العواصف الشمسية..خطر قادم من الفضاء
١٧ يناير ٢٠١٤ترقب العالم مع حلول هذا العام ما قد ينتج عن العاصفة الشمسية التي حدثت في السابع من شهر كانون الثاني/ يناير الجاري، إذ كان من المتوقع أن تترك آثاراً مدمرة على قطاعات متعددة كالكهرباء والاتصالات. وذلك على غرار ما حدث في 13 من مارس/ آذار عام 1989، إذ عانى قرابة 6 ملايين مواطن في مقاطعة كيبيك الكندية من انقطاع في التيار الكهربائي، دام مدة 9 ساعات، نتيجة التغير في مجال الأرض المغناطيسي إثر عاصفة شمسية.
لكن، ولحسن الحظ فقد كانت العاصفة الأخيرة محدودة التأثير، فقد تمّ، وعلى سبيل الاحتياط، تحويل بعض الرحلات الجوية المتجهة إلى المناطق القطبية، كما تم تأجيل إطلاق مركبة فضائية إلى محطة الفضاء الدولية.
وأعلن المركز الألماني للأبحاث الجيولوجية في مدينة بوتسدام أن التغيرات التي قيست مطلع هذا العام في المجال المغناطيسي الأرضي بسبب العاصفة الشمسية، كانت ضمن الحدود المعتدلة.
تغير في المجال المغناطيسي
من المعروف أن حرارة الشمس الداخلية تقدر بملايين الدرجات المئوية، وتتولد هذه الحرارة نتيجة اندماجات نووية، إذ يحدث خلال الثانية الواحدة اندماج ملايين الأطنان من عنصر الهيدروجين، ليتحول إلى هيليوم. وبسبب هذه الحرارة الشديدة، تتدفق بعض الجزئيات المشحونة من سطح الشمس، مشكلة ما يسمى "الرياح الشمسية". وبما أن الشمس من الناحية الفيزيائية تمر بفترات نشاط وخمول دوريين، تحدث خلال فترات النشاط الشمسي انبعاثات قوية جداً في مناطق معينة على سطح الشمس، تسمى "الانبعاثات الكتلية الإكليلية".
وتكون هذه الانبعاثات محملة بالجسيمات المشحونة من إلكترونات وبروتونات وبتركيز أعلى من الرياح الشمسية. ولدى اقتراب هذه الجسيمات من الغلاف الجوي للأرض، فإنها تحدث تغييراً في المجال المغناطيسي الأرضي. وإذا كان التغيير الحاصل في المجال المغناطيسي كبيراً، فإن ذلك ينعكس سلباً على بعض الأنظمة التكنولوجية. كما أنه يتعين أحياناً تحويل بعض الرحلات الجوية المتجهة نحو القطبين، إذ أن تأثير هذه الظاهرة يبدو جلياً في قطبي الكرة الأرضية.
تأثير تغير المجال المغناطيسي
وتشكل العواصف الشمسية خطورة على الأنظمة التكنولوجية، إذ أنها تتأثر بتغير المجال الكهرومغناطيسي. وتعتبر أنظمة الاتصالات اللاسلكية المعتمدة على طبقة الأيونوسفير"الطبقة المتأينة" أحد أكثر الأنظمة عرضة لهذا التأثر. وطبقة الأيونوسفير هي إحدى طبقات الغلاف الجوي العليا، التي تحوي إلكترونات حرة وأيونات مشحونة، ولذلك تستخدم في مجال الاتصالات لعكس الأمواج الراديوية.
وبسبب كون هذه الطبقة تتأثر بأي تغير في المجال المغناطيسي، فإن هذا بدوره يؤثر على أنظمة الاتصالات، ما يؤدي إلى حدوث تشويش أو انقطاع فيها خلال العاصفة الشمسية. وتعتبر أنظمة الملاحة كذلك مثل نظام "جي بي إس" العالمي مثالاً آخر على الأنظمة التي تتأثر بالعاصفة الشمسية، إذ أن دقة تحديد المواقع فيها تعتمد على الإشارات الراديوية التي تمر خلال طبقة الأيونوسفير.
وفي هذا الصدد يشير الدكتور كلاوس بورغر أستاذ العلوم الفيزيائية والرياضية والفلكية في جامعة بون الألمانية إلى إمكانية تعطل أنظمة الملاحة، إذا كان التغير الحاصل في المجال المغناطيسي كبيراً. ويمتد تأثير العاصفة الشمسية كذلك إلى أنظمة توليد الطاقة الكهربائية ونقلها، إذ أن تغير المجال المغناطيسي يولد تيارات كهربائية مستمرة في أسلاك نقل الطاقة الكهربائية، مما قد يسبب أضراراً لها وللمولدات والمحولات الكهربائية.
دورة كل 11 عام
وقد اكتشف عالم الفلك الألماني صمويل هاينريش شفابه عام 1843 أن النشاط الشمسي يخضع لدورة منتظمة، إذ يبلغ ذروته كل 11 عاماً. وبناء عليه، فقد كانت العاصفة الشمسية الأخيرة متوقعة الحدوث منذ عدة أشهر.
ويمكن مشاهدة تأثير العاصفة الشمسية في المناطق القطبية للأرض، فعند اقتراب الجسيمات المشحونة من الغلاف الجوي للأرض يحاول المجال المغناطيسي الأرضي إبعادها، لينحرف مسارها باتجاه القطبين وتتفاعل مع ذرات الهواء في طبقات الجو العليا، مشكلة مزيجاً من الألوان الخلابة فوق القطبين، تسمى ظاهرة "الشفق القطبي".
وإذا كانت الانبعاثات الشمسية قوية جداً، فإنه يتسنى مشاهدة هذه الظاهرة في سماء دول أخرى مثل بريطانيا وألمانيا.
يُذكر أن وكالة الفضاء الأمريكية (ناسا) تقوم بمراقبة النشاط الشمسي من خلال 12 مرصداً ومركبة فضائية. وقد سُجلت أعنف عاصفة شمسية في عام 1859، ويحذر الخبراء أنه لو تكررت مثل هذه العاصفة، فإنها كفيلة بتعطيل العديد من الأنظمة التكنولوجية لمناطق واسعة من الأرض في غضون دقائق.