الثورة لحظة بلحظة: فيديوهات الهواة وتعاظم دورها في سوريا
٢٧ فبراير ٢٠١٢أدرك المغني ومؤلف الأغاني الأمريكي جيل سكوت هيرون قبل عدة عقود أهمية الصورة. في أغنيته القديمة "الثورة لن تبث تليفزيونيا" والتي كتبها عام 1971 يروي سكوت هيرون الصعوبة التي كان يلاقيها الأمريكيون السود ليجدوا لأنفسهم مكانا في مجتمع الأغلبية البيضاء بالولايات المتحدة.
استهدف نقده وسيلة الإعلام الأمريكية الأكثر تأثيرا على الإطلاق وهي التليفزيون. وكان واضحا بالنسبة للمطرب والشاعر الأمريكي الأسود أن التليفزيون يبث مظاهر الحياة من وجهة نظر الأغلبية البيضاء بدون توقف، ليساهم بذلك في تأكيد وجهة نظرهم، بينما يتجاهل تماما الواقع الآخر، الذي يعيشه الأمريكيون السود، وأسهم بذلك في حدوث مشكلة حاسمة في أمريكا.
تصور جديد
وبعدها بأربعة عقود وقعت الثورة السورية التي أصبحت خير مثال على التغير الذي لحق بالتليفزيون كوسيلة إعلام، والتي كانت حينذاك نظام إرسال واستقبال سمعي بصري على وجه واحد.
بالطبع لا تزال وسائل الإعلام السورية مسيطر عليها من قبل النظام الحاكم ولا تنقل إلا ما تقره الحكومة، ولكن علينا فقط أن ننبش تحت السطح لندرك أن الثورة السورية يتم بثها بالفعل وإن كانت تبث بشكل مختلف عما تصوره الكثيرون قبل سنوات من الآن.
لقد قام النظام الحاكم في سوريا فعليا بطرد جميع الصحفيين الأجانب، وما يصل للعالم من سوريا من أحداث يستند إلى تقارير يبثها السوريون أنفسهم من أماكن الأحداث.
إنها فيديوهات الهواة السوريين التي تفضح بصراحتها ومباشرتها فظائع النظام الحاكم في سوريا، لقد نجحت هذه الفيديوهات في لفت انتباه الرأي العام العالمي المتردد إزاء الصراع في سوريا.
على موقع يوتيوب وحده، الذي يعد بوابة الفيديوهات على شبكة الانترنت، تجد 100 ألف مقطع فيديو تسجل أحداث الانتفاضة في سوريا. وهناك مواقع متخصصة مثل صفحة دعم الثورة السورية على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك والتي وصل عدد المشتركين فيها إلى ما يقرب من 400 ألف مشترك. عشرات الفيديوهات وغيرها من الوصلات تنقلك إلى بوابات أخرى تحتوي بدورها على كل الفيديوهات تقريبا.
بث مباشر إلى جميع أنحاء العالم
يرجع الفضل في ذلك بالتأكيد إلى السويدي مانس أدلر البالغ من العمر 30 عاما والذي استحدث في عام 2007 تقنية البث الحي على الانترنت باستخدام الهواتف المحمولة المعروفة باسم بابموزر (Bambuser.)
يستخدم هذه التقنية السويدية الأصل اليوم ما يزيد على مليون مستخدم نشط ويقوم هؤلاء ببث مباشر للفيديوهات على شبكة الانترنت عن طريق الهواتف المحمولة أو عن طريق الويب كام أو كاميرا الانترنت، حيث يتم بث الفيديوهات على مواقع التواصل الاجتماعي فيس بوك وتويتر أو على الصفحة الرئيسية لموقع بامبوزر.
ومنذ أن تصاعدت حدة التوتر في سوريا لوحظت زيادة واضحة في عدد الفيديوهات. ويتم حاليا بث ما يزيد عن 1000 فيديو يوميا عن الأحداث في سوريا على موقع بامبوزر كما يقول أدلر. وتصل فيديوهات الهواة التي تبث من سوريا إلى الجمهور العريض من المشاهدين أيضا، وذلك لأن وكالات الأنباء العالمية مثل أسوشيتدبرس ورويترز وسي إن إن والجزيرة تقوم بعرض ما يتاح لها من هذه الفيديوهات.
تقنية ديمقراطية
حينما ابتكر أدلر خدمة البث الحي على الانترنت المعروفة باسم بابموزر Bambuser قبل خمس سنوات لم يكن يتخيل أن بامبوزر سيصبح وسيلة هامة بالنسبة للشباب العربي في كفاحهم ضد الأنظمة الحاكمة. لقد كانت الخدمة في بادئ الأمر مجرد نوع جديد أنيق من التواصل المباشر، ولكن في الواقع وضع وقتها بالفعل الأساس لهذا الشكل الحالي من استخدام التقنية، وفقا لما يقوله أدلر.
ويتذكر أدلر قائلا: "لقد كانت مهمة من أجل دَمَقرطة التكنولوجيا عن طريق مقاطع البث المباشر".
ويواصل السويدي أدلر كلامه موضحا أنّه فكر وهو طالب في ثلاثة سيناريوهات محتملة لتقنيته الجديدة. في واحد من هذه السيناريوهات استخدم مواطن عراقي اسمه محمد التقنية الجديدة لبث مقاطع فيديو حية لجنود قاموا بقتل مواطنين أبرياء بالرصاص أثناء حرب العراق.
ويعلق أدلر قائلا: "إذن لقد كان هناك منذ البداية سيناريو مشابه في المفهوم لما يحدث حاليا".
وعن طريق إتاحة الفرصة لمستخدمي الهواتف المحمولة لبث فيديوهاتهم مجانا على شبكة الانترنت استطاع أدلر وغيره من مطوري تقنيات البث الحديثة، أن يقضي على واحدة من أصعب العقبات التقنية والتي كانت تسمح لأنظمة الحكم الاستبدادية حتى ذلك الوقت في احتكار محتوى الفيديوهات والحد من انتشارها.
الكفاح من أجل حقوق الإنسان عن طريق نشر الفيديو
إلا أن تعميم استخدام الفيديوهات لتوثيق انتهاكات حقوق الإنسان يعود الفضل فيه إلى بيتر غابرييل. حيث أسس المغني البريطاني قبل عشرين عاما مع ناشطين آخرين منظمة "ويتنس" والتي تعني بالعربية "شاهد" لحقوق الإنسان في مدينة نيويورك. وكان هدف المنظمة هو إثبات وإدانة انتهاكات حقوق الإنسان بمساعدة مقاطع فيديو مسجلة.
ويقول كريس ميشائيل مدير تدريب في منظمة ويتنس: "لا يمكننا أن نؤكد بشكل واضح وكاف مدى التغير الكبير الذي اعترى استخدام الفيديوهات في السنوات العشرين الأخيرة."
وعندما ظهرت أولى كاميرات الانترنت (ويب كام) في الأسواق ونتيجة للتكلفة المرتفعة لهذه الكاميرات في ذلك الوقت والمشاكل التي كانت تظهر عند نقل المادة الفيلمية، اكتفت منظمة ويتنس في المقام الأول بتوفير المعدات المتاحة وتعليم النشطاء كيفية استخدامها.
واليوم وبعد عشرين عاما، لم يعد أمرا عاديا فقط أن يحمل الكثير من الأشخاص كاميرات فيديو في جيوب سراويلهم بل أصبح من السهل جدا حتى على الأطفال استخدام تقنيات حديثة مثل بامبوزر لبث الفيديوهات المباشرة لحظة بلحظة.
لم تعد ويتنس الآن توفر المعدات أو توضح طريقة استخدامها، فالخدمة تقدم شروحا للشروط الواجب توافرها في الفيديوهات ذات الصلة بالقضاء وتعطي إرشادات عملية لتجنب العقوبات على توثيق انتهاكات حقوق الإنسان.
يقول ميشائيل: "نحن نوجه مستخدمي الخدمة إلى المخاطر الأمنية في حال وقوع هذه المقاطع في يد ألد الأعداء"
ويواصل ميشائيل قائلا: "نعمل اليوم أيضا من أجل استحداث أدوات جديدة تمكن المستخدم من طمس معالم الوجه في الفيديو. فعن طريق التطبيق المعروف باسم 'Obscuracam' لا يستطيع المستخدم فقط إخفاء معالم الوجه حتى يتم حماية هويات من يظهرون في الفيديو الحي، بل إن الخدمة تعمل أيضا على تطوير إمكانيات لتشفير المحتوى الفيلمي للفيديو بأكمله"
وتتيح منظمة ويتنس لمتتبعيها على موقع تويتر والذين يتخطى عددهم 325 ألف شخص الوصول إلى عدد كبير من فيديوهات الثورة السورية.
انكشفت الحقيقة
يجد نظام الأسد نفسه الآن في مواجهة عشرات من الفيديوهات التي توثق الأعمال الوحشية لنظامه الحاكم. لقد أصبح من المستحيل منع المواطنين في سوريا من بث الفيديوهات.
ويتوقع أدلر أن النظام في سوريا يحاول التقليل من قدرة الإنترنت هناك حتى لا يتمكن المعارضون من استخدامه. ولكن أصبح واضحا للحكام المستبدين أن الحقيقة قد انكشفت ولم يعد بالمقدور إخفاؤها.
ويؤكد مؤسس بامبوزر أنه "بعدما تم منعنا في مصر في العام الماضي أدركت هذه الدول أنها إذا حظرت منظمات غربية معينة فإنها ستتعرض لضغط كبير من قبل المجتمع الدولي."
ويكمل الحقوقي كريس ميشائيل قائلا: "لقد زاد عدد تقارير الفيديو الشخصية منذ تصاعد حدة التوتر في سوريا في الأسابيع الماضية"
ويحكي كريس عن فيديو أثر فيه بشكل خاص: حيث يظهر الفيديو طفلا صغيرا يبلغ من العمر تسع سنوات يحمل ضمادة على قلبه وممددا على الطاولة وسط حجرة، وبينما نسمع في الخلفية أصوات بكاء يحكي رجل ما حدث لابنه وهو مستغرق في البكاء أيضا. وفجأة ينزع الأب الضمادة لنجد أن الرصاصة قد أصابت الطفل في صميم قلبه. ويوجه الرجل نداءا مباشرا إلى الحكومة الروسية من أجل وقف إراقة الدماء في سوريا.
ويقول ميشائيل:"ما يتعلق بحقوق الإنسان في الفيديو فإنه بالفعل تجربة لم يسبق لها مثيل. والسوريون روّاد في هذا المجال."
ميشائيل كنيغه/ صلاح شرارة
مراجعة: عبد الرحمن عثمان