اتفاقية شينغن الاوروبية: "لا حدود ولا قيود بعد اليوم"
تحتفل الدول الأوروبية هذه الأيام بمرور عشر سنوات على التوقيع على "اتفاقية شينغن"، تلك الاتفاقية التي أزالت الحدود بين 12 دولة اوروبية بالكامل. ففي 26 مارس/آذار 2005 قامت كل من المانيا، بلجيكيا، الدنمارك، فنلندا، فرنسا، اليونان، ايسلندا، ايطاليا، لكسومبورغ، هولندا، النرويج، النمسا، البرتغال، السويد واسبانيا بالتوقيع على معاهدة تسمح لمواطني هذه الدول والمقيمين فيها من الاجانب بالسفر منها واليها دون قيد أو شرط. وتعرف هذه الاتفاقية بهذا الاسم نسبة الى بلدة شينغن التي وُقََِعت فيها المعاهدة في لكسمبورغ. وكانت هذه الفكرة قد ولدت في أواسط الثمانينات عندما قامت ألمانيا وفرنسا ودول البينولوكس (هولندا، بلجيكا، لكسومبورغ) بالتوقيع على معاهدة اطلق عليها آنذاك "شينغين" وتم الاتفاق فيها على سياسات أمنية مشتركة وعلى ازالة الحدود بينها بشكل تديريجي، الا انها لم تدخل حيز التنفيذ الا في مارس/آذار 2005، ويشير البعض اليها بـ "شينغن 2" وذلك لتميزها عن "شينغن1" الموقعة عام 1985. يذكر أن بريطانيا والدنمارك وايرلندا هي من بين دول الاتحاد الاوروبي التي لم توقع على هذه الاتفاقية حتى الآن، كما أن النرويج وايسلندا وقعتا على الاتفاقية بالرغم من عضم عضويتهما في الاتحاد الاوروبي. ويعتزم كل من الاعضاء العشرة الجدد في الاتحاد الاوروبي وسويسرا الانضمام الى الاتفاقية في القريب العاجل. ومن أجل تحقيق ذلك تقدم الام
بلدة شينغن و الهوية الأوروبية
اصبحت بلدة شينغن، تلك البلدة الصغيرة التي لا يزيد عدد سكانها عن 400 نسمة، مزارا للسياح من جميع أنحاء القارة الأوروبية. وتكتسب هذه البلدة أهمية كبيرة بالنسبة للمواطنين والسياسيين الأوروبيين وذلك كونها المكان التي غرست فيه بذرة أوروبا الحديثة بالشكل الذي نعرفه اليوم. ولا يخفي أهل البلدة بالطبع سعادتهم الغامرة باختيار بلدتهم التي ربما لم يسمع بها أحد من قبل غيرهم، لتكون مسرحا لواحد من أهم الاحداث في تاريخ القارة الاوروبية، بالرغم من اعتبارهم أن اختيار شينغن لم يخرج عن كونه صدفة. اما من الناحية السياسية فان السبب الرئيسي في اختيار هذه البلدة الواقعة على ضفاف نهر الموزل وقتها فقد كان البحث عن نقطة تقاطع بين كل من فرنسا، ألمانيا، هولندا، لكسمبورج وبلجيكا، وبما أن لكسمبورغ كانت آنذاك الرئيس الدوري لمجلس الاتحاد الاوروبي، وقع الاختيار على احدى بلداتها. واليوم أصبحت هذه البلدة الصغيرة رمزا للهوية الاوروبية الموحدة، فالمسافر بين الدول الموقعة على الاتفاقية لا يحتاج لابراز اية اوراق ثبوتيه، الامر الذي يمنحه شعورا بالانتماء الى كل أوروبا وليس فقط لبلده الاصلي.
التعاون الأمني الأوروبي
لا يخفي المسؤولون الاوروبيون تخوفاتهم الامنية الناتجة عن فتح الحدود بهذا الشكل بين عدد كبير من الدول. ومن هنا كانت الحاجة ماسة لتطوير نظام معلومات مركزي يُمكن الدول الأعضاء من تبادل المعلومات الأمنية بينها. فولكر املر من قسم مراقبة الحدود في فرانكفورت/أودر يقول في هذا السياق: "ان نظام الحاسوب هذا يحوي على معلومات خاصة بالمجرمين، كذلك على أسماء الأشخاص الذين لا يسمح لهم بعبور الحدود الأوروبية أو الخروج منها، يضاف الى ذلك احتواءه على كم كبير من المعلومات المتعلقة بعمليات سرقة السيارات والأوراق والأموال وغيرها". الجدير ذكره أيضا ان الاتحاد الأوروبي عمل في الآونة الأخيرة الى بناء "نظام شينغن المعلوماتي 2" والذي من المفترض ان يحوي على اكبر كم من المعلومات التي من شأنها مواكبة توسع الاتحاد الأوروبي الذي وصل عدد أعضاءه الى 25 بلدا الآن. هذا وسيكون باستطاعة مراكز الشرطة والمخابرات الأوروبية بشكل عام استخدام هذا النظام مع بداية العام القادم، الأمر الذي واجه انتقادات من قبل الجهات المنادية بضرورة المحافظة على سرية المعلومات الشخصية. ومن الجدير بالذكر أن المفوضية الأوروبية كانت قد اقترحت أيضا إنشاء نظام الكتروني خاص بتأشيرات الدخول الى دول شينغن بحيث يحوي معلومات متعلقة بالمسافرين منها و إليها. الا ان هذا الاقتراح لم يحظ بعد بموافقة جميع الدول الأعضاء في الاتحاد .
من المستفيد ؟
على الرغم من التعاون الأمني وتبادل المعلومات المتعلقة بالمجرمين داخل أوروبا، الا ان عددا من السياسيين في بروكسل يقرون بان هذه الاتفاقية منحت مرتكبي الجرائم والجنح حرية تنقل اكبر داخل دول الاتحاد، خاصة في ظل اقتصار التعاون الامني على الحدود بين عدد قليل من الدول الأوروبية. اما المواطن الأوروبي العادي فيرى في حرية التنقل بين دول الاتحاد تقدما كبيرا على صعيد الحريات الشخصية، كما وجعل ذلك من ساعات الانتظار الطويلة على المعابر الحدودية بين تفحص الأوراق الثبوتية والحقائب وكذلك الجمارك ليس أكثر من ذكرى قديمة يشار اليها في كتب التاريخ فقط.