اقتصاد مصر 2025.. تدهور مستوى المعيشة يقلق حتى الطبقة الوسطى
٢ يناير ٢٠٢٥قبل أن يسدل عام 2024 أيامه، جلس أحمد علي، المدرس في إحدى المدارس الابتدائية في القاهرة، ليراجع مصروفاته الشهرية، لعله يجد بعض المال ليشتري ملابس جديدة لابنته الصغيرة كهدية مع بداية العام الجديد.لكن لسوء حظ ابنته، استنفذ أحمد، البالغ من العمر 40 عاما، راتبه.
وفي مقابلة مع DW عربية، قال: "تحركت أسعار الوقود ثلاث مرات خلال العام الجاري باتجاه الصعود، حتي وصل الارتفاع إلى 40 بالمئة في أجرة المواصلات". وأضاف "ارتفع سعر أنبوبة البوتاجاز (اسطوانة الغاز) ليصل في الوقت الحالي إلى 170 جنيها مقارنة بـ 120 جنيها في بداية العام 2024 وكذلك فاتورة الكهرباء و بناء عليه ارتفعت أسعار الملابس".
وعاني أحمد وغيره من أبناء الطبقة المتوسطة في مصر خلال عام 2024 من صعوبات اقتصادية مع تطبيق الحكومة برنامجا قاسيا للإصلاح الاقتصادي بالتعاون مع صندوق النقد الدولي، حصلت بموجبه على قرض يبلغ 8 مليارات دولار. ورفعت الحكومة المصرية في أكتوبر/تشرين الأول الماضي أسعار الوقود والمحروقات بنسبة تصل الى 17,5 بالمئة بعد أقل من ثلاثة أشهر على زيادة أخرى بنسبة 15 بالمئة، بينما بلغ معدل التضخم السنوي في أكتوبر/تشرين الأول الماضي 26,5 بالمئة.
ورغم ذلك، يرى الدكتور مصطفى بدرة، الخبير الاقتصادي من القاهرة، أن الاقتصاد المصري "حقق بعض النجاحات". وفي مقابلة مع DW عربية، قال الخبير بأن "صندوق النقد الدولي قام برفع توقعاته بشأن نمو الاقتصاد المصري إلى نحو 4 بالمئة أو أكثر في عامي 2025 و2026. وأرى أن مصر تحقق أداءً اقتصادياً جيداً، مع معدلات نمو معقولة في ظل التوترات اللوجستية والجيوسياسية في الشرق الأوسط".
وأضاف في هذا السيق " بأن الحرب بين روسيا وأوكرانيا والحرب في غزة أثرت بشكل سلبي على موارد قناة السويس. لكن أرى أن تحويلات المصريين جيدة، وهناك تحسن في قطاع السياحة والتصنيع، رغم أننا ما زلنا نواجه تحديات في زيادة القدرات الاقتصادية في قطاع الصناعة."
وتوقعت كريستالينا غورغييفا، مديرة عام صندوق النقد الدولي، نمو الاقتصاد المصري بنحو 5 بالمئة على المدى المتوسط. وقد تزامن هذا مع ارتفاع تحويلات المصريين من الخارج خلال فترة الأشهر التسعة الأولى من عام 2024 بنسبة 42.6 بالمئة على أساس سنوي، لتصل إلى نحو 20.8 مليار دولار، مقابل نحو 14.6 مليار دولار، في الفترة ذاتها من عام 2023. ويعمل ملايين المصريين في الخارج، وهم يرسلون قرابة 30 مليار دولار إلى البلاد سنويا. وتشكّل هذه التحويلات مصدرا أساسيا للنقد الأجنبي في مصر.
حزم الإنقاذ، هل تستمر؟
انتعشت حزينة الدولة المصرية مجددا في عام 2024 ، فقبل أيام من انتهاء العام وافق صندوق البنك الدولي تقديم شريحة بقيمة 1,2 مليار دولار ضمن قرض بمليارات الدولارات طالبت به القاهرة لسد النقص في الخزينة العامة. وفي مطلع العام، حصلت الحكومة المصرية على خمسة مليارات دولار في أواخر فبراير/شباط، وخمسة مليارات دولار أخرى في أوائل مارس/آذار من بيع حقوق تطوير مشروع رأس الحكمة على ساحل البحر المتوسط إلى أبوظبي ضمن صفقة ستصل قيمتها في النهاية إلى 35 مليار دولار.
وفي ذلك، قال تيموثي قلدس، نائب مدير معهد التحرير لسياسة الشرق الأوسط، إنه خلال عام 2024، تمكنت مصر من "تأمين عدد كبير من حزم الإنقاذ أو تقديم تعهدات بحزم مماثلة بإجمالي يقدر بحوالي 57 مليار دولار، والتي كانت في ذلك الوقت تعادل حوالي 16 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي لمصر".
وفي مقابلة مع DW عربية، أضاف قلدس بالقول: "لكن يبدو أن هذه التعهدات المالية أقل ارتباطا بمدى إظهار مصر التزاها بالإصلاح؛ إذ أنها ترتبط بشكل كبير بالقلق حيال عدم الانقاذ على ضوء المخاوف من حدوث انهيار الاقتصادي". وقال " إنه خلال محادثات مع المسؤولين الأوروبيين، أشار عدد منهم إلى أنهم لا يتوقعون بالضرورة أن تكون الحكومة ملتزمة حقًا بالإصلاح، لكنهم قلقون بشأن ما سيحدث إذا لم يقدموا الدعم المالي".
2025.. قلق اقتصادي
قبل نهاية العام 2024، قال رئيس الوزراء مصطفى مدبولي إن مصر سددت خلال العام الجاري 38.7 مليار دولار من الديون المستحقة عليها. وسعت الحكومة المصرية إلى بعث رسائل تحمل في طياتها طمأنة المصريين، لاسيما أبناء الطبقة المتوسطة؛ إذ أكّد في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي أنّ حكومته لن تتخذ أي قرارات قد تضيف "أعباء مالية" على المصريين خلال "الفترة المقبلة".
ورغم أن مدبولي لم يحدد هذه المدة، إلا أن حديثه يشير بشكل خاص إلى التعويم ورفع أسعار الوقود والخدمات المختلفة، بحسب خبراء. وخلال استقباله غورغييفا، أكد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على أن "أولوية الدولة هي تخفيف الضغوط والأعباء عن كاهل المواطنين، لاسيما من خلال مكافحة التضخم وارتفاع الأسعار".
ورغم هذا الكم الكبير من الرسائل التطمينية، إلا أن هذا لا يخفي حقيقة مفادها أن الكثير من المصريين يشعرون بالقلق إزاء تداعيات إقدام الحكومة على اتخاذ قرارات صعبة لا سيما "تعويم جديد" للجنيه المصري الذي فقد الكثير من قيمته خلال السنوات القليلة الماضية عبر أكثر من تعويم. وقال أحمد علي، المدرس في إحدى المدارس الابتدائية في القاهرة، "مش عارف لو حصل تعويم تاني ايه اللي هيحصل للأسعار".
ومنذ أن وقعت القاهرة اتفاقية قرض بقيمة ثمانية مليارات دولار مع صندوق النقد الدولي في السادس من مارس آذار، جرى تداول العملة المصرية عند مستويات أدنى قليلا من 50 جنيها للدولار. وشهد سعر صرف العملة المحلية تراجعا بشكل ملحوظ في الأيام القليلة الماضية، إذ تخطى الدولار عتبة الخمسين جنيها وبلغ مستويات غير مسبوقة.
وبموجب الاتفاقية تعهدت مصر بالسماح لعوامل العرض والطلب بتحديد قيمة العملة. وشهد الشهر الماضي بعض التحركات في اتجاه تخارج الدولة من الشركات حيث باعت الحكومة 30 بالمئة من أسهم البنك المتحد، في حين أعلنت اعتزامها طرح 10 شركات بينها 4 شركات تابعة للجيش في البورصة أو للمستثمرين خلال العام المقبل.
القرارات الاقتصادية المقبلة؟
ويرى الخبير الاقتصادي د. مصطفى بدرة أن الحكومة المصرية سوف تمضي قدما خلال عام 2025 في "برنامج الإصلاح الاقتصادي مع صندوق النقد الدولي. وفي حديثه مع DW عربية، يعتقد بدرة "أن من أهم القرارات سيكون الدعم النقدي كجزء من البرامج الخاصة بالسلع التموينية. أتوقع أن يتم تطبيق هذا خلال النصف الأول من العام المقبل، على بعض المحافظات. ستكون هذه التجربة الأولى في 2025 لتحويل الدعم النقدي بدلاً من الدعم العيني".
وذكرت وكالة رويترز في تقرير نشر في سبتمبر/أيلول الماضي إلى أن الحكومة تخطط لتحويل محتمل في منظومة الدعم النقدي بشكل مباشر بدلا من تقديم منتجات غذائية بأسعار مخفضة. وتنفق مصر نحو 370 مليار جنيه (7.6 مليارات دولار) على الدعم وفقا لبيان موازنة 2025/2024، إذ تذهب 36 بالمئة منها لدعم الغذاء.
ويعتمد الكثيرون في مصر على الدعم أو ما يُطلق عليه "التموين" خاصة مع ارتفاع أسعار المواد الغذائية. وربط خبراء ألية الدعم النقدي بوضع شروط ومعايير واضحة لتحديد الفئات المستهدفة. وتساءل تيموثي قلدس، نائب مدير معهد التحرير لسياسة الشرق الأوسط، "هل يتوقع المصريون العاديون تحسن حياتهم" خلال 2025.
وأضاف "للأسف، لا أعتقد أنهم يستطيعون. واحدة من الأمور المؤسفة حقا حول الإنفاق (الحكومي) تتمثل في أن المساعدات النقدية للفقراء أقل بكثير من احتياجات الفقراء". وقال "إذا نفذت مصر جميع الإصلاحات التي اتفقت عليها مع صندوق النقد الدولي والمفوضية الأوروبية، فإن أفضل سيناريو لمعظم المصريين سيتمثل في أن التدهور في مستوى معيشتهم الاقتصادي سيتباطأ. لكنه لن يتحسن. سوف يزداد الأمر سوءًا، ولكن ببطء أكثر".