إقامة دولة فلسطينية مستقلة حلم ما زال بعيد المنال
٤ أكتوبر ٢٠٠٥في ظل التدهور الأمني وعدم توفر الوفاق السياسي، تسير الأمور في الشارع الفلسطيني من سيء إلى أسوء. فبعد الانفجار الذي أدى إلى مقتل 19 شخصا أثناء استعراض عسكري لحماس قبل حولي أسبوعين، وقعت قبل يومين اشتباكات مسلحة بين رجال الشرطة الفلسطينية ومقاتلي حركة حماس. هذا التطور الخطير، حسب رأي كثرة من المراقبين والمحللين السياسيين لم يأت من فراغ. وفي هذا الخصوص قال الدكتور باسم الزبيدي القائم بأعمال رئيس دائرة الحقوق والإدارة العامة والمحاضر في جامعة بيرزيت في حديث لموقعنا إن حماس "تريد من خلال ذلك تأكيد وجودها وفقا لمواصفاتها ومعاييرها وانطلاقا من إيمانها بأنها قوة سياسية رادعة ولا يجوز التعاطي معها باستخفاف، وكذلك لأنها تعتبر نفسها مسؤولة عن اتخاذ القرار.".وتابع الزبيدي بالقول إن السلطة "لا تشارك حماس هذا التصور لأنها ترى نفسها على أنها صاحبة القرار وصانعة الدولة، إضافة إلى كونها الشرعية التي تسيّر الأمور بالمعنى الصحيح." وأضاف الزبيدي في الحديث ذاته أن الأمور "قد تسير في اتجاهين، إما زيادة التوتر والاستمرار في هذا الوضع، وهذا سينعكس بالطبع على الشارع الفلسطيني والحالة الفلسطينية، بإيجاد حالة عدم الثقة، والبؤس إضافة إلى الفقر والخلل الاجتماعي الداخلي، إضافة إلى فقدان قطاعات كبيرة من الشعب الفلسطيني بجدوى الدولة المستقلة. وإما تغليب العقلانية ولغة الحوار من قبل الطرفين ومحاولة رؤية ما يخفيه المستقبل إضافة إلى معرفة حجم التحديات القادمة ومحاولة إيجاد قاسم مشترك بين الفصائل والقوى الوطنية، وهذا يمكن أن يتم ولكنه بحاجة إلى اهتمام ورعاية من جميع الأطراف."
تداعيات انسحاب غزة
أما على صعيد الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة، فقد لاحظ المراقبون تعالي أصوات الفصائل الفلسطينية واختلافها على الجهة المسؤولة عن تحرير القطاع الفلسطيني وطرد الاحتلال منه، إذ حاولت جميع التنظيمات وعلى رأسها حماس تجيير الانسحاب إلى حسابها واعتباره نصرا لها. وهنا يرى مدير مركز الخدمة المجتمعية التابع لجامعة النجاح الوطنية بنابلس، سامي الكيلاني أن الاحتلال "ما زال يحاصر غزة ولم ينهِ سيطرته على القطاع، لكن هناك صراع بين القوتين الرئيسيتين في فلسطين، وهي حماس وفتح." وأضاف أن حماس بقوتها العسكرية وتوجهها الديني وفتح بسيطرتها على السلطة والقانون الفلسطيني "أدى إلى امتداد الخلاف إلى مسألة الانسحاب من القطاع لينتقل إلى الداخل الفلسطيني ويتطور ويصبح صراعا على السلطة حتى لو لم يكن ذلك معلنا من قبل حماس."، حسب رأيه. واستطرد قائلا إنه "لا بد من الاعتراف بالسلطة المنتخبة من قبل الشعب رغم وجود تحفظات من قبل الفصائل الفلسطينية. ,اكد أنه لا يجوز وجود أي معارضة عن طريق السلاح. في الوقت ذاته يرى المحلل السياسي د. باسم الزبيدي أن دور الاحتلال في هذا الوضع هو جانبي على الرغم من وجوده في جميع جوانب الحياة الفلسطينية، لكن يجب أن يكون الحضور الفلسطيني أكبر، ولا بد أيضا من إبراز هذا الحضور، خاصة أن الفلسطينيين هم الذين يحددون كيفية سير الناس في الشوارع، سواء بسلاح أو بغيره، ولا علاقة للاحتلال بذلك. ومظاهر التسلح والإنفلات الأمني تعبر عن نوع من الغضب الفلسطيني الداخلي بامتلاك السلاح والظهور بشكل قوي واستعراضي، من أجل توصيل رسالة داخلية وخارجية مفادها "نحن هنا"، وهي طريقة لتأكيد الوجود." وهذا الشيء يعبر عن مأزق حقيقي في الشارع الفلسطيني وصراع على السلطة. وهذا يوضح إشكالية كبيرة "من يمثل من، وعلى أي أساس وبأي صيغة؟"
الحكومة الجديدة والسيطرة الأمنية
ويضيف الزبيدي أن المشكلة ليست مشكلة حكومة. واعتبر أن شروط وقواعد اللقاء الفلسطيني يجب أن تحظى بالأهمية الأكبر، "فلا بد من وجود أسس تنظم العلاقة بين الأطراف، وفي هذا المجال فإن القوى السياسية والتنظيمات هي صاحبة الرأي." وتابع بالقول إن دور الحكومة لا يكون جوهريا دون أن يكون على درجة من الوفاق والتفاهم الداخلي. ولكن للأسف، تمثل الحكومة تيارا واحدا، وحماس تملك قوة عسكرية وسياسية وهي تنافس السلطة على الحكم."، على حد تعبيره. بينما اعتبر العضو البارز في حزب "فدا" والمفاوض السابق في محادثات مدريد سامي الكيلاني أنه "لا بد من وجود قانون واحد وسلطة واحدة وسلاح واحد"، مشيرا إلى أنه يمكن التوصل إلى حل عن طريق الحوار الوطني الطويل والصبور، "فلا يجوز اتخاذ القرار والخطوات الأحادية، فهناك سلطة منتخبة من قبل الشعب ويمكنها إدارة الصراع بشكل صحيح. ولا يحق لأحد اختيار شكل الصراع وجر الشعب إلى متاهات وحروب أهلية. يجب الاتفاق بين جميع الأطراف، ولا بد من سيادة القانون. والحكم يجب أن يكون بالاحتكام إلى صناديق الإقتراع دون التوجه إلى الاستعراضات العسكرية بهدف كسب الأصوات من الشارع."
إلى ذلك، يرى كل من باسم الزبيدي وسامي الكيلاني أن الحكومة الجديدة "تحتاج إلى حزم وقيادات تعمل على التغيير الواقعي والابتعاد عن الشعارات الرنانة." وأكد أنه لا داعي لتغيير الوجوه دون التغيير السياسي. ويجب أن يكون هناك وضوح لدى السلطة بسيادة القانون. بينما يرى المقرر الإداري للجنة الرقابة العامة وحقوق الإنسان في المجلس التشريعي، إبراهيم عازم أن " تشكيل حكومة جديدة سوف لن يغير كثيرا من الوضع خاصة وأن المشكلة ليست في الحكومة وإنما في النهج. فالحكومة لا تحمل عصاً سحرية لتغيير الوضع بكلمة كن فيكون. المشكلة تكمن لدى حماس في توجهها بأن تكون سلطة ثانية."
دعوة الشارع الفلسطيني لمواجهة الواقع
ويبقى الشارع الفلسطيني حائرا أمام هذا المأزق الحقيقي الذي يفرض نفسه، فهذا الوضع يعمل على خلق مزيج من الخوف والحزن على ما آلت إليه الأمور، وهنا يقول د. الزبيدي إن الشارع الفلسطيني "يرغب في السيطرة على هذا الانفلات، والمجتمع لا يشعر بالطمأنينة ولا يوجد هناك أية مؤشرات على تحسين وضعه الداخلي." وتابع أن الاعتقاد بأن ما هو قادم سيكون أكثر شراسة وأكثر حدة وخطورة. على الصعيد ذاته، يرى الخبير الاجتماعي الكيلاني أن الشارع الفلسطيني "يتعامل أحيانا باشمئزاز ولا مبالاة مع هذه الأوضاع، ولذا يجب عليه رفض مثل هذه الظواه. وطالب الناس بالخروج إلى الشارع وإعلان رفضها لكل هذه الظواهر." ووفقا لتصريحات إبراهيم عازم فإن الشارع الفلسطيني "كان مخدوعا بسلاح المقاومة خاصة وأن هذا السلاح تم توجيهه ضد أبناء شعبنا بعد الانسحاب الإسرائيلي من غزة. وكان هناك اتفاق بين السلطة من جهة والفصائل الفلسطينية من جهة أخرى على وجود سلاح واحد في الشارع والفلسطيني وهو سلاح الشرطة، إضافة إلى الاتفاق على عدم توجيه ضربات لإسرائيل من داخل القطاع." واعتبر عازم أن الاستعراضات العسكرية التي يقوم بها مقاتلو حماس ما هي "إلا محاولة لفرض الحركة كسلطة ثانية." واعتبر عازم أن السيطرة على هذا الانفلات الأمني ممكنة في الضفة، وذلك لأن حالات الانفلات هي محدودة ولا يمكن تعميمها في داخل الضفة، لكن مشكلة الانفلات الأمني في غزة لا تنحصر على أفراد وإنما على الفصائل الفلسطينية مثل حماس التي لا تريد إلقاء السلاح.
زاهي علاوي ـ دويتشه فيله