السياسة الخارجية للحكومة الألمانية بين الاشادة والنقد
١ مارس ٢٠٠٦قبل مائة يوم وفي أول خطاب لها بعد توليها منصب المستشارية تطرقت انجيلا ميركل إلى السياسة الخارجية للحكومة الألمانية، وذلك من أجل وضع خطوط عريضة وثوابت مبدئية لسياسة ألمانيا. وتحرص برلين بشدة على القيام بدور ألماني فاعل في خلق سياسة أمنية أوروبية موحدة، ضمن إطار حلف الأطلسي. كما ان ميركل سبق وأن صرحت في وقت سابق أن على أوروبا أن تكون قادرة على "الأخذ بزمام الأمور على صعيد السياسة الأمنية" في دور مكمل لحلف شمال الأطلسي الذي ترى فيه ميركل الركيزة القوية للأمن الأوروبي المشترك. لكنها لا ترى في ذلك ضرورة ان يحل الاتحاد الأوروبي محل الناتو، بل ترى ان على الاتحاد الأوروبي أن "يشكل دعامة للتحالف وتقوية له". كما تطرقت ميركل أكثر من مرة إلى عمل ألمانيا لإعادة ذلك التعاون ليشمل جوانب اكبر "لم يشملها بعد". الجدير بالذكر انه بالرغم من إجماع حلف شمال الأطلسي على ان يأخذ على عاتقه مهمة تثبيت الأمن في أفغانستان بعد ان قامت الولايات المتحدة بشن حرب لإسقاط نظام طالبان، إلا انه شهد انقسامات حادة بين أعضاءه فيما يتعلق بشرعية الحرب على العراق التي رفضتها ألمانيا ولم تقم بتقديم الدعم العسكري للولايات المتحدة شريكتها في الحلف.
إعادة الدفء إلى العلاقات مع واشنطن
وبالرغم من محاولة المستشارة الألمانية خلال الأيام المائة الماضية العودة بألمانيا إلى حظيرة الناتو إلا ان هناك كثير من العوائق، التي مازالت تقف أمام هذه الجهود، وقد تكون أولها قضية معتقل غوانتانامو الذي انتقدت وجوده ميركل صراحة في أكثر من مناسبة، بل إنها رأت في لقاءها الأخير في كانون الثاني/ يناير الماضي مع الرئيس الأمريكي جورج بوش في واشنطن فرصة لتوجيه النقد فيما يتعلق بالممارسات التي تحدث داخله. ناهيك عن المطالبات الألمانية بإغلاق المعتقل الذي ترى ان وجوده لا يتناسب مع قوانين حقوق الإنسان فحسب بل مع قوانين الولايات المتحدة ذاتها. وتعهدت ميركل بالعمل مع الرئيس الأمريكي بعد ثلاثة أعوام من الخلاف الذي وقع بين البلدين بشأن الحرب على العراق في فترة حكم المستشار السابق غيرهارد شرودر. أما واشنطن فقد رحبت بمبادرة برلين بفتح صفحة جديدة من أولوياتها إيجاد أرضية مشتركة للاتفاق على قضايا عدة أهمها مجابهة الطموحات النووية لطهران وفرض الاستقرار في أفغانستان والعراق، حيث تقوم ألمانيا بتنظيم برنامج خاص لتدريب الشرطة العراقية، والذي يشكل إيقافه احد المطالب الرئيسية لخاطفي المهندسين الألمانيين في العراق.
موقف ألمانيا من طموحات إيران النووية
بالرغم من تلميحات ميركل بإمكانية القيام بعمل عسكري ضد إيران لوضع حد لطموحات طهران النووية ونشاطاتها التي تثير مخاوف غربية وأمريكية من السعي إلى تطوير أسلحة نووية، فإن ميركل مازالت ترى في السبل الدبلوماسية حلاً كاملاً للازمة، حتى وان كان على أصعدة دبلوماسية أعلى. الأمر الذي يفسح المجال للحديث عن بوادر نشوب خلاف في الائتلاف الحكومي الموسع الذي تقوده ميركل. إذ رأى بعض المراقبين السياسيين ان الحزب الاشتراكي الديمقراطي اخذ ينظر بشيء من عدم الرضا إلى موقف ميركل في التعامل مع الأزمة مع إيران. ففي تصريحات لرئيس الحزب ماتياس بلاتسيك لجريدة فرانكفورتر زونتاغ تسايتونغ قال: "ان الحل العسكري للازمة غير مطروح على طاولة المفاوضات"، التي توقفت أمام الإصرار الإيراني على مواصلة تخصيب اليورانيوم في منشأتها النووية، وهو ما قاد محاولات الترويكا الأوروبية إلى الفشل في إيجاد مخرج من الازمة التي ما تزال تتجه للتصعيد يوماً بعد آخر. الأمر الذي أوصل الترويكا الأوروبية الى قناعة مفادها عدم جدوى مواصلة المفاوضات مع إيران في إطار الوكالة الدولية للطاقة الذرية التي أجرتها ألمانيا وبريطانيا وفرنسا على مدى سنتين من اجل حث إيران على تخليها عن برنامجها النووي مقابل تعويضات اقتصادية. وهو ما دعا ألمانيا إلى دعم قرار لدول الفيتو ينص على إحالة الملف الإيراني إلى مجلس الأمن الدولي من اجل مزيد من الضغط عليها.
العلاقات مع الشريك الروسي
الجدير بالذكر ان برلين تتفق مع روسيا على "دعم علاقات الشراكة الاستراتيجية" بين البلدين. وكما صرحت ميركل عقب لقاءها بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين في موسكو، فإن برلين تدعم مشروعاً روسياً تتفاوض حوله موسكو مع طهران لتخصيب اليورانيوم الإيراني على الأراضي الروسية. فقد تم التوصل هذا الأسبوع إلى "اتفاق مبدئي" حول المشروع رحبت به إيران. وقللت روسيا من شأن هذا الاتفاق ولم تعتبره سوى "خطوة صغيرة" إلى الأمام قياساً بالوقت المتبقي لإحالة الملف الإيراني إلى مجلس الأمن في السادس من الشهر القادم. هذا ويرى بعض المحليين الألمان ان ميركل، التي دعت حزبها المسيحي الديمقراطي إلى إصدار بيان واضح يُضم إلى دستور الحزب ويعترف بحق إسرائيل في الوجود، كرد على التصريحات السابقة للرئيس الإيراني محمود احمدي نجاد المتعلقة بتدمير إسرائيل، قد بالغت في انتقاد إيران عندما شبهت الرئيس الإيراني بهتلر.
حماس ومساعدات مشروطة
بعد فوز حماس في الانتخابات التشريعية الفلسطينية أعلنت ميركل قبيل زيارتها إلى المنطقة في كانون الثاني/يناير أنها ستقوم بممارسة الضغط على السلطة الفلسطينية لكي تعترف حماس بحق إسرائيل في الوجود وتحترم الاتفاقات الموقعة بين الفلسطينيين وإسرائيل بالشكل الذي من شأنه عدم تهديد عملية السلام ودفع عجلتها إلى الأمام، إضافة إلى تخليها عن العنف ضد إسرائيل. ميركل التي رفضت لقاء قادة حماس في زيارتها ترى ان استمرار المساعدات الأوروبية للفلسطينيين مرهوناً بشروط معينة لا بد من قبولها كضمان لاستمرار المعونات الأوربية. وهو ما فتح المجال أمام تصلب في الموقف الألماني خصوصاً والأوروبي عموماً فيما يتعلق بقبول الحكومة التي شكلتها حماس والتعاون معها. الأمر الذي رفضته حماس لأنه يتعارض مع ميثاقها وبرنامجها السياسي الذي حصلت بموجبه على أصوات اكبر عدد ممكن من الناخبين الفلسطينيين.