفة زود دويتشه تسايتونغ في تقرير لها اليوم الأربعاء (20 تموز/يوليو 2022): "بالمقارنة مع منتجي الغاز الآخرين، فإن مصر هي ضربة حظ للأوروبيين المتعطشين لبديل للإمدادات الروسية".
وأوضحت الصحيفة أن الغاز الطبيعي المسال، وهو الغاز الذي يتم تسييله بتبريده إلى 161 درجة تحت الصفر لإمكانية نقله، متاح على الفور لتصديره من مصر، بفضل حقل غاز "ليفياتان" الإسرائيلي الضخم ومحطات التسييل الموجودة على السواحل المصرية.
وتستخدم مصر محطتي إسالة على الساحل الشمالي للبلاد، دمياط وإدكو، لتسييل الغاز الإسرائيلي، لأن إسرائيل لا تمتلك بنيتها التحتية الخاصة بتسييل الغاز الطبيعي، وفقًا لـ"زود دويتشه تسايتونغ". ومنذ 2020 تقوم إسرائيل بتصدير احتياطاتها من الغاز المخصصة للسوق العالمية عبر مصر.
وما يميز الغاز الطبيعي المسال المصدر عبر مصر أيضًا، بحسب الصحيفة، أن القاهرة تبيع معظم إنتاجها منه في أسواق العقود الفورية وتتجنب العقود طويلة الأجل، على عكس قطر المرتبطة بزبائن آسيويين بموجب عقود طويلة الأجل.
أما بالنسبة للجزائر، فإن خطوط الأنابيب تسمح بزيادة الإمدادات بنسبة 10% فقط، كما أن النزاع بين المغرب والجزائر يجعل الإمدادات الجزائرية مخاطرة لأوروبا، وفقًا للتقرير.
وبالعودة إلى الغاز المسال المصدر من مصر، فإذا تم استخدام الإمكانيات المتوفرة، من خطوط الأنابيب ومحطات التسييل بالكامل، يمكن أن يعوض 10% من إمدادات الغاز الروسية إلى أوروبا، كما نقلت صحيفة بيلد عن الحكومة الألمانية.
ووقع الاتحاد الأوروبي وإسرائيل ومصر اتفاقية لتصدير الغاز الإسرائيلي إلى أوروبا عبر مصر في حزيران/يونيو الماضي. وتنص الاتفاقية على نقل الغاز الطبيعي من إسرائيل إلى مصر، وتسييله هناك ثم تسليمه إلى أوروبا.
لكن ماذا عن حقوق الإنسان؟
لكن التعاون بين ألمانيا ومصر لا يقتصر على مجال الطاقة، بل يتعدى ذلك إلى "انخراط قوي للشركات الألمانية العملاقة في تنفيذ مشروعات كبرى" كما قال السيسي في برلين. ولعل آخرها هو مشروع لبناء شبكة سكك حديدية لقطارات فائقة السرعة بطول ألفي كيلومتر في مصر، في أكبر صفقة بتاريخ شركة سيمنس الألمانية.
وقد أثنى شولتس على المشروع "الذي يربط الناس مع بعضهم ويحمي المناخ". لكنه لم ينتقد القاهرة بشكل مباشر بسبب أوضاع حقوق الإنسان في مصر، وفقًا لـ"شبيغل".
إلا أن الطرفين أكدا أن المحادثات بينهما تناولت أيضًا مسألة حقوق الإنسان. وتحدث شولتس عن ضرورة اتخاذ "خطوات حاسمة نحو مزيد من المشاركة وسيادة القانون تساعد على تحسين الوضع وتقوية الاقتصاد واستقراره على المدى الطويل"، دون أن يتطرق إلى مسألة الناشطين القابعين في السجون المصرية. وتقدر منظمات حقوقية دولية عددهم بالآلاف إلا أن القاهرة تنفي وجود معتقلين سياسيين.
وقد لفتت 21 منظمة مصرية وإقليمية ودولية الانتباه إلى "الانتهاكات الجسيمة لحرية الصحافة وحرية التعبير وحرية التجمع في مصر" بمناسبة "حوار بيترسبيرغ للمناخ". وفي رسالة مفتوحة إلى وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك، طالب الموقعون، ومن بينهم منظمة العفو الدولية ومراسلون بلا حدود، بيربوك بمطالبة السيسي بالإفراج عن "جميع المعتقلين بشكل تعسفي".
أما السيسي فقال ردًا على سؤال صحفي بشأن حقوق الإنسان في بلده: "سأرد هذه المرة بشكل مختلف، واسمح لي أن أدعوك وأدعو كل من يهتم بهذا الأمر أن يزور مصر. وسنتيح الفرصة ليلتقي بالجميع ويتحدث معهم وينقل ما يراه إلى الرأي العام في ألمانيا"، وأضاف: "أنا شهادتي في مثل هذا الأمر مجروحة، (لأنكم) ستقولون إنه يجب عليه أن يدافع عن نفسه ويقول إن الأمور جيدة".
أما بخصوص عدم تركيز برلين على مسألة حقوق الإنسان في مصر، كتبت "زود دويتشه تسايتونغ": "البراغماتية السياسية الحالية في الشرق الأوسط وصلت الآن إلى برلين أيضًا".
محيي الدين حسين