الرياضة بين المنظور الديني والموقف الشخصي
٤ ديسمبر ٢٠١٢تتذكر المعلمة غابرييليه كريمكو جيدا لاعبتين شابتين موهوبتين في كرة السلة وألعاب القوى وتقول: "لو انضمت البنتان لأحد النوادي الرياضية لحققتا نجاحات باهرة "، وتضيف معلمة الرياضة كريمكو قائلة. "غير أن والديهما رفضوا السماح لهما بممارسة الرياضة"، حيث تعيش البنتان في محيط أسروي متدين.
وترفض المعلمة غابرييليه كريمكو الإعلان عن أسم الطالبتين، وهي تعلم أنه لا يمكن الحكم على العموم انطلاقا من هذين المثالين فقط. المعلمة كريمكو عملت منذ بداية حياتها المهنية تقريبا في مدرسة كارل فون أوسييتسكي في منطقة كرويتسبيرغ، وهي إحدى أكبر المدارس في العاصمة الألمانية. ففيها يقوم 120 معلما بتدريس1300 تلميذ. حوالي 90 بالمائة من هؤلاء التلاميذ ينحدرون من أصول أجنبية. ورغم معرفة المعلمة كريمكو بالمشاكل الاجتماعية التي تواجهها مثل تلك الأسر تفصيلا، فإنها لا ترغب أساسا في الحديث عن تلك المشاكل، وإنما تود تقديم مقترحات بهدف حلها. ولذلك فهي تأمل في أن يقرر المشرفون سياسات تعليمية جديدة تسمح " بتخصيص خمس حصص من مادة الرياضة للتلاميذ في كل أسبوع".
أكثر الفتيات المسلمات من خلفية تركية
هناك دراسات علمية تؤكد أن الرياضة تساهم في تشجيع التسامح والروح الجماعية. كما تساهم ممارسة الجمباز أو لعب كرة القدم في تقوية ثقة التلاميذ بأنفسهم، حيث يمكنهم عبر ذلك الاستفادة أيضا من دروس أخرى مثل الرياضيات والجغرافية. وتقول المعلمة كريمكو: "لا يجوز أن نقيم الأديان بغوغائية، وإنما من الضروري أن ننظر إلى القضايا العقائدية بجدية". هذا الموقف يشمل أيضا موضوع ارتداء الحجاب.
يقدر عدد الفتيات المسلمات في ألمانيا بحوالي 400 ألف، وأغلبهن من أصل تركي. بالمعدل ترتدي الحجاب خمس فتيات في كل قسم بالمدرسة، وحتى في دروس الرياضة أيضا. وتجري غابرييليه كريمكو نقاشات كثيرة مع الأولياء بهدف توضيح مزايا دروس الرياضة.
مادة الرياضة في المدرسة أقل أهمية
يمنع كثير من الأولياء بناتهم من المشاركة في دروس السباحة. فهم يعتبرون أن حركاتهن في الماء قد تثير انتباه الحاضرين من الذكور. ويؤثر هذا الوضع سلبيا على مواقف الفتيات، فهن لايردن من جهة الدخول في مواجهات مع الأولياء، ومن جهة أخرى فهن لا يردن الانعزال عن زملائهم في القسم وعدم المشاركة في دروس الرياضة. وكثيرا ما يلجأن إلى ارتداء بنطلونات وألبسة خفيفة خلال فترة دروس السباحة. حوالي 25 بالمائة من مجموع التلاميذ والتلميذات في مدارس حي كرويتسبيرغ لايعرفون السباحة أما نسبتهم في حي تسيليندورف البورجوازي فتتأرجح في مستوى خمسة بالمائة فقط. وتقول المعلمة غابرييليه كريمكو. "لا يجوز أن نمارس الضغط على أحد لدفعه إلى تقديم إنجازات رياضية ممتازة" ملاحظة أنه "ينبغي أن تثير الرياضة مشاعر السرور".
"للأسف لا تولي كل المدارس أهمية كبيرة لمادة الرياضة"، كما تقول كريمكو، مشيرة في بهذا الصدد إلى أن المعلمين مجبرون على بذل جهود متزايدة. وفي بعض الأحيان من الضروري إلغاء الدروس بسبب قلة عدد المعلمين. وتأسست في مدرسة كارل فون أوسييتسكي أندية لكرة السلة وكرة الريشة والكرة الطائرة. ويتمتع نادي كرة القدم للفتيات بجاذبية خاصة داخل المدرسة.
مشاكل لغوية وبيروقراطية
"ينتقل الحماس لممارسة الرياضة في بعض الأحيان من الوالدين إلى الأطفال. وفي هذه الحالة تصبح الرياضة أمرا طبيعيا بالكامل"، كما يقول الخبير في شؤون التعليم الرياضي أولف غيبكين من جامعة أولدينبورغ الذي يشجع على تنفيذ مشاريع خاصة بلاعبات كرة القدم من أصل أجنبي وذلك بالتعاون مع اتحاد كرة القدم الألماني. ويحظى هذا التعاون بين المدارس والأندية الرياضية باحترام كبير على صعيد ألمانيا بأسرها.
كثيرا ما تجد المدارس بعض الصعوبات في إثارة اهتمام التلميذات المسلمات بالرياضة.وينطبق ذلك أيضا على الأندية الرياضية. وتوضح دراسة قامت بها جامعة فرانكفورت، أن حوالي خمسة بالمائة من المهاجرين الراشدين ينتمون إلى أندية رياضية. إلا أن نسبة عدد المنخرطين من بين بناتهم أقل من ذلك. وبينما تعتبر الأندية الرياضية في بعض الدول الإسلامية محيطا خاصا بالرجال فقط، تؤدي المشاكل اللغوية والبيروقراطية في ألمانيا إلى عدم انخراط الأطفال المسلمين في النوادي الرياضية. يضاف إلى ذلك أن عددا كبيرا من الأسر من أصل أجنبي لا يستطيع دفع تكاليف العضوية. وكثيرا ما تبدأ ممارسة الرياضة إلا خلال التعليم المدرسي.
الجيل الجديد والثقة بالنفس
يعتبر اتحاد كرة القدم في برلين مثاليا فيما يخص برامج دمج المهتمين من أصل أجنبي . "كنا مستعدين للاعتراف بالأخطاء المرتكبة وتبني أفكار جديدة"، كما يقول غيرد ليزيغانغ نائب رئيس الاتحاد الذي يسكن منذ أكثر من 30 عاما في حي كرويتسبيرغ. وهذا الإتحاد هو أول اتحاد في ألمانيا قام بتعيين مفوض لشؤون الاندماج من أصل تركي.
المعلمة غابرييليه كريمكو ورئيس الإتحاد أولف غيبكين وغيرد ليزيغانغ يعلمون جيدا أن هناك مسلمات من جيل جديد يرتدين الحجاب كرمز لهويتهن وليس كرمز للقمع. ويدرك عدد كبير من الاتحاديات والأندية الرياضية وجود تحديات جديدة بسبب التغير السكاني في ألمانيا. وهو ما عبر عنه تيو تسوانتسيغير الرئيس السابق لاتحاد كرة القدم الألماني عندما قال: "لا يجوز أن تفقد رياضة كرة القدم فتاة فقط لأنها ترتدي الحجاب".