إنتخابات السودان تغرقه في مزيد من الإنقسام والعزلة
٢ أبريل ٢٠١٠خلف قرار أحزاب المعارضة الرئيسية السودانية بمقاطعة الانتخابات الرئاسية والتشريعية التي تجري في البلاد ما بين 11 و13 ابريل نيسان 2010، خيبة أمل واسعة داخل السودان ولدى الهيئات الدولية التي كانت تتابع تطورات الأوضاع في هذا البلد. وكانت أحزاب المعارضة الرئيسية في البلاد قد نفذت تهديدها بمقاطعة الانتخابات إذا لم يتم تأجيلها من أجل توفير شروط النزاهة والشفافية وسلامة لوائح الناخبين. ويكتنف مصير استفتاء جنوب السودان المقرر مطلع العام المقبل، أيضا الغموض، ولاسيما بعد قرار الحركة الشعبية لتحرير السودان (المتمردين سابقا في الجنوب) بسحب مرشحها للانتخابات الرئاسية.
استمرار البشير في السلطة و"معزول دوليا"
تشكل مقاطعة خمسة أحزاب للانتخابات الرئاسية والتشريعية والمحلية قبل عشرة أيام من تنظيمها إشارة قوية على "فقدان الانتخابات لمبدأ أساسي فيها وهو المشاركة والمنافسة الديمقراطية"، كما يقول الدكتور عثمان أحمد خيري أستاذ الاقتصاد السياسي بجامعتي الخرطوم وويست مونستر البريطانية في حوار مع دويتشه فيله. وتكتسي خطوة أحزاب المعارضة تأثيرا عميقا على مجريات التجربة الديمقراطية التي تحظى بمراقبة المجتمع الدولي، فالأحزاب التي أعلنت مقاطعتها للانتخابات تتمتع برصيد سياسي تاريخي وحضور شعبي وخصوصا حزب الاتحادي الديمقراطي بالإضافة إلى حزبي الأمة الذي يتزعمه الصادق المهدي رئيس الوزراء الأسبق و"الشيوعي" بزعامة ابراهيم نقد. ويعتقد الدكتور خيري أن تنظيم الانتخابات في غياب هذه الأحزاب سيفسح المجال لاستمرار الرئيس الحالي عمر حسن البشير في السلطة لكن نظامه سيفتقد إلى" الشرعية الديمقراطية " التي كان يسعى لتحقيقها.
ويرى الدكتور خيري أن عزلة نظام الرئيس السوداني "ستزداد دوليا" بعد الانتخابات المقبلة، من جهته يعتقد رومان ديكارت، الخبير الألماني المتخصص في الشؤون السودانية بمنظمة " التعاون والانتقال" الألمانية ( مقرها برلين) بأن عزلة الرئيس البشير الدولية لم تكن بحاجة إلى هذه الانتخابات، بل تكرست منذ صدور مذكرة محكمة العدل الدولية ضده بتهمة مسؤوليته عن "جرائم ضد الإنسانية في دارفور".
وأوضح ديكارت في حوار مع دويتشه فيله بأن الدول الغربية "أرادت أن تكون الانتخابات مستجيبة للمعايير الدولية لانتخابات حرة ونزيهة. وان يكون هنالك اعتراف بها" وأضاف بأن عدم اعتراف أحزاب المعارضة والحركة الشعبية لتحرير السودان التي كانت شريكا في الحكم لحزب المؤتمر الوطني (حزب الرئيس البشير)، بشرعية الانتخابات الحالية ستشكل "خيبة أمل" بالنسبة للدول الغربية، وأيضا بالنسبة للسودانيين.
استفتاء جنوب السودان يكتنفه الغموض
وحول أبعاد قرار أحزاب المعارضة السودانية بمقاطعة الانتخابات الرئاسية والتشريعية والمحلية وسحب الحركة الشعبية لتحرير السودان مرشحها للانتخابات الرئاسية، على مستقبل عملية السلام في جنوب السودان، تتباين وجهتا نظر الخبيرين السوداني والألماني، وخصوصا بشأن مصير استفتاء الجنوب المقرر إجراؤه مطلع العام المقبل وفقا لاتفاقية السلام التي وقعتها الحكومة السودانية مع الحركة الشعبية لتحرير السودان منذ خمس سنوات في نيفاشا بكينيا.
بالنسبة للدكتور خيري فإن الاستفتاء سيكون "في محك صعب جدا والمرجح أن لا يتم" وفي تعليقه على تهديدات الرئيس البشير بعدم تنظيم الاستفتاء إذا تم تأجيل الانتخابات التشريعية والرئاسية، قال الدكتور خيري أن "الرئيس البشير كان يريد التأكيد على حرصه على تنظيم الاستفتاء مثل حرصه على إجراء الانتخابات في موعدها" لأن تنظيم الانتخابات مرتبط بالاستفتاء بمقتضى اتفاق السلام في الجنوب. ويتفق الخبير الألماني ديكارت مع الدكتور خيري في كون الرئيس البشير "جاد في موضوع تنظيم استفتاء الجنوب" لكنهما يختلفان في التوقعات المتعلقة بمصير الشراكة بين الحركة الشعبية وحزب المؤتمر الوطني الحاكم الذي يتزعمه الرئيس البشير وكلك بفرص إجراء الاستفتاء في ظل الانتخابات المطعون في مصداقيتها محليا ودوليا. فبالنسبة للدكتور خيري "تواجه الاستفتاء مجموعة ضخمة من المشاكل التي لم تحسم لحد الآن وتتعلق بنظام الاستفتاء ولوائح الذين يحق لهم المشاركة فيه" مضيفا أن"الحكومة التي ستنبثق من الانتخابات المقبلة ستكون أمام صعوبات لا حصر لها وسوف لن تجد القبول من الحركة الشعبية" متوقعا أن يؤدي ذلك إلى "مشاكل ومواجهات بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية أكثر بكثير مما حدث في الفترة السابقة".
من جهته يعتقد الخبير الألماني ديكارت أن استمرار الرئيس البشير في السلطة يحمل معه إشارات" ضمان" بالنسبة لسكان جنوب السودان بأن الاستفتاء سيجري كما كان متفقا عليه. ولاحظ بأن المشاكل بين شريكي الحكم حدثت في السابق أيضا وتم تجاوزها معتبرا أن قرار الحركة الشعبية سحب مرشحها الشمالي ياسر عرمان من الانتخابات الرئاسية يدعم جناح(داخل الحركة) دعاة انفصال الجنوب، وقد كانت إشارة من الحركة بأنها تخلت عن مفهوم " السودان الجديد" الذي كان مؤسس الحركة الراحل جون غرنغ قد دعا إليه إبان توقيع اتفاق السلام بين الشمال والجنوب.
وذهب بعض المراقبين للحديث عن وجود صفقة بين حزب البشير والحركة الشعبية تقوم على استمرار البشير في السلطة مقابل تعهده بإجراء استفتاء الجنوب وقبوله بنتائجه بما فيها الانفصال، لكن الحركة الشعبية سارعت لنفي هذه الاستنتاجات. وإن كان هنالك ما يدعمها حيث يتنامى، كما يقول الخبير الألماني ديكارت، الشعور والقناعة لدى قطاع مهم من سكان شمال السودان بأن "انفصال الجنوب لن يكون بالشكل المأساوي الذي كان ينظر له في السابق وأنه آن الأوان كي يمضي الجنوبيون في سبيلهم وبأن يدخر الجميع للمستقبل علاقة جوار طيبة".
مشكلة دارفور تلقي بظلالها على أوضاع السودان
ويتجه المشهد السياسي في السودان في ظل الانتخابات المرتقبة إلى مزيد من التعقيدات والانقسامات، فإلى جانب المشاكل المتوقعة بين الحكومة التي ستنبثق عن الانتخابات وأحزاب المعارضة الشمالية التي قاطعت الانتخابات، والغموض الذي يلف مصير استفتاء الجنوب، ما يزال ملف دارفو يلقي بثقله على الحالة السياسية في البلاد.
فدارفور الذي يقطنها حوالي 20 في المائة من سكان السودان وتعد ثاني أكبر أقاليم البلاد، تشهد مشاكل انتخابية كبيرة كما يقول المراقبون الدوليون، وقد أكدت مجموعة "الأزمات الدولية" في أحدث تقرير لها أن حزب الرئيس البشير ارتكب تجاوزات انتخابية "في سائر أنحاء السودان ولكن بشكل خاص في دارفور حيث عمل بحرية مطلقة على تنفيذ هذه الإستراتيجية كونها المنطقة الوحيدة في البلاد الخاضعة لنظام الطوارئ".
ورغم توصل الحكومة السودانية إلى اتفاقيات سلام مع بعض الحركات المتمردة، فإن بعضها يقاطع الانتخابات. ويعتقد الدكتور خيري أن "الحكومة السودانية لم تكن جادة في حل مشكلة دارفور سلميا وفي إطار انتقال سلمي للسلطة عبر الانتخابات، ولذلك فقد ألقت مشكلة دارفور بظلالها على الانتخابات وأعطت شرعية لأي طرف يقول انه لا يريد المشاركة في الانتخابات".
الكاتب : منصف السليمي
مراجعة: طارق أنكاي